نوسوسيال

دمشق:بقلم الدكتور هاني شحادة الخوري/ الانسان في عالم كورونا

715

يعيش العالم اليوم حالة من الفوضى والخوف والترقب على مصير البشرية، مصير البشر والحضارة السائدة، ومصير الاعمال وطبيعة التحديات الانسانية القادمة الى درجة تجعل هذا الانسان العالمي بحالة ضياع، وكأن الحضارة افرغت البشرية من مضمونها فصار معظم البشر يلهثون وراء لقمة العيش بعشوائية وعبر تلويث البيئة والقيام باعمال لا تتناسب مع قيمهم ومبادئهم لان واقعية الحياة تنحدر بالكثيرين نحو الروتين والتكرار او نحو الربح والطمع او نحو التعيش على حساب القيم والاخلاقيات
لا شك بان هذه الفوضى وهذا الضياع قائم تراكميا ما قبل كورونا، ولكن ازمة كورونا قد ايقظت بالانسان تفكيره ووعيه وعودته نحو الاصول نحو الاسئلة الكبرى، لماذا انا موجود؟ ما هو هدف البشرية؟ هل انا عنصر ضروري بالمجتمع بالوجود؟ ما هو الهدف الاسمى للمجتمع هل نسير باتجاه اهدافنا الانسانية والقيمية ام نعيش على ركام البشر مقابل المادية والعدمية والربح لقد ادخلنا عالم ما بعد الحداثة في حالة ضياع كبرى، وايقظت فينا بعد كل تفاصيل اللهاث الاستهلاكي حالة من الضياع التي لم تكتمل في الوعي الانساني والبشري.
فهل اثر التهديد الكوني بالفناءفي الانسان، وهل سيفكر ان يكون اكثر انسانية؟ واكثر رافة؟ واقل تلويثا للبيئة للطبيعة؟ هل سيفكر بقيمة علاقاته الانسانية؟ هل سيخفف من مستوى لهاثه للعمل للوصول للهدف الاسمى من العمل، وتعزيز التنافس القيمي؟ هل هذا الفراغ الروحي والفكري الذي نعيشه صدفة، لماذا انحدرنا نحو التفاصيل؟، وتركنا الاستنتاجات الكبرى، وما الذي يجعلنا انانيين؟ وغير مكترثين بالبشر المعانين من الحروب والخوف والمرض والفقر؟، لماذا تركز الدول الغنية مزايا استهلاكها على حساب استغلال الشعوب ومقدراتهم وثرواتهم الطبيعية.
لم نعد نذكر مفكرا عالميا يهز وجدان البشر، ولم نعد نتبع قادة عالميين يلهمون طموحنا، ويدفعوننا نحو التضحية نحو التضامن، نحو التفاعل الانساني الصادق، لقد تموتت احاسيسنا، واصبحنا نقاد بالرغائب والمسابقات والغرائز والفردانيات وتنحدر الاسرة ويتفكك المجتمع، وتزول القيم الجامعة، وتتحول الى سلوكيات وقواعد مكررة ، تكسر في اطار المصلحة والفساد، اما الجامعات فقد تفرغت من حيويتها واصبحت مجرد حالة تراكمية ركامية للمعرفة والمهارات.
الناجحون والقادة هم يستثيرون فينا الرغبة بالنجاح والتميز واكتساب الثروة، ولكن لا يستثيرون فينا حس القيادة الاجتماعية، ووعي الذات وقيادة الوعي المجتمعي الاعلام سطح كل شيء، والهى الناس بالسفاسف وعالم المالتي ميديا يشتت الجهود، والية الوعي ويبرز التوجيه والتاثير الاعلامي الكبير على الشباب والمراهقين ويقود اندفاعاتهم وطاقاتهم المحبوسة والسلبية من الانفجار الى البرامج والثورات والمتغيرات العاطفية غير الواعية .
