نوسوسيال

قراءة في قصائد الشاعر السوري عبد الرحمن محمد

1٬007

 

 

الكاتب والشاعر اللبناني بسام موسى يتحدث عن الشاعر السوري المعروف عبد الرحمن محمد في محاضرة أدبية قرأة في أشعارالشاعرالرحمن محمد التي لاقت اعجابا كبيراً من نخبة المثقفين

اللبنانيين في بيروت وكتب شاعرنا بسام موسى مشيداً بالحس الشعري والصور الشعرية الرائعة لشاعر يملك القدرة في صياغة حروفه الشعرية بصور جميلة تنساب بين الحروف بشفافية ممزوجة

في إحساس الشاعر السوري المبدع عبد الرحمن محمد مما دفع الكاتب بسام موسى   للكتابة عن

الشاعر السوري عبد الرحمن محمد

 

بقلم الكاتب اللبناني الشاعر بسام موسى

 

مُكتَنِزاً بالعِشقِ والحُرّيةِ، يَسوطُ اللحظةَ بِحَنينٍ دامِعٍ ونظرةٍ ثاقِبةٍ تَكُرُّ صُوَرُها كأخيِلَةٍ تَخُبُّ على رِمالِ الرٌهبة والوَجع.

يَخُضُّ الصّمتَ، ويَهزُّ الغِيابَ بأحلامٍ مَصلوبَةٍ على خَشَبةِ الرؤيا في زمنٍ مُتَصَدِّعٍ وأيامٍ مُحدَوْدِبَةٍ هَرِمَة.

قصيدَتُهُ تَتَطاوَلُ كرغيفِ خُبزٍ على شِفاهٍ جائعةٍ وروحٍ كَواها الشَّغَفُ إلى ماءِ الجَمالِ والسِّحر. لُغَتُهُ كَعُنَّابِ المسافاتِ، تَحمِلُكَ على هَوْدَجِ الجَمالِ بِبَساطَةٍ تَتَأرجَحُ بين الواقعِ والخَيالِ، مُرَتِّبَةّ حقائبَ المعنى ومُشْعِلَةّ نارَ اللّهفَةِ إلى قراءةِ كَفِّ القصيدةِ وتَتَبُّعِ الدّهشةِ المُرتَجَّةِ بين الكلامِ والصَدى.

هو الشاعر والإعلامي السوري عبد الرحمن محمد محمد من قامشلو – الذي أصدر من قبل مجموعتين شعريتين، حملتا عنوانين لافتين، الأولى عنونها بـ ” عشق الأزمنة الممنوعة” أما الثانية فحملت عنوان “وداع الناسك الأخير”، إلى جانب كتابين آخرين. يقول في قصيدته “حرف لسليلة الناي”:

“للحرف إزميلٌ من رحيقٍ

لِجيدِ القصيدةِ

لِمَرمَرٍ صَدرِها

لامرأةٍ لا يُشبِهُ ظِلُّها

إلّا ظٍلَّ نخلةٍ

مُكتَنِزَةٍ بالرُطَبٍ”.

كما يقول في قصيدة أخرى:

“خَلِّي التَرانيمَ الأولى

للسفرِ المؤجّلِ

أوقِدي كلَّ الأسرِجَةِ

قولي للشّمسِ:

لا توقدي للشروق

كلّ بهائكِ

امنحي الغروبَ

لوناً آخرَ،

خفّفي عنه وجعَ الرحيل”.

قصيدته حريقٌ يستَعِرُ في الروحِ، وقِصةٌ دامِعةٌ على خَد الرحيل. والشاعر مَسكونٌ بالعِشقِ والسكْبِ، يَعتَصِرُ اللحظةَ لِيَمتاحَ الفرحةَ من قَعرِ يأسِهِ ومرارة أيامه، والحب عنده تَطَهرٌ من الآثام، وما المرأةُ إلّا نخلة مُكتَنِزة بالرطَب في صحراء تَفيض عطَشاً وشوقاً وحنانا.

وهي أيضاً مُعجمُ البهجة، نضَّاحَةٌ بالعطاء والإيحاءاتِ، حين يَصيرُ الجَسَدُ طُقوساً ونُذوراً ومطراً يَنهَمِرُ في ليالٍ دافئة. يقول عبد الرحمن محمد في قصيدته “لا تقطف الحلم”:

“لا توقظ الحبيبة

من نَومٍ خجولٍ،

دعها تقطف سُكَّرَ الحقولِ

وأقحوانَ السهولِ

لا تبتُر الأحلامَ الجميلة

لعلّها تُصبح يوماً قُبلَةً

وتتفتَّحُ شقائقُ النعمان

تضحك

لِشمسنا الباكية”.

تلقائيةٌ مُحبَّبةٌ وسهولةٌ مُشاكِسةٌ للمعنى، لكأن أجراس القصيدة تُقرَعُ على دقّاتِ قلبه لِيُحِيلَ النص إلى نُسْكٍ فيه تَتَوَحَّدُ التأملاتُ والمرأة بالطبيعة، فتقف القصيدةُ ويمشي النثرُ بصمتٍ مُدَوٍ وبأناقة خالية من التَبَرُّج والمُباهاة.

وفي قصيدته “كبريت” يقول شاعرنا:

“ينبوعها من دمي

والسبيل

تحفر في الصُّوّان

حُروفَ اسمها.

رقراقةٌ

صفحاتُ مائها،

ناعمةٌ

كوجه طفلةٍ

تبتسم كل صباح.

الكينا يُغَنّي لصفصافها،

وتلك الياسمينة

ما زالت

تُخَبِّئُ أسرارَ عُشّاقٍ

رحلوا تحت جنح الليل.

عائدون

أوانَ فَجْرٍ”.

يحملنا الشاعر إلى فضاءاته الحميمية السخِيَّة في تَدَفُّقِها، وطراوتها، واحتداماتها العميقة. فنستمتع بغناء الطبيعة، وبالصور البانورامية السردية المُقفَلة والمفتوحة في قالب نثري شهي.

وفي قصيدته “موعد مع الوجع” يقول عبد الرحمن محمد:

“كنت وعدت قلبي

وأمي

قبل أن تشدّ رحالها

قبل أن تصلي صلاتها

الأخيرة

ألا أصالح الوجع

وألا ألقي عليه السلام.

كنت وعدت الدموع

أن أخفف عنها

وطأة الحريق،

كنت قد وعدت الوطن

ألا أبكي على قبره

المنسي

وأن أعيد له الحياة”.

فالشاعر منهوكُ السعادة، حزنُهُ لباسُهُ، ومرآتُهُ وجعُهُ المتواطئُ مع الحياة بإيقاظ دمعه كل هنيهة. حتى الوطن أصبح نشيج تعب، يقهرُهُ، لأن الشاعر وعده بأن يعيد له الحياة دون جدوى.

الإيقاع حزين، منكسر بانكسار روحه وأحلامه الهاربة على الأرصفة الغاربة، وبتردّد الحقول المعجمية للحزن والألم في جسد القصيدة.

هي قصيدة النثر، ابنةُ التَحَوّلِ والتجدّد والقلق الشِعريِّ المُتنامي. وإنْ كانت تتطلّبُ مزيداً من التكثيف والإيجاز، ورفع منسوب التلَقُّح بالوعي التُراثي والحداثي القيمي ومواكبة المستجدات كي لا تصبح ضجيجاً واغتراباً في قَفصٍ مكانيّ مُقْفَل.

الكاتب

بسام موسى  (كاتب وشاعر لبناني)_