وطني، ذلك الحب الذي لا يتوقف، وذلك العطاء الذي لا ينضب، أيها الوطن المترامي الأطراف، أيها الوطن المستوطن في القلوب، أنت من يبقى حبه، وأنت من نحب، كل عام والبلد وقيادتنا الهاشمية بألف خير. في يوم استقلالك يا وطني نجدد عهدنا لك بالوفاء والانتماء والولاء ما حيينا لنقدم لك الغالي والنفيس, سبعه وسبعون عاماً تفصل يومنا هذا عن ذلك اليوم المُكلّل بالمجد والفخار والعز، تُلى فيه المجلس التشريعي الاردني نص القرار التاريخي لإعلان استقلال المملكة الاردنية الهاشمية “تحقيقاً للأماني القومية وعملاً بالرغبة العامة التي أعربت عنها المجالس البلدية الأردنية في قراراتها المُبلغة إلى المجلس التشريعي، واستناداً إلى حقوق الاردن الشرعية والطبيعية وجهادها المديد وما حصلت عليه من وعود وعهود دولية رسمية، وبناء على ما اقترحه مجلس الوزراء في مذكرته رقم 521 بتاريخ 13 جمادى الآخرة 1365 الموافق 15/5/1946، فقد بحث المجلس التشريعي نيابة عن الشعب الاردن أمر إعلان استقلال البلاد الأردنية استقلالاً تاماً على أساس النظام الملكي النيابي، مع البيعة بالمُلك لمُؤسس كيانها، الملك المغفور له بإذن الله عبدالله بن الحسين، طيب الله ثراه، لتبقى هذه اللحظات عالقة في ذاكرة الوطن وتاريخه، كمحطات مضيئة لا تمحو من ذاكرة الايام وعبيرها وستبقى في الوجدان أنشودة وطن يتغنى بها المخلصون الاوفياء من أبنائه وبناته.
وألقى المغفور له بإذن الله، الملك المؤسس عبدالله الاول خطاباً في صبيحة ذلك اليوم، قال فيه :
“وإننا في مواجهة أعباء ملكنا وتعاليم شرعنا وميراث أسلافنا لمثابرون على خدمة شعبنا والتمكين لبلادنا والتعاون مع إخواننا ملوك العرب ورؤسائهم لخير العرب جميعاً ومجد الإنسانية كلها”،
صادق المغفور له بإذن الله على قرار إعلان الاستقلال، مُصدّراً أول إرادة ملكية سامية، مُوشحة بالعبارة التالية “مُتكلاً على الله تعالى أوافق على هذا القرار شاكراً لشعبي واثقاً بحكومتي”.
الخميس الخامس والعشرون من شهر ايار يحتفل الاردنيون بالعيد السبعة والسبعين لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية، متطلعين بعزيمة وأمل نحو مستقبل زاهر أكثر إشراقاً وإنجازاً لوطنهم، عاقدين العزم على مواصلة مسيرة الجد والتميز لدولتهم العزيزة التي دشنت مئويتها الثانية، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، وعلى يمينه سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد. فرحتنا هذا العيد فرحتين باستقلال اردن الشموخ والعز وزفاف صاحب السمو الملكي الامير الحسين بن عبدالله الثاني.
ويفخر الأردنيون في عيد الاستقلال، بوطنهم وملكيهم، ويمضون قُدماً لتعزيز مسيرة بناء الأردن، بخطى واثقة، نحو التحديث السياسي والاقتصادي ومسارات الإصلاح الاجتماعية والإدارية، ضمن منظومة متناسقة متكاملة ومتناغمة.
