نوسوسيال

بقلم الباحث حسان يونس: الحرية للقائد المفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان

402

 

 

مر الذكرى الثانية والعشرين على اعتقال عبد الله أوجلان في سجن تركي، بعد عملية اختطاف معقدة ومثلثة الإضلاع، أمريكية، تركية، إسرائيلية . بعد أيام قليلة من اعتقال أوجلان في العاصمة الكينية

نيروبي في 15 شباط 1999، كشفت صحيفة نيويورك تايمز إن الضغط الدبلوماسي والأمني الذي مارسته واشنطن لمدة 4 أشهر مكن في النهاية تركيا من اعتقال الزعيم الكردي. توجه أوجلان في

البداية إلى إيطاليا وبعدها توجه إلى روسيا ومنها إلى اليونان وفي نهاية المطاف توجه إلى كينيا لكي يتوارى في السفارة اليونانية هناك. لكن واشنطن حذرت روسيا وكل الدول الأوروبية من مغبة

منح المأوى لأوجلان مما أجبر الحكومة اليونانية على اللجوء لهذا الخيار. بعد ما يزيد عن عقدين من اعتقال أوجلان أحيا أنصاره في مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشمال شرق سورية ذكرى الاعتقال

بمظاهر متعددة، تراوحت بين تنظيم المحاضرات حول أفكار الرجل وبين تنظيم حلقات الدبكة وترديد الأغاني الشعبية والوقفات الاحتجاجية والتظاهرات. في مناطق الإدارة الذاتية التي تحتفي باوجلان

وبصوره وبنظرياته حول الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية بديلا للدولة القومية وحول اللامركزية و المرأة والإلهة الأم بديلا للنظام المركزي الديكتاتوري الذكوري، في تلك المناطق نجد كذلك

المصفحات والأعلام الأمريكية، وإذا كانت علاقة الإدارة الذاتية بالأمريكيين تأتي في سياق الضرورة التي تفرضها السياسة في منطقة شديدة التعقيد كالشرق الأوسط، وبالتحديد الشمال السوري، حيث

يتحاذى مشروع الإدارة الذاتية مع النفوذ الإقليمي المعادي لعدة دول، وبالأخص النفوذ التركي الأكثر حساسية من المسالة الكردية، إذا كانت علاقة الادارة الذاتية بالأمريكيين مفهومة في سياق ذلك، فان التصاق هذه الإدارة بالأمريكيين وتماهيها معهم (ووضع كل بيضها في سلتهم) غير مفهوم. إلا

يخشى تلاميذ وأنصار ورفاق القائد أوجلان على أنفسهم ومشروعهم وأحلامهم من القوة الدولية التي وضعت زعيمهم المؤسس في السجن التركي ؟!. أم أن هذه العلاقة يمكن تفسيرها على ضوء ما قاله رئيس أركان الجيش التركي السابق إيلكر باشبوغ “إن الولايات المتحدة سلمت عمليا تركيا

أوجلان وذلك بهدف تحييده والسيطرة على الحزب”، بحسب تقرير للبي بي سي البريطانية تم نشره في شباط 2019. بعيدا عن مسار أتباعه يظل أوجلان مفكر عظيم، ومهما تعالت جدران سجنه سيظل حرا بأفكاره، وسيظل قادرا على تقديم الإلهام وربما تكون نظرته إلى المرأة والمعاني التاريخية

والفلسفية والاجتماعية والسياسية المتصلة بها هي أهم ما أنتجه. غاص الرجل عميقا في تاريخ المنطقة حتى استخرج المعنى الجوهري لدور الأنثى في التاريخ وفي المستقبل، كبديل للعنف السياسي وللعنف المقدس الذي يعانيه الشرق منذ آلاف السنين، وانطلاقا من نظرته إلى المرأة

اشتق الرجل أفكاره حول اللامركزية والأمة الديمقراطية والإدارات الذاتية، فالذكورة المهيمنة في تاريخنا تنعكس في الأحادية والطغيان والتسلط والمركزية بكل أشكالها، سواء كانت دينية (من خلال الديانات الإبراهيمية) أو كانت سياسية (من خلال الإمبراطوريات الكونية) أو فكرية (من خلال

الإيديولوجيات الشاملة التي قسمت العالم)، فيما تنعكس الأنوثة التي نادى بها أوجلان في التنوع والتآلف والتعايش بين الثقافات المختلفة واللامركزية وتوزيع السلطة والثروة بعيدا عن الاحتكار، وهي جميعا مفاهيم وصلت إليها دول الغرب منذ قرن من الزمن، فيما يفتقر إليها الشرق الأوسط بقسوة

تتصاعد مع هيمنة الأقطاب الدينية عليه كالدولة اليهودية في إسرائيل والدول الإسلامية بشقيها السني والشيعي في تركيا وإيران. كان اعتقال أوجلان متوافقا ومتزامنا (بشكل غريب) مع دخول الشرق الأوسط في مرحلة يهيمن عليها التطرف والحركات والكيانات الدينية ودعوات الإبادة والإلغاء

والتصادم القاري بين مشاريع قومية، طالما فضح الرجل فسادها وزيفها، وهو ما يعيدنا إلى الدور الأمريكي الحاسم في اعتقال الرجل وفي إدخال الشرق الأوسط في أتون هذه الصراعات وهو ما يعيد طرح السؤال السابق جول علاقة الاتكاء والتماهي بين الادارة  الذاتية والأمريكيين والمطلوب اليوم من كل المنظمات الدولية المطالبة بحرية القائدو المفكر والفيلسوف عبد اله أوجلان

 سوريا- طرطوس  –  الباحث السوري حسان يونس
ل