نوسوسيال

بقلم:دجوار أحمد أغا/ روسيا و الشرق الأ وسط تقا طع المصالح

1٬064

يُعد الشرق الأوسط اقليما لا يضاهيه اقليم في العالم من حيث التداخلات والتفاعلات الديناميكية بين أطرافه الأساسية, المكونة من القوى المحلية الصاعدة والقوى الاقليمية التي تبحث عن دورلها في السيطرة والتحكم بالموارد الاقتصادية و البشرية الهائلة فيه, وبين القوى العالمية الكبرى التي تبحث دائما عن مصالحها الاستراتيجية و تتقاسم مناطق العالم فيما بينها تحت مسمى مناطق نفوذ .
الشرق الاوسط هو مهد الحضارات الإنسانية, ومنبع ومنبت الديانات السماوية الرئيسية الثلاث ( اليهودية – المسيحية – الإسلام ) وهو مركز الصراع العربي الإسرائيلي ( القضية الفلسطينية ), كما أنه يضم الأمة الأكبر في العالم التي ما زالت بدون كيان سياسي يحقق لها اهدافها المشروعة في العيش على تراب وطنها بحرية ( القضية الكردية ), بالإضافة الى موقعه في قلب العالم و ملتقى القارات الثلاث ( اسيا – اوروبا – افريقيا ), الى جانب غناه المثير للاهتمام بالنفط و المياه و الثروات الطبيعية, وأشرافه على مساحات واسعة من سواحل بحار ( الأبيض المتوسط – الأسود – الأحمر – قزوين ), بالإضافة الى وقوع مضائق وممرات المائية هامة للعالم أجمع فيه مثل ( قناة السويس – مضائق البوسفور والدردنيل – باب المندب ). كل هذه العوامل دفعت بروسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفياتي السابق؛ الى إعادة النظر في سياستها بالمنطقة؛ خصوصا بعد أن خسرت معظم حلفائها السابقين في المنطقة أمثال ( ليبيا – الجزائر – اليمن – العراق – و سوريا نوعا ما ).
بطبيعة الحال, يجب ان نأخذ في الحسبان, أنه و بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق عام 1991 و استلام بوريس يلتسين رئاسة روسيا الاتحادية, لم يكن هناك شيء اسمه سياسة خارجية بالمعنى الحقيقي؛ فالعمل كله كان ينصب في اتجاه الحفاظ على بنية الدولة الاتحادية من الانهيار والحد من التغلغل الغربي في نطاق الامن القومي الروسي من خلال ضم العديد من الدول التي كانت سابقا في حلف وارسو, أو حتى تلك التي كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق, الى حلف الناتو ( الاطلسي ) ” جمهوريات لاتفيا و استونيا وليتوانيا و اوكرانيا ” نموذجا, وهو ما حاز على الاهتمام الاكبر من السياسة الخارجية الروسية . لكن مع مجيء فلاديمير بوتين الى سدة الحكم في العام 2000 ظهر له بأن السياسة الخارجية الروسية محكومة بكونها لا تستطيع ان تقرر سياستها الخارجية في اية قضية إقليمه او دولية دون أن تأخذ بالحسبان العامل الامريكي . هنا بدأ دور بوتين القادم من ال كي جي بي وهو جهاز الاستخبارات السوفيتي السابق؛ وبحنكته الدبلوماسية وسياسته الهادئة والتي تعتمد على امتصاص الصدمة ومن ثم الانتقال للرد وبهدوء قاتل, استطاع أن يجعل من روسيا رقما صعبا في السياسة الدولية خاصة في عهده الثاني . يقول بوتين في هذا السياق :
” إن روسيا الاتحادية في المقام الأول تعتبر واحدة من أكثر المراكز تأثيرا في العالم الحديث؛ وهي تسعى وتعمل في المقام الثاني من أجل ضمان أمنها و الحفاظ على سيادتها ووحدة ترابها وموقفها القوى, فهي صاحبة سلطة في المجتمع الدولي ” .
بالنسبة للشرق الاوسط عاد الى الصدارة في السياسة الخارجية الروسية لبوتين وروسيا الاتحادية مع بداية ما يُسمى “الربيع العربي” الذي نظرت اليه موسكو من منطلق نظرية المؤامرة؛ وقالوا بان اطراف خارجية خفية توظف الثورات لخدمة شركات غربية, لزعزعة الانظمة المستقرة نسبيا . لذا بدأت روسيا؛ بالعمل على تطوير علاقاتها مع ايران و السعودية ومصر و الامارات وتركيا و اسرائيل وهي الدول الفاعلة و المؤثرة في المشهد السياسي في المنطقة حيث قام بوتين بزيارات الى هذه الدول وعقد صفقات ضخمة لتوريد الاسلحة الروسية لها