نوسوسيال

كتب عبد الرحمن محمد :  نفحات روحانية في طقوس رمضان التراثية

256

 

 

 

 

 

رمصان كريم … يا نايم وحد الدايم.. قوموا على سحوركم..جاية أنا زوركم

 

الكاتب السوري عبد الرحمن محمد

يحتفي المسلمون وفي شتى بقاع المعمورة بشهر رمضان المبارك، ويعدون له الكثير من الامور والطقوس والأجواء، النفسية والاجتماعية وحتى الصحية، ويتبعون أصناف شتى من العادات والتقاليد، أن في طقوس العبادة او في أشكال الاحتفال والتقرب للمولى عز وجل، وحتى في

السمر والسهرات التي يطغى عليها الطابع الروحي والتواصل الاجتماعي وأجواء المودة والرحمة في شهر الخير. العديد من العادات الاجتماعية المصاحبة لشهر رمضان ما زالت تتبع في الكثير من

الدول وبخاصة العربية باعتبارها في المجمل تعتبر دولاً إسلامية في غالبها، بالإضافة إلى صنوف من الأطعمة والمأكولات والحلويات التي تكاد تقترن بالشهر الفضيل، وتتشابه في العديد من جوانبها وقد تتمايز في جوانب أخرى.

                                        التسوق قبل العيد

القرقيعان…ليلة فرح وخير

 

تأتي التسمية من صوت “القرع” او النقر على الأبواب أو على أدوات ما، لتصدر قرقعة، وهي هنا كما يشير لها أهل الكويت تأتي من “قرقعة” الحلوى بأشكالها في الاواني والحقائب، و”القرقيعان”

يكون في العادة ليلة النصف من رمضان، وأغلب الغاية منها تشجيع وتحفيز الأطفال على متابعة الصوم، بعد ان صاموا النصف الأول، وإضفاء أجواء من البهجة في التجمعات السكانية كبرت او

صغرت، وكانت المشاركة فيها واسعة تشمل الكبار والصغار، وكانت وما زالت الاستعدادات لها تتم على قدم وساق وتلقى أهمية كبيرة من حيث قيمتها الثقافية والدينية الروحية.

                                     

                         الأسواق خلال  في شهر رمضان الكريم

من أجمل طقوس القرقيعان طواف الأطفال على البيوت في مجموعات يقودها أحد الأطفال، وهم يرسمون اللحى والشوارب على وجوههم، ويرددون الأغنيات الخاصة بالمناسبة التي لا تخلو من الادعية والطرافة والدعاء للجميع

بالخير واليمن والمطالبة بالسكاكر والحلويات والمكسرات ” النخي والنقل والسبال والبيذان والجوز والتين والمجفف والبرميت” وما تجود به ربات البيوت من خيرات. والمهم في هذا أيضا ارتداء زي شبه موحد وهو “الدراعة والبخنق للفتيات، والدشداشة للفتيان”، وتكتنز الاكياس والحقائب الصغيرة بما لذ وطاب.

قرقاعون عادت عليكم يالصيام … عطونا الله يعطيكم … بيت مكة يوديكم … يا مكة يالمعمورة … سلّم ولدهم يا الله … خليه لأمه يا الله … يجيب المكده ويحطها … بحضن أمه … يا شفيع الأمة … عسى البقعة ما إتخمه …ولا توازي على أمه … قرقيعان وقرقيعان … بين أقصير ورميضان … عادت عليكم صيام … بكل سنة وكل عام”.هذه بعض الأغنيات التي يرددها الأطفال في جولاتهم “القرقيعانية” في سوريا  والكويت ومصر أيضاً.

لا يقتصر الاحتفال على الأطفال بل تنظم إليهم الاسرة بأكمله، فتتزين الحواري والجادات والشوارع، وتتجمل البيوت، وتجهز الموائد العامرة بالحلويات ولذيذ الطعام والشراب، وقبل عقود قليلة كانت بعض الفرق الموسيقية من الكبار تتجول في الأحياء وعلى البيوت وتشارك في المناسبة.
العديد من الدول الخليجية تحتفل بالـ “قرقيعان” وبأسماء ومختلفة منها، القريقعانة والكريكعان والناصفة

