نوسوسيال

بقلم:الدكتورهاني الخوري/ قانون قيصر سلاح لقتل الشعوب…والبطون الخاوية

614

الكل يعتقد بان ما تمر به سورية من صعوبات وتحديات هو ازمة عقوبات وصعوبات وتامر خارجي ….ولكن الواقع يقول بان ما اعد لسورية من داخلها اكبر بكثير من كل مفاعيل الضغوط الخارجية، التي هي بالنهاية قابلة للتجاوز بادارة وطنية داخلية حكيمة وواعية ان وجدت.
ولكن الواقع يقول بان الشخصية السورية تعتمد ارادة الخلاص الفردي والنجاة بالذات والعائلة كثقافة سائدة؟ والكل يسعى لنجاته دون ان يمسه اذى دون الاكتراث بمصير اخيه او جيرانه او بيئته، مع ان الواقع يقول بانه اذا كان جارك بخير فانت بخير، وانك لا يمكن ان تهنأ بعيشك او مالك او حياتك بدون عدالة اجتماعية وبدون ان يكون باقي المجتمع سليم ومعافى.
فسورية التي دفعت ثمن عشر سنوات حرب ووصلت نسب الفقر فيها الى 82 بالمائة والعقارات المدمرة جزئيا او كليا الى مليوني عقار، وخرجت منها اربعين بالمائة من الرقعة الزراعية والمشجرة بفعل اضرار الحرب، وتراجع فيها الناتج الاجمالي الرسمي الى النصف، وتدمر فيها 30 بالمائة من البنية التحتية، ولم تعرف بعدها الا العقوبات بدل الدعم للاعمار، واليوم تطرح فيها العقوبات على اشدها من قبل الغرب وامريكا.
ففي سورية هذه الحضارية والمنتمية للحداثة والثقافة التقليدية بعراقة، هناك سيكولوجية ونفسية تاريخية محددة لشخصية السوري عند الطيف الاوسع في المجتمع، وهي سيكولوجية قائمة بين السوريين منذ الاف السنين بنسب مختلفة ، ولكنها تحدد لناس الية للانتماء للمصالح الفردية والعائلة والعشائرية والطائفية وحسب التدريج المناسب وبالنهاية من اين تأتي المصالح حتى لو بين متضادين لاتمامها وكل شيء قابل للبيع طالما انه يحمل لي مصلحة شخصية، وعلى حساب الوطن والانتماء والاختلافات طالما يقدم شيئا للمصلحة الشخصية وهذا يجعل المعارك الداخلية في سورية مهما كانت خاسرة لانها شاهد على تهاوننا وضعفنا الاخلاقي جميعا.
فعندما لاح بالافق سحب العقوبات والضغوطات الشديدة على سورية باسم قانون سيزر وقبله، فكان الكل متمرسا بادواره التاجر يحول ارباحه للدولار ويسعر بالعملة الصعبة حتى لو كان يشتري كل تجارته بيعا وشراء بالليرة السورية، وهو مدعو دائما لرفع اسعاره بالدولار اوالعملة الصعبة اذا كانت سلعه قابلة للاحتكار مع ان هذه السلع تنتج محليا بيد عاملة سورية لم ترتفع اجورها، فهو يرفع بمقدار اكبر من ارتفاع العملة الصعبة، ويبتلع الفوارق دون ان يدفع ثمنها فهو متهرب ضريبيا ومتهرب من دفع قيمة الكثير من الخدمات ولا سيما الكهرباء والكثير من السلع بالقيم الحقيقية.
والسوريون اليوم جزء كبير منهم يهرب او يكتسب من الحواجز او يتهرب من الضرائب والرسوم والجمارك، والكل يحاول ان يستفيد من الدعم ويساهم في احتكار الغاز والمازوت والبنزين والسلع الغذائية، وبيع السلع المقلدة بسعر السلع الاجنبية وبيع السلع الفاسدة والمنتهية الصلاحية وسرقة المساعدات الغذائية والطبية والمشاريع، بالاضافة للفساد الوظيفي والمضاربات والاحتكار، الكل يتلاعب بقوت الشعب ولكن بمستويات مختلفة وهناك تجار الحرب واصحاب الثروات المشبوهة الملوثة بالقتل والخطف، لقد عرف السوريون كيف يتعايشون مع ثقافة الحرب والحرب من خلال قاموس الازمة والاغلبية تلبس ثوب الوطنية والانتماء الظاهري وهي بالنهاية مستعدة لاستبعاد اي طاقة او خبرة وطنية مستحقة لكلي تحصل مكاسبها ومصالحها الفردية.
وبالنهاية تجد التاجر السوري يقول يدعي امام زبائنه، بانه يفضل الاغلاق وعدم البيع لان بضائعه تنفذ، ولا يريد ان يخسر بضاعته، ويتراجع رأسماله، لأنه لا يستطيع ان يعوضها مع انه بالنهاية له ارباح جانبية عديدة تعوضه، ولكنه حتى يرد العين لا يعترف بالإيجابيات والربح ويركز على بعض الثغرات بالخسارة.