لقد ادت العولمة بطبيعتها الى انحدار بالوعي وتراجع في الذائقة الثقافية وتسليع للانسان والثقافة واضعاف للروابط الوطنية والانسان في هذه المادية الكاسرة يشعر بحجم هذا الفراغ الروحي ويصبح اكثر توقا للبساطة للعاطفة للروابط الاجتماعية وكل تخوفات العالم لا تعنيه ما هو هذا اللقاح المنقذ لماذا التباعد الاجتماعي والعزل بين البشر والحظر لماذا تفرغ المدن هل فعلا سنلغي تعاملينا مع الطاقة الاحفورية هل سنتبنى عالما اكثر احتراما للبيئة واقل تلويثا ماذا تحضر لنا يا بيل غيتس ولماذا فرحت الحكومات بالتخلص من كبار السن وعودة سلطاتها القهرية بالحظر تحت صرخات الانقاذ الصحي للبشر عن ماذا يدافع البشر وهل وجودهم يعني لهم شيئا الا حس البقاء الطبيعي هل هي حالة انانية غير واعية هل نرفض ان نستفيق من ضغط التكنولوجيا والمعلومات ام من المبكر التفكير بثقافة وقيم حياة جديدة تدمر الثروات وتغغير اساليب العمل وتنهار المؤسسات وتضعف الاعمال والكل راضي تحت ضغط الخوف ويصفق للحكومات المسرورة ضمنا بعودة السلطات المركزية .
الا يريد البشر ان يحاسبوا حكوماتهم على حالت ضعف الامان الغذائي الا يريدون ان يقولوا لهم لماذا بدت او ظهرت منظوماتنا الطبية هزيلة وغير علمية والتجهيزات محدودة والاستعدادات للاوبئة محدودة جدا
.
الصور تقول لنا ان عالم الانفلونزا الاسبانية كان اكثر انضباط والكوادر الطبية فيه اكثر جدية اما اليوم فيظهر الحظر صعبا وقميئا والخوف والرهبة تزرع الرعب في نفوس الجميع، وبالاخص كبار السن الذين لن تحتمل قلوبهم نظرات الخوف والشفقة ووحشة التعامل الطبي غير الانساني والمبرأ من كل مصاب والخائف منه ومن عدواه.
لقد ظهر العالم هشا والدول اكثر انانية وروابط الدول التجارية والمصلحية حالات هشة وغير انسانية ومستوى الانضباط الطبي محدود وحقيقة العلاج غائمة .
حتى على المستوى الايماني والروحي فان اغلاق المعابد لكل الاديان والمذاهب ولاهم المراكز الدينية كان له دلالاته، بان الدين هذه المرة لن ينفعكم فكروا فقط بالاطباء بشركات الادوية بكوادر المشافي وبالممرضات ومساهمي الخدمة الطبية هؤلاء فقط من ينفعوكم، اما الاديان ورجال الدين فهم اكثر خوفا منكم ولن يتمسكوا بمقابلة جمهورهم رغم تمسكهم بالسيطرة لانهم يخافون العدوى ورجال الدين بالعمق اكثر انانية وخوف على حياتهم من غيرهم من البشر كل ذلك ينذر بالتغيير ولكن بمسارات ومجالات جديدة غير متوقعة ربما تدفع الانسان نحو رؤية الذات ومحاورة الانا العليا والعودة الى اصول الحضارات، وقيمة الانسان، وقيمة الدولة والامة كل هذه القيم ترهلت عبر قيم العولمة، واليوم يبدو ان اغنياء الارض بدأت تضيق بهم الارض بفعل الفقراء واعداهم الكبيرة ويريدن ان يعيدوا الارض تحت سيطرة النخبة الاغنى والاكثر قدرة على الاندماج بالعالم الرقمي والعملات الرقمية واللقاح الالكتروني الرابط مع انترنت الجيل الخامس، لتبدا الروبوتات عصر سيادتها على حساب الانسان الذي تتراجع انسانيته وحريته وارائه، لانه اصبح هامشيا في عالم التحكم الرقمي الالكتروني والعمال الرقميين وعالم الذكاء الصنعي.
ما زال الوقت مبكرا على الحكم على ردة فعل الانسان المبرمجة وغير المبرمجة
فكل حسابات العلماء والخبراء لا تقارب عمق المشكلة والتحدي، والانسان اليوم امام تحدي بقاء وحالة كسر لحالة الراحة الاستهلاكية في الغرب، وحالة الغرق في تفاصيل العمل المادي والفرداني والمتع الشخصية مع تحديات الحياة .
وانا اتوقع شخصيا عودة كبيرة الى عالم التحديات الانسانية الفكرية والفلسفية والعودة للبساطة، ولاعادة حسابات البشرية والكون وقلب المفاهيم بشكل لا يتوقعه المنظرون وغدا لناظره لقريب….
دمشق في 17-5-2020
الدكتور هاني شحادة الخوري