وفي كل عام، يُباهي أبناء الأردن وبناته العالم بهذا اليوم الوطني الاعز الأغر، بما حققّوه من إنجازات وطنية، وما سطّروه بقيادتهم الهاشمية من قصص نجاح وتميز، جعلت من الأردن واحة أمن واستقرار، وليكون عيد الاستقلال، محطة احتفال بـ (الإنجاز والابداع والعطاء) وانطلاقة جديدة في مسيرة إصلاح مستمرة ترتكز على قيم ومبادئ ثابتة، مُستلهمة من مبادئ ومنطلقات الثورة العربية الكبرى. مترجمة كل رسائل ال هاشم في البناء و الاصلاح والتقدم
وتشهد المملكة، احتفالات بهذه المناسبة العزيزة على قلوب الأردنيين. بفرحة قلب نبض وانتعش بارض المجد والعز اردن الهواشم.
وفي هذه الذكرى الخالدة خلود الوطن، تسطع صفحات مُشرقة من المجد والسعي الدؤوب لحياة فُضلى، كما تفتح هذه الذكرى العزيزة على قلوب الأردنيين، سفر البذل والعطاء والعمل، لتقرأ في صفحته الأولى ملحمة الكفاح والنضال، مُدركين جميعاً أن الاستقلال مشروع إرادة شعب وحرية، قاده الهاشميون وحولهم شعبهم الوفي، للنهوض الشامل والسيادة المطلقة على امتداد خارطة الوطن الاردن العزيز.
وفي يوم الاستقلال، يُجدّد الأردنيون العهد والبيعة والوفاء، ويُرسّخون العقد، ويضربون المثل الأعلى في الإصرار على العمل و الإنجاز للمحافظة عليه، ومنذ ذلك التاريخ، استندت الدولة الأردنية إلى قواعد راسخة في الإصلاح والعدالة والعيش المشترك وقبول الآخر وسيادة القانون، لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة والعيش الكريم لأبنائها، كما أرسى المغفور له الملك عبدالله الأول المؤسس قواعد دولة المؤسسات، وأسندها المغفور له بإذن الله الملك طلال بن عبدالله بدستور حضاري واعتلى جلالة الملك طلال عرش المملكة في العام 1951، وكان أول ضابط عربي يتخرج من كلية ساند هيرست البريطانية، إذ تحققت في حقبته إنجازات تعزز الاستقلال ودعائم المجتمع القائم على الحرية المسؤولة أمام القانون، حيث تم إصدار الدستور الأردني في 8 كانون الثاني 1952، كأول دستور وحدوي عربي، ونصّ على إعلان ارتباط الأردن عضوياً بالأمة العربية، وتجسيد الفكر القومي للثورة العربية الكبرى، مُلبّياً آمال وطموحات وتطلعات الشعب الأردني انسجاما مع وحدة الضفتين في العام 1950، وتنامي الشعور الوطني والوعي القومي في الوطن العربي.
واتخذت المملكة بعهده، طيب الله ثراه، قراراً يقضي بجعل التعليم إلزامياً ومجانياً، فكان له الأثر الكبير في النهضة التعليمية فيما بعد، وتمّ في عهده إبرام اتفاقية الضمان الجماعي العربي، وتأليف مجلس الدفاع المشترك، وأنشئ في عهده ديوان المحاسبة.
ورفع بنيانها وزاد من شأنها باني نهضة الأردن الحديث، المغفور له بإذن الله، جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراهم. ومنذ أن تسلم جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال سلطاته الدستورية في الثاني من أيار عام 1953، بدأ عهد البناء والتقدم والتحديث، رغم ما كانت تشهده المنطقة والإقليم من ظروف طارئة، استقبل على إثرها الأردن نحو مليون لاجئ فلسطيني بعد نكبة 1948 ليتضخم عدد السكان بشكل كبير.
وتصدّرت القضية الفلسطينية إثر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية حينها، أولويات جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه، حيث سعى جلالته إلى حشد موقفا عربيا دولي موحّد للتعامل مع هذا العدوان وتبعاته على الأردن والمنطقة.
