تحول ملف اللاجئين السوريين إلى مادة انتخابية دسمة قبيل الانتخابات الرئاسية التركية المزمع إجراؤها في 14 مايو/ أيار الجاري. في مدينة غازي عنتاب (غرب) ازدادت مخاوف السوريين خصوصا منذ تعهد حزب “الظفر” اليميني المتطرف بطردهم، في مدة زمنية أقصاها سنة في حال فوزه. موفد (( نوس سوسيال الدولية )) استطلع وجهة نظر وآراء عدد من السوريين في المدن التركية

“اللاجئون السوريون مشتاقون لشواطئ اللاذقية ولتناول صحن الحمص والشاورما السورية. لذل منك سنساعدهم على تحقيق هذا الحلم”. هكذا قال مصطفى سوزر أوغلو، أحد المستشارين السياسيين في حزب “الظفر” (النصر) اليميني المتطرف مبررا ذلك بأن “تركيا أصبحت غير قادرة على تحمل 13 مليون لاجئ من جنسيات مختلفة على أراضيها في ظل أزمة اقتصادية خانقة وارتفاع مستوى المعيشة”.

واقترح هذا المنظر الإيديولوجي “تنظيم رحلات جوية وبرية طيلة سنة كاملة وبشكل غير متقطع إلى غاية أن يصل اللاجئون السوريون إلى منازلهم بالسلامة ويبدؤون حياة جديدة في بلدهم الأصلي وضمن أهلهم”.

ورغم  أن هذا المشروع يبدو صعب التنفيذ على أرض الواقع في مدة زمنية قصيرة، إلا أنه زرع الخوف والقلق في قلوب اللاجئين السوريين الذين يترقبون إجراء الانتخابات الرئاسية كـ “هلال العيد” مع التمني بأن يفوز رجب طيب أردوغان بولاية جديدة كوننا “نشعر بأنه هو الأقرب منا والرئيس الذي يمكن أن يحفظ مصيرنا في هذا البلد”، يقول أحمد البكار، لاجئ سوري فتح شركة لتصليح السيارات في منطقة صناعية تقع شمال شرق مدينة غازي عنتاب.

المعارضة التركية لن ترّحل بين ليلة وضحاها اللاجئين السوريين لكن ستضيق الخناق عليهم

هذا الميكانيكي (45 عاما) الذي وصل إلى تركيا في 2014 غيّر اسمه السوري إلى اسم تركي وأصبح يدعى الآن أحمت يلدريم. الهدف من ذلك هو “تسهيل الانخراط والاندماج في المجتمع التركي وتفادي الملاحظات العنصرية المتكررة التي نتعرض إليها يوميا”.

فبالنسبة لأحمد “اللاجئون السوريون تحولوا إلى سلعة بيد السياسيين الأتراك الذي يكررون خلال المهرجانات الانتخابية أنه بمجرد أن يتم ترحيلهم، فكل الأمور ستعود إلى ما كانت عليه في السابق والأسعار ستنخفض. لكن كل هذا عار من الصحة. هناك جهل كبير في بعض أوساط المجتمع التركي. فهم لا يريدون أن يفهموا بأن التضخم وارتفاع الأسعار لا يمسان فقط تركيا بل بلدان غربية غنية أخرى وأن السوريين لا ناقة لهم ولا جمل في ذلك”.

ويعتقد أحمد أن مستقبله كسوري سيكون “سيء وصعب جدا” في حال فازت المعارضة بالانتخابات الرئاسية.

وقال: “طبعا المعارضة لن ترّحل السوريين بين ليلة وضحاها بسبب الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعتها تركيا مع الاتحاد الأوروبي. لكنها ستقوم بتضيق الخناق أكثر علينا لكي ترغمنا على المغادرة من تلقاء أنفسنا. فمثلا من الممكن أن تمنع الحكومة المقبلة التجّار السوريين من فتح شركات خاصة أو محلات تجارية أو ترفض تسجيل سيارات على اسم سوري أو تمنع تسجيل أطفالهم بالمدارس. كل هذا سيؤثر في النهاية على اللاجئين وسيبحثون عن بلدان بديلة، سواء كان في أوروبا أو في مناطق أخرى من العالم. هناك أيضا من سيعود إلى سوريا لحمل السلاح من جديد للدفاع عن نفسه كون أن غالبية الذين يعيشون في تركيا مطلوبين من قبل نظام بشار الأسد”.

