نوسوسيال

الدكتور توفيق حمدوش الشعب الكردي في سوريا من المكونات الأساسية

473

المانيا:بقلم/ الدكتور توفيق حمدوش

إن قيام الثورة السورية في 15 أذار 2011 لها أسباب عدة منها أسباب داخلية هامة، فالنظام البعثي العنصري المستبد الغاشم واضطهاده غالبية الشعب هذا من جهة، وهناك تأثير خارجي نتيجة الثورات في الدول العربية مثل تونس ومصر وليبيا واليمن. المظاهرات الشعبية السلمية في سوريا ومطالبتها بالإصلاحات، شكلت البداية لقيام الثورة الشعبية، التي بدأت من درعا، ولأن كان مركز الانطلاقة من الجوامع دخلت الثورة السورية منذ اليوم الأول تحت تأثير التيار الإسلامي وشعارها الأول كان التكبير بالله أكبر، وكان ذلك له تأثير كبير على الثورة.
والملاحظ هنا بأن كافة الأقليات التي تشكل المكونات السورية كانت غير منظمة بالشكل المطلوب لمطالب الثورة، ولم تأخذ مكانها في موقع التمثيل السياسي في المجلس الوطني السوري، ولا في الائتلاف السوري المعارض، وهذه التشكيلات ولد نتيجة الضغوط الخارجية، وضغوط الإخوان المسلمين داخلياً، الذين اتخذوا من التوجيهات التركية أساساً لهم وبخاصة ضد الكرد. وهنا يجب القول والاعتراف بأن المعارضة السياسية في سوريا من كافة المكونات الأثنية أو الطائفية فشلت فشلاً ذريعاً في توحيد قواها الوطنية من أجل قيادة الثورة في هذه المرحلة الحرجة، إن انضمام بعض الشخصيات من الطوائف والمكونات إلى الائتلاف لا يعني بأنها تمثل الشعوب السورية أبداً، لأن الأشخاص المنضمين اليه لا يمثلون سوى أنفسهم فقط.
إن وجود الشعب الكردي في سوريا كمكون أساسي من مكونات الشعب السوري يختلف كلياً عن وجود المكونات الأخرى مثل العلويين والدروز والمسيحيين التي تعتبر طوائف دينية بشكل أكبر، وغالبيتها تتكلم اللغة العربية، أما بالنسية للإثنيات الأخرى مثل الأشوريين والكلدان والسريان والشركس والتركمان وهي أقليات صغيرة جداً، بحيث لا يصل التعداد السكاني لكل واحدة منها لا يتجاوز مئتا ألف مواطن، بينما عدد الكرد في كل سوريا يتجاوز أربعة مليون نسمة ولغتهم خاصة بهم، ويملك مقومات شعب له تاريخ يصل إلى أربعة ألاف سنة، وهم من أبناء حام وسيدنا نوح وسيدنا إبرهيم من موقع حران قرب مدينة أورفا حالياً في كردستان الشمالية.
الأكراد أحفاد صلاح الين الأيوبي القائد الشهير الذي أنقذ الإسلام والعرب في أن معاً من الانقراض، والكرد أحفاده يطالبون بحقوقهم المشروعة، ومن المعلوم أن الشعب الكردي في سوريا غير ممثل في إدارة هذا الكيانات التي أقيمت باستثناء الخونة وضعيفي النفوس، وهم أسوء من النظام ذاته. إن هذه العقبات تضع حواجز كبيرة أمام مسار الثورة الموحدة وتعيق التحول الى الفترة الانتقالية وما بعدها في الانفتاح الديمقراطي السياسي، وفتح باب الحريات في مجال التعبير والعمل السياسي وتشكيل نظام ديمقراطي برلماني تعددي، وتثير القلق من أجل العيش المشترك في سوريا بعد انهيار النظام القائم، ويضمن الأمان والاستقرار لكافة الشعوب السورية، لتأمين العزة والعيش الكريم لجميع السوريين.
إن عدم الاعتراف بالوجود القومي والتاريخي للكرد في سوريا والقبول بخصوصياتهم، هذا يعني أقصائهم من المشاركة في العملية السياسية القادمة، وهكذا سيكون الوضع بالنسبة للبقية الباقية من مكونات سوريا. إن المجاميع المسلحة تعمل حسب مفهومها الخاص، وهي غير ملتزمة بقيادة عسكرية موحدة، ولهذه المجموعات خلفيات دينية أصولية وراديكالية متعصبة، وهذه الحالة تشكل عقبات كثيرة أمام التلاحم الثوري تحت قيادة مدنية حرة ديمقراطية تقود البلاد الى بر الأمان.
والأكراد في سوريا غير ممثلين ومهمشين وليس لهم ممثلون حقيقيون مشاركون في المحافل الدولية مع المعارضة السورية، وللأكراد في سوريا وضع خاص من حيث ما جرى لهم من قبل الأنظمة الحاكمة المتعاقبة في سوريا، والكرد على هذه الأرض يناضلون منذ زمن طويل، والآن هم المنظمين أكثر من الآخرين خلال انتهاجهم الخط الثالث، وبنوا وحدات حماية الشعب والمرأة، ومن ثم شكلوا مع بقية شعوب المنطقة قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية، ويسعون لبناء سوريا ديمقراطية مدنية لا مركزية، تحفظ حقوق الكرد الدستورية، سكوت المكونات السورية أمام آلة القمع من قبل النظام إن دل على شيء إنما يدل على عدم الاعتراف بالآخر، وقبوله في المشاركة في قيادة الدفة في سوريا.
ولكن هناك مخاطر ومصاعب قائمة أمام الوضع في سوريا، التي تعيش في وضع غير مستقر وآمن، حتى بعد سقوط النظام في دمشق، قد تؤدي هذه الأوضاع إلى قيام ثورات قادمة وخلافات كبيرة، ما لم يتم الاعتراف والقبول بحقوق الآخرين، ومجلس سوريا الديمقراطية يمثل المسار والطريق الصحيح للخروج من حالة التشرذم، ولكن هناك الحاجة إلى شخصيات من العيار الثقيل للملمة كافة المكونات في المجتمع السوري، ومستوى التمثيل الخارجي حتى نستطيع الوصول إلى بر الأمان، نتمنى النصر والنجاح الأكيد لمطالب الشعوب في سوريا من أجل بناء نظام ديمقراطي تعددي حر يلبي كافة طموحات أبناء الشعب السوري.
د. توفيق حمدوش