انا اعرف دوما مقدار الفساد الحكومي والوظيفي ولكن هذا الفساد يشتريه التاجر لتمرير مصالحه ويبقى رابحا وحتى الاستيراد يتم بطرق غير نظامية وبدون دفع رسوم للدولة والخاسر دائما هو خزينة الدولة لان الجميع يتامر عليها التاجر والموظف والمسؤول حتى تفرغ ويزداد تحكم التجار بالدولة فهم يعيشون عصرهم الذهبي. وهم يرون ان مثل هذه الحكومة التي تكرس فكرة ان الخير قليل وان القادم اصعب ولا بد من التقشف، هي الحكومة المثالية للتجار لأنها تشترى بالمصالح ولأنها روتينية وغير قادرة على ايجاد مصادر تمويل وانتاج جديدة كبيرة، وهي ترسل موظفين كمراقبين للتجار وهم غير مكتفين ماديا ليفرضوا غرامات ومخالفات بالملايين عليهم ، وبالتالي يمكن رشوتهم واستمالتهم بحجة ضيق العيش، انها بحق حكومة رفع اسعار وادارة صعوبات مادية ومعيشية وبرمجة تراجع قيمة العملة الوطنية بما يناسب ربح التجار واحتكارهم.,
ان الولايات المتحدة الامريكية تراهن على الفساد المستشري وعلى سلوك التجار السوريين والجزء من الشعب السوري المحب لمصالحه والمدعي بوطنيته لتحقيق نتائج قانون قيصر الذي لا قيمة عملية له لوكانت البلد محصنة اخلاقيا ، فسورية محاصرة اصلا ولا يمكنها التعامل مع العديد من الهيئات الدولية ولا التجارية والمالية والتحويلات.
ولكن الانانية وسكين المصالح في سورية تجعل من كل مواطن ليس له جهة تحميه معاشيا او عمل مقبول يسنده في مذبح الربح والخسارة والفقر، ومن هنا تجد ان نسبة الفقر المشار اليها بنسبة 82 بالمائة لا يظهر عمقها بالمجتمع فالموظفين يعانون واصحاب المهن احوالهم افضل والتجار بحال ذهبية اختلفت المرجعيات والاولويات والمعركة معركة ربح ومال وفساد وتتراجع الثقافة والفكر والقيم النبيلة ويصبح السوق سوق وحوش لا رحمة فيها يدفع فيها الفقير ضريبة الجشع وارادة تعظيم الربح لم نرتدع من كورونا وكيف قام الشعب الايطالي برمي المال بالطرقات من اجل القول ان الصحة اهم، وظلت اطارات الاحتكار والتحكم والتذاكي والفساد والمصلحة الخاصة تستعر برؤوسنا والكل يلعب في ملعب الفساد والمصالح وتراجعت الرؤى الوطنية والانسانية والخيرة الى الحضيض خصوصا في الهيئات الاغاثية الدينية التي لا دين لها الا المال والربح والفساد.
علينا ان نصحو ونواجه فكفانا كذبا وادعاء، نحن نحتال على كل القيم ونتاجر بكل الشعارات وفي داخلنا مملوؤن عفنا ومصالح، الكل بعيد عن الدين والاخلاق رفي تجارته وعمله لان من خان مؤسسته بضعف العمل والانجاز والتراخي وضعف الابداع لن ينصفها باخلاقه.
لن نصحو ولكن ما حدث هو شهادة استحقاق للعقاب والموت والتراجع والمعاناة ، لا تتهموا الدولة ولا الحكومة التي هي من اكثر الحكومات تقليدية استبدادية وادارة للصعوبات كإدارة ازمات لا تبدع ولكن توزع الصعوبات وتستثمر بالعائدات الفردية والفساد وضعف الرؤية، ولو انتصرت الاخلاق والقيم والاثرة على المصالح لانهزمت العقوبات الامريكية وتراجعت كل الدول عن العقوبات حتى لا يخرج المارد السوري من عقاله ويكشف زيفهم وتامرهم، ولغيروا كل اساليبهم باتجاه التنمية والانجاز والافساد بالاستهلاك حتى لا تكون العقوبات وسيلة تطوير انتاج وانجاز في سورية، وسورية دوما تبدع في الازمات رغم كل الصعوبات والانهيارات الاخلاقية لان فيها بقية باقية تؤمن بوطنيتها وقيمة سورية الحضارة عالميا، وهذه النخب الوطنية تعي خطورة ما يجري وبدأت تعمل وتطلق طاقات الانتاج والانجاز والابداع من جديد.
فسورية تمتلك بثقافة وخبرات شعبها المهنية والفكرية وامكانات ثرواتها وموقعها واثارها وسياحتها اعظم مقومات التنمية المستدامة، وتستحق ان تكون قطبا اقتصاديا مزدهرا في المنطقة شرط الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مما يبشر بان سورية الانسان والحضارة والدولة والانسان الحضاري ستنتصر وسيسقط كل اعدائها لأنها ارض الحضارات والبركة والخير ، وان غدا لناظره لقريب…..
دمشق في 12-6-2020
د. هاني شحادة الخوري