وفي سؤال لمن ستصوت لو كنت تركيا؟ أجاب أحمد بعفوية وبدون تردد “لصالح سيادة رجب طيب أردوغان لأنه الشخص المنقذ للشعب التركي ولتركيا. والدليل على ذلك أنه قبل أن يتسلم رئاسة بلدية إسطنبول في التسعينيات من القرن الماضي، كان بحر إسطنبول مستنقعا للنفايات. المنازل لم تكن تتوفر على المياه والمستشفيات كانت سيئة جدا. لكن عندما وصل إلى البلدية، أدخل المياه والغاز إلى البيوت وتحولت إسطنبول إلى وجهة سياحية عالمية”.

لكن بانتظار تحقق هذا “الحلم السياسي”، قرر هذا الميكانيكي بيع سيارته بحوالي 30 ألف دولار لكي لا تقع ضحية أعمال عنف قد يرتكبها متظاهرون من المعارضة مساء إعلان نتائج الانتخابات ولكي يستطيع أيضا الهروب مع عائلته إلى بلد أوروبي في حال تدهور الوضع الأمني أو فازت المعارضة”.

في تركيا… “ورقة اللاجئين مهمة لمداعبة الشارع والناخبين”

ووفق المفوضية العليا للاجئين، يعيش في تركيا ما يقارب 3.7 مليون لاجئ سوري. لكن ممثلي الأحزاب السياسية، لا سيما أحزاب اليمين المتطرف، مثل حزب “الظفر” فهم يقدرون أعدادهم ما بين 3 إلى 5 ملايين لاجئ بحكم أن فئة كبيرة منهم يعيشون بشكل غير شرعي في البلاد وغير مسجلين بقوائم المفوضية العليا للاجئين. غالبية اللاجئين يملكون ما يسمى بـ “بطاقة الحماية الموقتة” (كملك باللغة التركية) التي منحتها الحكومة بطلب من المفوضية العليا للاجئين والاتحاد الأوروبي.

أما الأخرون فهم يملكون ما يسمى “ببطاقة السياحة” التي تمنحها إدارة الهجرة التركية ويجب تجديدها كل ثلاثة أو خمسة أشهر. كلتا البطاقتان لا تسمحان لمالكهما ممارسة نشاط وظيفي إلا بعد الحصول على إذن خاص من الحكومة. وغالبا ما يكون هذا الإذن صعب الحصول عليه.

وتشرح بسمة الرفاعي، وهي محامية في مركز “أمل للمناصرة والتعافي” الذي يساعد اللاجئات السوريات في غازي عنتاب، أن “ورقة اللاجئين مهمة لدى الأحزاب وتستخدمها لمداعبة الشارع والناخبين الأتراك سواء كانوا مع أو ضد هذه الفئة من الناس. وكون أن عدد اللاجئين ارتفع بكثرة، فهذا خلق نوعا من التذمر عند الأتراك. ما جعل المعارضة تستغل هذا الملف وتلعب على عواطف الناس وتقول في حال فزنا بالانتخابات، فسنقوم بترحيلهم إلى بلدانهم. هذه الاستراتيجية في الحقيقة سبق وأن استخدمها اليمين المتطرف خلال الانتخابات الدانماركية الماضية”.

وتابعت: “حتى أردوغان أصبح يتحدث عن ترحيل اللاجئين السوريين لأن المزاج العام التركي حاليا هو ضد وجودهم خاصة بالمحافظات التي يتواجد فيها عدد كبير منهم، كمحافظات الجنوب وإسطنبول”.

وأنهت: “ملف اللاجئين السوريين لم يكن حاضرا بقوة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2018 لأن الاقتصاد التركي كان متينا آنذاك. أما اليوم، فلقد تراجع بشكل مقلق والليرة التركية فقدت جزءا كبيرا من قيمتها والأسعار ارتفعت. بعض الجهات عزت هذا الوضع الاقتصادي السيء إلى وجود السوريين الذين أصبحوا بوجه المدفع”.