الى جانب تجديده لمعاهدة الصداقة و التعاون مع سوريا, وكذلك دعمه للمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي وتجلت السياسة الروسية الحديثة في الشرق الاوسط بشكا أكثر وضوحا, من خلال انخراطها بشكل مباشر في الازمة السورية التي اعادتها الى الواجهة في اللعبة الدولية كفاعل لا يستهان به و مؤثر في الاحداث بشكل كبير, من خلال إرسال قوات الشرطة العسكرية و القوات الجوية الروسية الى الاراضي والأجواء السورية, الى جانب حصولها على ميناء طرطوس و قاعدة حميميم الجوية بالإضافة الى العديد من المناطق الاخرى من النظام السوري مقابل دعمها له و الحفاظ على بقائه في السلطة .
بطبيعة الحال فإن روسيا لا تُعارض تغير النظام الحاكم في سوريا, لكنها تعارض التدخل الغربي فيها, وترى بأن الهدف من التغيير والمطالبة بالتدخل الغربي و الامريكي تحديا, إنما هو لتطويق روسيا اقليميا, الى جانب سعي روسيا لتحيد النفوذ الايراني المتزايد في سوريا كما الحال مع امريكا و التي جاء تدخلها المباشر في السياق ذاته و للحد من التدخلات الاقليمية ( ايران – تركيا ) و أطماعهم في سوريا وعلى وجه الخصوص دعمهم الفعلي لبقاء النظام السوري و الاتفاق معه على عدم منح أية حقوق قومية للشعب الكردي كونها تتقاسم وطن الكرد كردستان فيما بينها .
تتقاطع المصالح الروسية و الأمريكية في الكثير من الامور الاساسية في الشرق الاوسط وعلى وجه الخصوص في منطقتنا, حيث ليس من مصلحة الطرفين في المرحلة الراهنة, ايجاد حل سلمي للازمة السورية, كونها متفقة على عدم نضوج الظروف المتهيئة للحل السلمي . لذا نراها تماطل وتعقد الاجتماعات الواحدة تلوى الاخرى من جنيف 1 الى جنيف 8 ومن استانا 1 الى استانا 15 وكذلك سوتشي وغيرها دونما الوصول الى حل للازمة . المفارقة العجيبة والغريبة هي في الأستانة والتي تضم الى جانب روسيا كلا من الطرفين النقيضين في الازمة السورية تركيا التي تدعي دعم المعارضة, وايران التي تساند النظام الى أقصى درجة كونه متماثل معها فكريا و ايديولوجيا و طائفيا . هنا؛ تتوضح لنا الفكرة بأنهم متفقين على عدم السماح لأي نظام إداري ذاتي لا مركزي ضمن اعتراف دستوري في سوريا, خوفا من انتقال التجربة الى اجزاء كردستان التي يحتلونها وهما الجزئين الاكبر من الوطن الام كردستان .
في الآونة الأخيرة وقع مجلس سوريا الديمقراطية اتفاق مع حزب الارادة الشعبية في موسكو و برعاية وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والذي اجتمع فيما بعد؛ مع الوفدين وامام عدسات كاميرات وسائل الاعلام العالمية, في خطوة يعتبرها الكثيرون تحولا كبيرا في السياسة الخارجية الروسية وموقف موسكو من الكرد والادارة الذاتية, وهو ما ازعج كلا من تركيا وايران شركائها في الأستانة . يتبين لنا بأنه لم تعد روسيا تبالي بالقلق الجيوسياسي المشترك لشريكيها في الأستانة ( تركيا – ايران ) من احتمال حصول الكرد على اعتراف دستوري بحقوقهم وقيام كيان سياسي حتى وان كان تحت مسمى ادارة ذاتية على طول الحدود المصطنعة في جنوب تركيا, وهو ما يعزلها عن التمدد باتجاه دول الخليج الى جانب خوفها من ان يتحول هذا الكيان واقليم كردستان العراق والذي اعترفت به الحكومة العراقية و ثبت في الدستور, الى الخطوة الاولى في بناء كردستان الكبرى التي تخشاها تركيا بالدرجة الاولى اكثر من أي شيء آخر .
تواجه روسيا تحديات أمنية استراتيجية تستهدف عمقها بعد أزمة أوكرانيا و ضمها شبه جزيرة القرم, وتُعتبر خاصرتها الجنوبية رخوة و مفتوحة على كافة الاحتمالات, لذا تختار روسيا سياسة خارجية تهدف الى السعي وراء الفرص و المجالات و المسارات التي تمكنها من اداء دور فاعل و نشيط كقوة عالمية . طبعا مع الاخذ بعين الاعتبار المصلحة الاميركية في المنطقة و الاتفاق على تقاسم مناطق النفوذ كما جرى في اتفاقية بوتين – اوباما.