نوسوسيال

تقرير:دجوار أحمد أغا/ موسى عنتر …. شهيد القلم الجريء والحُر

797

 

اليوم الأحد 20 ايلول يصادف واقعة أليمة في تاريخ الكرد المعاصر, ألا وهي؛ ذكرى اغتيال المناضل و الأديب الكردي موسى عنتر. تُرى من هو موسى عنتر وما الذي دفع بالفاشية التركية الى اغتياله وهو الشيخ ذو ال72 عاما؟ لنتعرف معا على جزء بسيط من حياة هذا المثقف و الصحفي الكردي الشهيد.

موسى عنتر, من مِن الكتاب والادباء والصحفيين الكرد والكردستانيين لم يسمع باسمه, لقد لمع نجمه في سماء كردستان بمختلف اجزائها المقسمة والمحتلة, هو ذاك الريفي القادم من كهوف قرية زفنكي في برية ماردين العبقة بروائح التاريخ الكردستاني والمعاناة التي عاناها –ولايزال- يعانها هذا الشعب على أيدي الطغاة والمحتلين لوطنه كردستان.

ولد موسى عنتر سنة 1920 في كهف من كهوف قرية زفنكي التي ترتمي في حضن برية ميردين, هذه المنطقة التي شهدت أهوال وفظائع بحق كلا من الأرمن و الكرد, حيث يذكر العم موسى في مذكراته كيف أن والدته قد أسكنت عدة عوائل أرمنية في أحد كهوف القرية وكانت تقدم لهم الطعام و الشراب ليلا, بالإضافة الى المعاناة التي عانها –ولازال يعانون منها- حول تتريك المنطقة والقضاء على كل ما يمت بصلة الى الثقافة والتاريخ الكردي هناك يقول العم موسى عنتر بهذا الصدد :

منذ مئات السنين, وهذه الشعوب المحيطة بنا تتدعي بأننا إخوة, وأنه وفق الإسلام, نحن المسلمون جميعا إخوة…. ولكن أنظر, فأرى أن اخوتنا المسلمين, ومنذ مئات السنين, لم يدخروا جهدا في إيذائنا . وما الذي لم يفعلوه بنا ؟ لقد قتلونا, لقد نهبونا, هجرونا من أرض أباءنا وأجدادنا, ومن وجهة نظرهم, نحن لا نصلح لشيء. كلمتنا الكردية أيضا محظورة “yasaq” لقد منعوها. نزعوا عنا الشال والسترة المهيوبين “شال وشابك” بالقوة, ومنعونا من اعتمار الكوفية, وبدلوها بقبعة الخيش. وما الذي لم يفعلوا بنا بعد ؟ ” .

قضى موسى عنتر طفولته يتيما بعد وفاة والده المبكرة, لكن والدته السيدة فصلة كانت امرأة شجاعة ذات شخصية قوية ومؤثرة, دفعت بابنها الى الدراسة واهتمت به, فكانت له الأم و الأب على حد سواء. بعد أن أنهى دراسته الابتدائية في مدارس ماردين, توجه الى أضنه لاستكمال دراسته

الإعدادية حيث سُجن هناك للمرة الأولى وهو في الإعدادية, من ثم توجه الى اسطنبول المدينة الكبيرة لمتابعة دراسته الجامعية حيث سجل في كلية الحقوق, أثناء دراسته تعرف على زوجته المستقبلية هالة ابنة عبد الرحيم هكاري الشاعر الذي كتب في مجلة جين الكردية التي كانت تصدر

في اسطنبول أعوام 1918 – 1920. بعد تخرج عنتر من كلية الحقوق, مارس المحاماة قليلا, لكنه كان ميالا للأدب و الكتابة و استنهاض همم الطلبة الكرد الذين وفدوا الى اسطنبول للدراسة ومساعدتهم على الدراسة وارسالهم الى أوروبا. أصدر صحيفة تحت اسم دجلة لكنها لم تستمر طويلا و شارك في العديد من الجمعيات الثقافية و الفعاليات والانشطة الثورية وعلى وجه الخصوص نوادي الشرق الثقافية DDKDفي السبعينيات .

يذكر القائد عبد الله اوجلان أنه : (عندما كنا شكلنا مجموعة صغيرة من المؤيدين, أثناء حصول انقلاب 12 اذار العسكري. لا يزال عالقا في ذاكرتي قول موسى عنتر لنا : “لقد انشغلوا ببعضهم البعض, فلننتبه نحن لعملنا, ولننظر في شأن وحدتنا”. ربما كان موقفه قومويا, ولكنه كان قيما). ألف العم

 

موسى العديد من الكتب منها الجرح الأسود الذي كتبها في السجن سنة 1959 و كذلك ألف قاموس كردي سنة 1967 بالإضافة الى كتابته لكتاب مذكراتي بجزئيه الأول 1991 و الثاني 1992 الى جانب مئات المقالات الساخرة و التي كان فيها يسخر من المسؤولين و رؤساء الحكومة و الجمهورية