تصريحات الحزب الجمهوري تدخل في خانة الحرب الإعلامية

أما ماهر قاسم الحاج (38 عاما) وهو سوري يملك صالونا للحلاقة بوسط مدينة غازي عنتاب، فهو يرى بأن “اللاجئين ليس لديهم أية علاقة بالانتخابات. بل النظام الحاكم والمعارضة ومؤسسات الدولة هي التي حولت قضيتهم إلى قضية انتخابية. بالعكس اللاجئون السوريون في تركيا عملوا كثيرا وأسسوا شركات وأفادوا الدولة التركية التي تستلم مساعدات مالية كبيرة من الاتحاد الأوروبي باسمهم”.

وتابع: “الأحزاب السياسية هي التي خلقت هذه الفتنة وأصبحت تستخدمها كأداة سياسية. ففي حال فازت المعارضة بالانتخابات، فستضيق الحكومة المقبلة الخناق على اللاجئين ولن يكون أمامهم سوى خيارين: إما العودة إلى سوريا أو شق البحر باتجاه أوروبا”.

ويضيف ماهر بأنه يشعر “بعنصرية كبيرة” منذ بدء الحملة الانتخابية التي تقوم بها الأحزاب التركية في مدينة غازي عنتاب، مضيفا أن حزب “الظفر” (النصر) اليميني المتطرف وحزب الشعب الجمهوري نشرا لافتات باللغة العربية تخاطب السوريين وتقول لهم لقد عشتم حربا أهلية طاحنة في سوريا. لكن الحرب انتهت وبالتالي إقامتكم انتهت أيضا في تركيا، فيجب عليكم العودة إلى بلدكم”.

وفي حال تعسرت الأمور ووصلت المعارضة إلى سدة الحكم، فسينفذ ماهر مخططه المتمثل بمغادرة تركيا نحو مدينة أجدابيا في شرق ليبيا.

وقال: “بغض النظر عمن سيفوز بالانتخابات الرئاسية، الوضع في تركيا سيتفاقم أكثر في الأيام المقبلة لأن الشارع التركي منقسم بين مساند للمعارضة وآخر داعم للنظام الحاكم. وكلاهما يريد تطبيق مخطط ترحيل السوريين إلى بلادهم”.

لكن كل هذه المخاوف لم تنل من عزيمة يوسف الحاج (27 عاما)، الذي فتح نهاية الأسبوع الماضي مقهى كبيرا في أحد احياء غازي عنتاب الشعبية. هذا الشاب الذي فقد ذراعه ورجله اليمنى جراء الحرب السورية لا يبالي كثيرا بخطابات المعارضة وبوعودها المتمثلة في ترحيل اللاجئين إلى سوريا.

“بالعكس يقول يوسف الحاج. أنا مطمئن وأعيش بشكل عادي لأن تصريحات الحزب الجمهوري تدخل في خانة الحرب الإعلامية وأن المراد منها هو جلب فقط أصوات الناخبين الأتراك الذين يشعرون بالحقد إزاء اللاجئين السوريين”.

120 كيلومترا فقط تفصل مدينة غازي عنتاب عن حلب السورية

وأنهى: “الكل سوف يرى كيف ستغير المعارضة خطابها في حال فازت بالانتخابات. آنذاك سيخاطب الرئيس الجديد الشعب التركي ويقول لهم يا جماعة إخواننا السوريون يعيشون حربا منذ 12 سنة ولم تنته بعد. نحن نستفيد منهم وهم يستفيدون منا ونتبادل الحب فيما بيننا وكلنا مسلمون ولذلك يجب أن نعيش في بلد واحد”.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي السوري درويش الخطيب المتواجد في غازي عنتاب أن “المعارضة لم تكف عن الضغط على الحزب الحاكم منذ وصول اللاجئين السوريين وغير السوريين إلى تركيا ومن استخدام هذه الورقة لأسباب انتخابية وسياسية”.

وأضاف: “لكن كون سوريا دولة تستقطب أنظار العالم، فهذا جعل كل من رجب طيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية، وكمال كليتشدار أوغلو مرشح تحالف من ستة أحزاب معارضة تشمل اليمين القومي وصولا إلى اليسار الديمقراطي ويهيمن عليه حزب الشعب الجمهوري، يتكلمان عن وضع اللاجئين السوريين ويعدان الشعب التركي بترحيلهم.لكن بين الحديث والتطبيق هناك مسافة طويلة قدرها 120 كيلومترا، وهي المسافة التي تفصل غازي عنتاب التركية بتوأمتها حلب السورية.