فازت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس بقيادة حزب المحافظين الحاكم لتعوض بوريس جونسون في منصب رئاسة الحكومة في انتظار الانتخابات التشريعية المقبلة وذلك في ظل وضع اقتصادي واجتماعي خانق يذكر كثيرا بتحديات بداية الثمانينات من القرن الماضي.
وضع الاقتصاد الإنجليزي هو الأسوأ تقريبا من بين مجموعة السبع الكبار. فنسبة التضخم المالي وصلت إلى 10 بالمائة كما أن الاستثمارات الخارجية تراجعت بشكل كبير لتفقد لندن جاذبيتها. ورغم أن بوريس جونسون حاول حصر الأزمة في تبعات أزمة كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن الواقع يثبت أن أزمة الاقتصاد الإنجليزي تعود بالأساس إلى البريكست الذي شجعت عليه شعبوية المحافظين.
على وقع الأزمة الاقتصادية بدأت ملامح أزمة اجتماعية خانقة تلوح في الأفق. فشبح الإضرابات يعود من جيد ليعيد إلى الأذهان إضرابات عمال المناجم زمن أولى رئيسات الوزراء البريطانيات مارغريت تاتشر. حيث دعت نقابات عمال النقل إلى أكبر إضراب تشهده المملكة منذ عقود بسبب التدهور الكبير للمقدرة الشرائية. كما شملت الدعوة للإضراب قطاع الصحة من خلال نقابة الممرضين التي لم تلجأ طوال تاريخها تقريبا إلى مثل هذا التحرك العام. وليس من المستبعد أن تتوسع الإضرابات إلى قطاعات أخرى خاصة في القطاع العمومي.
ومن هنا تأتي وجاهة التساؤل حول إمكانية استعادة سياسة تاتشر من خلال ليز تراس. فالمرأة معروفة بحزمها وبتشددها والتزامها بمواقف حزبها المحافظ بالرغم من أنها كانت في البداية ضد البريكست. كما أنها تسلمت قيادة البلاد في ظل حركة مطلبية كبيرة تعوّد المحافظون على عدم الرضوخ لها. لكن وضع اليوم مختلف تماما عن أوضاع فترة مارغريت تاتشر. زمن حكم رئيسة الوزراء الراحلة كان منطق المواجهة في إطار الحرب الباردة مساعدا على إخماد أصوات النقابات والتيارات اليسارية بسبب بداية انهيار المعسكر الشرقي وأيديولوجيته. أما اليوم فيعيش البريطانيون على وقع النتائج الكارثية للخروج من الاتحاد الأوروبي دون بديل واضح.

مع اختيار أعضاء حزب المحافظين، الذي يبلع عددهم نحو 160 ألف شخص لوزيرة الخارجية ليز تراس لتولي مقعد زعامة الحزب، بات الطريق ممهدا أمامها لكي تكون على رأس الحكومة في بريطانيا.
ويأتي اختيار تراس كخليفة لبوريس جونسون، الذي تنحى عن زعامة حزب المحافظين بعد تمرد داخل فريقه الحكومي، احتجاجا على الفضائح التي طالته وكذلك الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
من هي تراس؟
-
-
من مواليد مدينة أوكسفورد جنوب وسط إنجلترا عام 1975 (47 عاما).
-
تنتمي لأسرة من الطبقة المتوسطة ذات قناعات يسارية قوية.
-
انتخبت لأول مرة في عام 2010 نائبة عن ساوث ويست نورفولك.
-
-
أصبحت شخصية مشهورة بين أعضاء حزب المحافظين بسبب آرائها التحررية في الاقتصاد والتجارة.
-
ثاني امرأة تتولى وزارة الخارجية، وتلقب بالمرأة الحديدية.
-
أسهمت في فرض عقوبات على موسكو والأوليغارشية الروسية بعد حرب أوكرانيا.
-
شغلت عدة مناصب وزارية، ولعبت دورا في التفاوض على اتفاقيات التجارة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عندما كانت وزيرة للتجارة الدولية، قبل أن تصل إلى منصبها الحالي.
أبرز وعودها
-
عدم فرض أي ضرائب جديدة وإلغاء الزيادة المخطط لها في ضريبة الشركات.
-
تعليق ما يعرف باسم “الضريبة الخضراء”، وهي جزء من فاتورة الطاقة التي تدفع للمشاريع الاجتماعية والخضراء.
-
تعهد بإنفاق 2.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع حتى عام 2026، ورفع هذه النسبة إلى 3 بالمئة بحلول عام 2030.
تحديات هائلة
-
منذ إعلان جونسون استقالته تراجعت توقعات النمو، كما ارتفع معدل التضخم السنوي فوق 10 بالمئة، وقفزت أسعار الوقود والغذاء.
-
ساد إحباط كبير بشأن ارتفاع تكلفة المعيشة وإضراب مئات الآلاف من العاملين في الموانئ والقطارات والبريد.
-
الجنيه الإسترليني شهد أسوأ شهر له منذ الفترة التي تلت استفتاء بريكست.
-
توقع بنك إنجلترا أن يقفز التضخم إلى 13 بالمئة مع تفاقم أزمة الطاقة.
-
قدرت “سيتي غروب” أن يصل التضخم في بريطانيا إلى ذروته، 18 بالمئة، أوائل العام المقبل.
-
باتت بريطانيا سادس أكبر اقتصاد في العالم، متخلية عن المركز الخامس لصالح الهند.
ويقول المحلل السياسي أندرو بويفيلد لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن بريطانيا تواجه تحديات اقتصادية كبيرة وإضرابات غير مسبوقة، ويرى أن جونسون سيترك إرثا اقتصاديا ثقيلا لخلفه.
ويضيف بويفيلد: “هناك تشابه بين الوضع الحالي والظروف التي جاءت بمارغريت تاتشر قبل 4 عقود إلى السلطة. الشركات والمصانع والمنازل أمام تحد قاس في الشتاء من جراء أزمة الطاقة، والمحافظون يميلون إلى أن يكون رئيس الحكومة أكبر سنا من بقية السكان”.
مراسم تولي رئاسة الحكومة
وينتظر تقديم جونسون لاستقالته إلى الملكة إليزابيث الثانية، الثلاثاء، في مقر إقامتها الصيفي في بالمورال بإسكتلندا، ثم تستقبل الملكة ليز تراس بعده لتكون رئيس الحكومة رقم 15 في عهد الملكة المستمر منذ 70 عاما.
على أن تعود تراس إلى لندن لإلقاء خطابها الأول أمام مقر الحكومة في “داوننغ ستريت”، قبل تشكيل حكومتها ومواجهة زعيم المعارضة كير ستارمر للمرة الأولى في البرلمان، الأربعاء
ليز تراس..من تكون؟