والكريكشون والقريقشون والقرقاعون والقرنقعوه والقرنقشوه. فهي في الامارات تعرف بـ “حق الله” بينما تعرف في سلطنة عمان بـ “الطلبه”، أما في السعودية والكويت فيُطلق عليه اسم “القريقعان” و”الناصفة” في البحرين،و”ليلة القرنقعوه” في قطر، وفي العراق تُعرف باسم “كركيعان”.كانت النساء في الامارات يتهيأن لشهر رمضان منذ شهر شعبان ويحتفل الاطفال بليلة النصف من شعبان فيسيرون في «الفريج» ويطوفون على البيوت وهم يغنون:

                             خيرات تشاركية لشهر الخير والبركة

 

                                        طبق حلويات رمضاني بيتي

تتشارك الكثير من الاسر في الجزائر من اجل تامين متطلبات لوازم شهر رمضان، وتأتي بطقوس احتفالية في أجواء روحانية تسودها فرحة كبيرة، بقدوم شهر الخير، وتسمى مجمل تلك المؤونة بـ

“العولة” التي تخصص لشهر رمضان، وتضم القمح والفريك ومعجون الطماطم والبهارات والبقول والزيتون وتتشارك الفتيات والنسوة في اعداد اغلب تلك المواد بشكل جماعي وتتقاسمها بعد ذلك،

وتعد بعض الوجبات بشكل مجفف لتسهيل تقديمها فيما بعد.كما يتم إعداد كميات كافية من ماء الزهر لزوم استعماله للبيت وتخصيص قسم لتوزيعه على الجيران، وإعداد الحلويات الخاصة، وحتى شراء اوني مطبخ جديدة ويضاف إلى ذلك الترميمات الضرورية للبيوت، وتزيينها بحلة خاصة تليق بشهر العبادة والكرم.

                               فوانيس مصر وحلويات الشام

 

                           حلويات شهر رمضان الكريم

 

ماتزال شوارع المدن والأحياء في مصر تحتفي بقدوم رمضان، وتزدان بفوانيسها الجميلة التي يحضر لتعليقها قبيل حلول الشهر المبارك، وتتزين بالألوان الزاهية التي تسحر العيون والقلوب، بينما تجتمع العائلة المصرية في اول أيام الصوم في بيت كبير العائلة وتعد المائدة العامرة التي تجمع الأسر ة في جو عائلي تسوده طقوس روحانية ودعوات الخير والتسامح والتمنيات بالصحة والعيش الرغيد.

                                         

                        مسحر رمضان :   يانايم وحد الدايم … 

وفي الأردن ما زالت الاطباق المملوءة بشتى أنواع الأطعمة تتنقل بين البيوت، قبيل مدفع الإفطار، فيما تنصب خيم الإفطار ليلتقي الصائمون على موائد الرحمن، فيما كانت كؤوس نحاسية تقرع بنغمات عذبة توقظ الأهالي للسحور من قبل المسجراتي الذي كاد وجوده يختفي في كثير من المدن.
وفي اليوم التاسع والعشرين من رمضان يقصد اللبنانيون وأهالي بيروت خاصة شاطئ البحر، ليتلمسوا رؤية هلال العيد، ويعرف هذا التقليد بـ “سيبانة رمضان” ويكون قد سبق ذلك تزيين الشوارع والشرفات بالزينة المضاءة والفوانيس للاحتفال بحلول شهر رمضان، بينما تجول فرق “المداحة” في الشوارع بعد الإفطار، ويقف الفريق في زاوية مظلمة داخل أحد المنازل لينشد الأناشيد الرمضانية طوال أيام الشهر المبارك.
وفي دمشق جرت العادة ان يجتمع وجهاء الأحياء والقضاة في ليلة الثلاثين من شعبان وهم يترقبون بشغف رؤية هلال رمضان للإعلان عن بدء الشهر الكريم، ليتم تعليق الزينة الخاصة بالشهر ومن ثم تفوح طيلة أيام الشهر رائحة الأطعمة والماكولات الشامية، وتكون “السكبة” وهي صحن من الطعام تتبادله ربات البيوت، تكون رسولة المطابخ والذواقة، بينما تتفاخر سيدات دمشق وربات البيوتبصنع “القطايف، النمورة، النابلسية، الناعم، العوامة، والمروك، والمدلوقة…. وغيرها” وكذلك تتنافس مصانع ومعامل ومطاعم الحلويات بصنع اجود وألذ الحلويات في الشرق والعالم.