التركية, وكان في اغلب الأحيان يدخل الى السجن من وراء كتاباته الساخرة هذه. ورغم تعرضه للسجن والملاحقة خاصة فترات 1959 وحتى 1963 ومن ثم فترة السبعينات بعد انقلاب المذكرة في 12 آذار

1970, إلا أنه رفض فكرة الخروج من الوطن وفضل البقاء فيه, حيث يقول في مذكراته الجزء الاول :”فضلت البقاء في كردستان بمواجهة أية مشكلة , يجب أن أموت في بلدي بدلا من نقل عظامي الى وطني مثل بعض الناس لاحقا” .

 

في 18 نيسان عام 1992 تأسس المعهد الكردي في إسطنبول من قبل مجموعة من المثقفين الكرد. وضمت اللجنة التأسيسية له في ذلك الوقت الى جانب موسى عنتر, فقي حسين سارنج، إسماعيل بيشكجي، عبد الرحمن دره، إبراهيم كوربوز، جمشيد بندر، ياشار كايا وسليمان إمام إوغلو، وتم انتخاب

موسى عنتر رئيساً للمعهد, لكن الفاشية التركية الشوفينية والحاقدة, لم تكن تسمح بمثل هذه الروابط الثقافية, فأقدمت وبدعم مباشر من الميت التركي على اغتيال موسى عنتر عن عمر يناهز ال 72 عاما في حي سيران تبه بمدينة دياربكر في 20 ايلول من العام نفسه أي 1992 بعد خمسة أشهر من افتتاح المعهد و انتخاب موسى عنتر رئيسا له.

هكذا نرى بأن العقلية المهيمنة على الطغاة الترك, عقلية فاشية بامتياز وهي وريثة عقلية جمال باشا السفاح الذي أعدم العشرات من المتنورين و المثقفين الكرد في كلا من دمشق وبيروت. يتحدث العم موسى عنتر عن مسألة لواء اسكندرون في مذكراته قائلا :

… كانت سوريا حينها محكومة من قبل فرنسا، لكن ذلك الاحتلال الفرنسي لها لم يكن يشبه سائر الاحتلالات الفرنسية الأخرى، فعندما انتزعت سوريا في أعقاب الحرب العالمية الأولى من قبضة الامبراطورية العثمانية، أخضعتها عصبة الأمم للانتداب الفرنسي لمدة عشرين عاماً، وكانت أنطاكيا والإسكندرون ضمن سوريا حينها.

كانت فترة الانتداب الفرنسي مقبلة على نهايتها في العام 1938. وعلى ما يقال، فإن فرنسا استرضت تركيا لمصلحتها وبناء على علاقات الصداقة القائمة بينهما، وكانت المقولة التركية: “هاتاي أرضنا” تثبت هذه الحقيقة. حتى ذلك اليوم، لم يكن الناس يسمون هذه الأرض “هاتاي”. فكما كانوا يقولون

للكرد: “الكرد أتراك”، قالوا للعرب أيضاً: “أنتم أتراك”. قالوا إن هناك منطقة في إقليم منغوليا في آسيا الوسطى اسمها هاتاي “وأنتم جئتم من هناك”، هذا ما كانوا يخبرون به العرب، ومن المعلوم أن الفلاحين في تلك المنطقة لم يكونوا يفهمون شيئاً من هذا الذي يقال. وفي تلك الأثناء، جاء أتاتورك

 

إلى أضنة مرتين، كنا نراه عن قرب، وأجري استفتاء في منطقة هاتاي، وبتغاض من الفرنسيين، حصل الأتراك على أصوات أكثر من التي حصل عليها العرب، فأصبحت أنطاكيا والإسكندرون وتوابعها جمهورية مستقلة على غرار جمهورية قبرص الشمالية.

أصبح طيفور سوكمن رئيساً للجمهورية وعبدالرحمن ملك رئيس وزراء الجمهورية، وتم تشكيل البرلمان والكابينة الحكومية وصيغ الدستور، وجاء في أحد مواد الدستور: “يمكن بأغلبية برلمانية أن

تتحد مع أي دولة تريد”. لا شك أن ذلك كان إشارة غير مباشرة إلى تركيا. ثم بعد فترة قصيرة صدر قرار من هذا القبيل وأصبحت هاتاي بموجبه جزءاً من تركيا. ثم تبين أن طيفور سوكمن كان واحداً من جواسيس مؤسسة الأمن التركية” .

ومنذ عام 1993 تم تخصيص جائزة للصحفيين تحت اسم (مسابقة جائزة موسى عنتر للصحافة)، حيث يتم بمشاركة واسعة من قبل الصحفيين عبر إرسال صورهم وموادهم، ويتم اخيار الفائز بينهم وتقديم جائزة له.