وفي لحظات حاسمة من تاريخ الأردن الحديث، اتخذ المغفور له قراراً تاريخياً في العام 1956 بتعريب قيادة الجيش العربي، وعزل الجنرال كلوب الانجليزي، بعد أن تكوّنت قناعة أكيدة لجلالته بأن بقاء قائد إنجليزي بريطاني للجيش العربي الأردني سيحدّ من دور الضباط العرب ويؤثر على الاستراتيجية الدفاعية للبلاد.
وخلال الفترة بين 1961 وقبيل حرب حزيران 1967، وبعد أن تجاوز الأردن فترة بالغة من الأحداث، بدأ الاقتصاد الأردني يشق طريقه ضمن خطط تنموية قوية و مدروسة، حيث رأت النور صناعات كان لها الأثر في تأمين العمل لعشرات الآلاف من الأردنيين، كما ظهر جيل جديد من رجال الأعمال والتجار وأصحاب المهن الحرة، فضلاً عن وضع حجر الأساس للجامعة الأردنية، وإنشاء مصفاة البترول في الزرقاء عام 1961، وإنشاء قناة الغور الشرقية عام 1966 بموازاة نهر الأردن ، فيما ضاعف ميناء العقبة من شحناته الصادرة والواردة، فضلاً عن تطور قطاع النقل الجوي والسياحة.
وبعد حرب 1967، أدّت الجهود الدبلوماسية الأردنية بقيادة الملك الحسين، إلى استصدار القرار الأممي عام 1967، واشتمل على معادلة انسحاب شامل مقابل سلام شامل والاعتراف بحق الجميع في العيش بسلام في المنطقة.
وسجّل الجيش العربي الأردني, أروع البطولات وأسمى معاني الفداء والدفاع عن حمى الوطن وصون كرامته، إذ تمكّن الجيش العربي المصطفوي، من إلحاق أول هزيمة بالجيش الإسرائيلي في معركة الكرامة الخالدة، والتي رفض الملك الحسين، طيب الله ثراه، وقف إطلاق النار فيها حتى انسحاب آخر جندي إسرائيلي من الأراضي الأردنية.
وفي العام 1988، اتخذ الأردن قراراً بفك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، بناء على توصيات القمة العربية في الرباط، لتكون منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني ايمانا من جلالته بحق الفلسطينيين بفلسطين، وفي الوقت ذاته استمر الأردن بواجباته القومية استناداً إلى ثوابته ورؤى قيادته الهاشمية، خاصة في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية التي تسكن الوجدان الهاشمي.
وجرت أول انتخابات نيابية في العام 1989، بعد قرار فك الارتباط، واستؤنفت المسيرة الديمقراطية في المملكة.
وفي العام 1994، وقّع الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل، تضمنت الاعتراف بدور الأردن في محادثات المرحلة النهائية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالقدس واللاجئين والنازحين.
وكان السابع من شباط 1999، يوم حزن وأمل عند الأردنيين، الذين أسموه بيوم الوفاء والبيعة، الوفاء للملك الحسين باني الأردن الحديث، والبيعة لجلالة الملك عبدالله الثاني، وريث العرش الهاشمي ومعزز الإنجاز وحامي حمى الأردن.
وبهذا التاريخ، تسلّم جلالة الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية، ملكاً للمملكة الأردنية الهاشمية، حيث تولى الملك عبدالله الثاني مسؤولياته تجاه شعبه الذي اعتبره عائلته.
ومنذ اعتلائه العرش، كان جلالة الملك عبدالله الثاني حريصاً على أن يكون الأردن أنموذجا في المنطقة والعالم، فكانت التنمية بأبعادها المختلفة، والنمو الاقتصادي، والرعاية الاجتماعية، في مقدمة أولويات أجندة عمل جلالته، والتي يتم تحقيقها في مناخ يكفل الإصلاحات السياسية والاقتصادية والديمقراطية والترابط الاجتماعي، من أجل تمكين الأردنيين من المساهمة في تطوير بلدهم.
