نوسوسيال

بقلم دجوار أحمد أغا:الشخصية الكردية بين السلوك الفكري والسياسة 

403

 

نشوء السلوك الفكري الكردي وماهية العلاقة بينه وبين السياسة انطلاقا من ” الوضع الراهن ” وتكوين وبنية العقل الكردي والعقل الكردي السياسي الذي مازال في المهد , كلها عبارة عن أزمات يعاني منها العقل الكردي سواء على الصعيد الفردي أو المجتمعي . وتكوين العقل الكردي انطلاقا من بنيته يجعلنا ننظر اليه كعقل مجتمعي وليس فردي كونه عقل أخلاقي وهو بمثابة نظام للقيم يوجه سلوك المجتمع الفكري والروحي إلى جانب العملي هذا لا يعني إهمال الفرد بل على العكس من ذلك تماما كون المجتمع يتكون و يتشكل من مجموعة من الأفراد فله أهمية بالتأكيد .

من المعلوم بأن العقل الأخلاقي يؤسسه و يوجهه نظام القيم والمبادئ التي تتكون متراكمة فوق بعضها البعض لدى الأفراد والمجتمعات و ليس النظام المعرفي هو من يكونه أي أنه بالمعرفة لا يمكن بناء و تأسيس عقل أخلاقي .

بالعودة الى العقل الكردي نرى بأن عالم القيم في الفكر والثقافة الكردية ليس عالما واحدا في الحقيقة بل هو عوالم مختلفة لأن الثقافة الكردية قُسمت الى أجزاء وأثرت وتأثرت بالعديد من الثقافات مثل العربية والفارسية والتركية بحيث أصبح لكل جزء من كردستان ثقافة كردية مشبعة بروح جزئية تحافظ عليها وتتغذى من فكر الثقافة المسيطرة على هذا الجزء .

العقل الأخلاقي الكردي عقل متعدد في تكوينه ولكنه واحد في بنيته والسبب في ذلك هو انفتاحه على ثقافات المنطقة حيث هناك دوما صراع مستمر ومتواصل داخل العقل الكردي بين القيم والمبادئ من جهة وبين النظم المعرفية من جهة أخرى . فهو بالمجمل يرفض فكرة التبعية للغير, لكنه في حقيقة الامريمارسها بطريقة عجيبة وغريبة بحق ابناء جلدته على وجه الخصوص و كأنه بذلك ينتقم من نفسه . هو يعيش حالة من القلق و الترقب الحذر و يعاني من أزمات في القيم , هذه الأزمات إن هدأت في فترة زمنية أو منطقة أو جزء أو طرف من الوطن الكردي ( كردستان ) فإنها تشتد و تستعر في الحقبة اللاحقة أو الطرف او الجزء الآخر , وهي في الكثير من الأحيان تكون كامنه لفترة من الزمن في نسيج الحياة الاجتماعية المتماوجة لتنفجر فيما بعد على شكل خروج عن المألوف والنظام القائم .

الذكاء التحليلي في العقل الكردي ضعيف نسبيا مقارنة مع الذكاء العاطفي الذي يعتبر القوة الفعلية المسيطرة والمسيرة له . لذلك نرى بأن الكرد دوما يعتمدون العاطفة ولا زال عقلهم في المهد ولم يستخدموا منه سوى الجزء البسيط واليسير, كونهم لا يستعملون الذكاء التحليلي للأحداث انما يتبعون العاطفة الجياشة وهو ما يستغله اعدائهم و يقومون بضربهم و خيانتهم .

( ما قام به اتاتورك عندما استنجد بهم في مؤتمري ارضروم وسيواس في مواجهة الدول الاوروبية وبعد ان انتصر وأسس الجمهورية الاولى قضى عليهم بيد من حديد واعدم البرلماني الكردي حسن خيري والذي كان ذنبه الوحيد انه يأتي الى البرلمان باللباس الكردي علما بان اتاتورك نفسه هو من طلب منه ذلك ).  نموذجا .

الذات الكردية عفيفة النفس و تمتاز بعزتها و كرامتها وأخلاق الذات هي تلك التي تنبع من الذات نفسها , حيث مدارك الاخلاق وأسسها والنفس والمسؤولية والحرية . وهنا نتساءل :  تُرى هل هي فطرة ام مكتسبة ؟.

حقيقة الأمر العقل الكردي العاطفي هو المسيطر ولم يصل الكردي بعد الى مرحلة النضوج الفكري إلا فيما ندر, خاصة في الفترة الأخيرة , حيث نلاحظ دوما ارتباطاته و رؤيته للأحداث من منظورعاطفي بحت وهو ما يجرعليه ويلات ومصائب . بالمقابل هناك محاولات ولو خجولة من البعض ممن يرون في أنفسهم تقدم العقل والذكاء التحليلي على العاطفي في تخطي هذه الكارثة من خلال العمل على إحلال العقل السياسي في المجتمع و بناء مجتمع أخلاقي سياسي متسلح بالفكر و المعرفة و واثق من نفسه ,لأن ما يجري بحق هذا الشعب هو بالفعل كارثة , كونهم يُقتلون و يُشردون و تُدمر قراهم و مدنهم وبلداتهم تُغتصب النساء و تُباع في الاسواق ولا يحرك ساكنا وكأن الامر لا يعنيه , فلنتخيل هذه الأمور تحدث لدى شعب آخر , بالتأكيد لكان ذاك الشعب منتفضا مستنفرا في الساحات والميادين في وطنه و خارجه لا يهدأ ولا يكل , يوصل الليل بالنهار من اجل إيقاف هذه الممارسات الوحشية و الانتهاكات التي تجري بحقه ومن أجل أن يعيش حرا كريما على أرضه . لكن لكون العقل السياسي الكردي لا زال في المهد وهو يعتمد في كفاحه على الغير أي هناك من يوجهه و يعطيه التعليمات ليتحرك او يقف , وهم  بالمحصلة من يتحكمون بالعقل الكردي وبالتالي لا يستطيع الكردي أن يفهم و يقيم الأمور التي تجري من حوله بالشكل المطلوب , لذا نراه خاضعا و خانعا  يستجدي الآخرين لإعطائه حقه في الحياة .

عندما تكون القرارات والتعليمات كردية صرفة و بدون تدخلات خارجية و فرض من جانب أصحاب مصالح و أجندات خاصة , سيكون وقتها العقل الكردي قد بدأ في العمل و بلغ سن الرشد وأصبح بإمكانه أن يدير نفسه بنفسه و يؤمن مستقبله سواء كفرد أو كجماعة . وهذا ما نلاحظه في الآونة الأخيرة , حيث  ظهرت بوادر إيجابية بهذا الخصوص كخطوة أولية في بناء العقل السياسي الكردي و رؤية الأمورمن المنظور البعيد وفق الاستراتيجية الكردية الصرفة بالدرجة الأولى ومن ثم مصالح القوى الإقليمية و الدولية في المرتبة الثانية من خلال الحوار الكردي الكردي و التفاهمات التي تمت , لكن الأهم من ذلك هو الاستمرار في هذا الاتجاه و بناء الثقة المتبادلة من جهة و إعادة الاعتبار للشعب الكردي وقواه المجتمعية من جهة أخرى .

 

دجوار احمد آغا

قامشلو  12 تموز 2020