وشهد عام 2021، تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، حدد جلالته خلالها مهمة اللجنة بوضع مشروع قانون جديد للانتخاب ومشروع قانون جديد للأحزاب السياسية، والنظر بالتعديلات الدستورية المتصلة حكماً بالقانونين وآليات العمل النيابي، وهو ما تُرجم واقعاً، حيث تم إقرار جميع التشريعات، التي من شأنها مواكبة التحديث وتعزيز وتعظيم المشاركة السياسية وتعزيز تمكين الشباب والمرأة.
ووجّه جلالة الملك في رسالته إلى وضع رؤية جديدة للاقتصاد الوطني للسنوات المقبلة، تكون عابرة للحكومات، لاستكمال ما تم بناؤه منذ توليه سلطاته الدستورية، والتي ركزت بمجملها على تنويع الاقتصاد وتحريره ودمجه بالعالمية.
ويولي جلالة الملك، القائد الأعلى للقوات المسلحة- الجيش العربي، القوات المسلحة والأجهزة الأمنية جُل اهتمامه، ويحرص على أن تكون هذه المؤسسات في الطليعة إعداداً وتدريباً وتأهيلاً، لتكون قادرة على حماية الوطن ومكتسباته، والعمل على تحسين أوضاع منتسبيها العاملين والمتقاعدين.
ويكرّس جلالة الملك جهوده الدؤوبة مع الدول الفاعلة للتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، وضرورة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفق حل الدولتين، وهي جهود ترافقت مع دعم ملكي متواصل للأشقاء الفلسطينيين على الصعيد السياسي والإنساني.
كما يبذل جلالته جهوداً كبيرة باعتباره وصياً وحامياً وراعياً للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، من منطلق الوصاية الهاشمية على هذه المقدسات، للحفاظ على هويتها العربية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، ودعم وتثبيت سكانها، مسلمين ومسيحيين، والتصدي لكل الإجراءات الإسرائيلية الأحادية التي تستهدف تغيير هوية المدينة وعروبتها.
ويُوظّف الأردن طاقاته وإمكاناته للتصدي لمخاطر التطرف والإرهاب، وخاصة من خلال المبادرات التي تهدف إلى تعزيز الحوار بين الديانات، والمذاهب، والحضارات المختلفة وتبيان الوجه الناصع الحقيقي للدين الإسلامي الحنيف ورسالته السمحة العظيمة.
ذكرى الاستقلال مناسبة عزيزة على قلوبنا جميعا, والتي تمكن خلالها الأردنيون بقيادة الهاشميين من تمكين وإرساء دعائم الدولة الأردنية الحديثة, وترسيخ معالم المؤسسية والحرية والديمقراطية, ليزهو الوطن الغالي بالإنجازات الكبيرة والمكاسب الوطنية, ورفع مستوى الوطن بكل الإمكانات, حيث حظي بالمكانة العالية المرموقة بين الأمم.
إن تخليد ذكرى الاستقلال تعد مناسبة وطنية لاستلهام ما تنطوي عليه من قيم سامية وغايات نبيلة لإذكاء التعبئة الشاملة وزرع روح المواطنة وربط التاريخ و الماضي العريق بالحاضر المشرق المتطلع إلى آفاق أرحب ومستقبل زاهر لخدمة قضايا الأمة و الوطن وإعلاء صروحه وصيانة وحدته والحفاظ على هويته ومقوماته والدفاع عن مقدساته وتعزيز نهضته السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ظل قائد النهضة الوطنية ومعززها صاحب الجلالة الملك عبدالله ابن الحسين المعظم, تحية الاعتزاز والافتخار والإجلال لقواتنا المسلحة الباسلة بأجهزتها المختلفة وجهاز المخابرات العامة والأجهزة الأمنية المختلفة وقوات الدرك وجهاز الأمن العام والدفاع المدني فهنيئاً للأسرة الأردنية بعيد استقلالها السبعة والسبعون ومزيداً من الإنجازات العظيمة على دروب الخير والعطاء بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم .