نوسوسيال

أغلفة نجيب محفوظ الجديدة تثير الجدل في مصر

402

للأغلفة أهمية كبرى في التسويق للكتب، فالكثير من الكتب ذات القيمة الجيدة فشلت في استقطاب قراء جدد بسبب سوء أغلفتها أو رداءة طبعاتها. ولذا فالغلاف واجهة الكتاب، والاستخفاف به استخفاف بصناعة الكتاب والنشر ككل

القاهرة – لم يتوقف الجدل المصاحب لتقديم مؤسسة “ديوان” للنشر طبعة جديدة لأعمال الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ منذ أن جرى كشف النقاب عنها وصولا إلى الإعلان عن أغلفة لكتب جديدة انتهت من طباعتها قبل أيام، حيث أثارت الأغلفة التي طرحت للجمهور انقساما بين مثقفين في مصر، وبين دار النشر التي دافعت عنها

اتسمت الأغلفة الجديدة بطابع حداثي، صممها عدد من الفنانين الشباب بالتعاون مع أستوديو “40 مستقل” عكس طبعات سابقة قدمتها مكتبة “نهضة مصر” صممها الفنان التشكيلي جمال قطب، كانت مستوحاة من حكايات المؤلف وشخصيات رواياته، أو “دار الشروق” التي نشرتها مصحوبة بتصميمات للفنان حلمي التوني الذي أضفى عليها عناصر زيتية تتطابق مع روح الأدب الذي قدمه نجيب محفوظ وحاز بموجبه على جائزة نوبل للآداب

جاء النقد الذي وجهه البعض من مصممي الأغلفة والعديد من الكتاب والأدباء منطلقا من أن الأغلفة الحداثية لا تعبّر عن جوهر الأفكار التي حوتها روايات محفوظ ولا تتناسب مع النصوص المتفرقة، وقيل إنها قللت من القيمة الثقافية والمجتمعية لأديب نوبل، ولم تراع التطورات الحاصلة عالميا في تصميمات الأغلفة

رفعت مؤسسة ديوان مؤخرا النقاب عن جزء من أعمال نجيب محفوظ وليس أعماله الكاملة، وقدمت روايات اللص والكلاب ، و حديث الصباح والمساء ، و ثرثرة فوق النيل ، و قلب الليل و أفراح القبة ، ومن المتوقع أن تمضي في الإعلان عن باقي الأعمال مع انتهاء مراجعتها من اللجنة الفنية التي شكلتها

مشروع نجيب محفوظ

شتان بين الأصل والمقلّد

استحوذت ديوان المصرية على حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ مع نهاية العام المنقضي بموجب تعاقد مع ورثته، ودشنت على إثر ذلك ما يعرف بـ مشروع نجيب محفوظ الذي استهدفت منه إعادة عالمه وشخصياته إلى الحياة، وهو شعار تحاول توظيفه للتأكيد على أنها تعمل على تقديم أعماله بما يتماشى مع العصر الحالي وتطوراته

وطرح النقاش الذي تصاعد على مواقع التواصل الاجتماعي أسئلة عديدة، من بينها هل تصميمات الأغلفة تؤثر سلبا أم إيجابا على المحتوى المكتوب؟ وماهي المعايير البصرية التي تضمن جذب القراء للكتب؟ وهل تتوافق مع أمزجة متنوعة لشريحة كبيرة من الجمهور؟ وهل يقلل الغلاف من قيمة العمل الروائي والأعمال الإبداعية بوجه عام أم ينهض بها؟

النقاش الذي تصاعد على مواقع التواصل الاجتماعي طرح أسئلة عديدة من بينها هل تصميمات الأغلفة تؤثر سلبا أم إيجابا على المحتوى المكتوب

يقول الفنان التشكيلي ومصمم الأغلفة عمرو الكفراوي إن طبيعة التصميمات تتوقف على نوعية العمل الإبداعي، فأغلفة الكتب التاريخية والدراسات النقدية تختلف عن الروايات والقصص، كما أن فلسفة التصميمات تختلف من محتوى أدبي إلى آخر حسب طبيعة العمل، وهناك أعمال كلاسيكية تتماشى مع شكل تقليدي من الأغلفة وأخرى تجريبية لديها شكل خاص، وفي النهاية من المهم أن يعبّر الغلاف عن المحتوى

ويضيف في تصريح لـ العرب أن تصميمات الأغلفة لا يمكن أن تكون دافعا نحو الإقبال على شراء أعمال نجيب محفوظ أو غيره من الأدباء الكبار، ففي تلك الحالة يعد اسم الأديب أو الكاتب هو الدافع الرئيسي للشراء، وقد يكون الغلاف مؤثرا بالنسبة للأعمال الجديدة أو لكتاب غير معروفين لا يقصدهم القارئ عند زيارته للمكتبة

وأبدى الكفراوي موقفا مؤيدا للكثير من المثقفين الذين وجهوا انتقادات لأغلفة نجيب محفوظ الجديدة، واعتبر أن هذا النوع من الأغلفة لا تصلح لكاتب في حجم أديب حصل على جائزة نوبل، وأن كبار الروائيين حول العالم لهم صورة محددة لأغلفتهم يغلب عليها الطابع الرصين، وهو أمر تلتزم به دور النشر الكبيرة مع تقديمها طبعات جديدة لمشاهير الروائيين

قد تكون أغلفة ديوان المكتوبة بخط الثُلث المملوكي والصور المعبرة تحتها مناسبة للعرض في أحد المعارض الفنية، حسب رأي الكفراوي، لكن وجودها على صدر أغلفة نجيب محفوظ تتسبب في أزمة لدى المثقفين مع قناعتهم الراسخة بضرورة احترام قيمة الكاتب ورمزيته في الوجدان الثقافي العام

الاعتماد على الشباب

الأغلفة التي طرحت للجمهور أثارت انقساما بين مثقفين في مصر، وبين دار النشر التي دافعت عنها

أثار استقدام دار النشر مجموعة من الشباب لتصميم أغلفة محفوظ خلافا، لأن عددا منهم لا يملك خبرات سابقة في مجال تصميمات الأغلفة، وإن كان ذلك يبدو مقبولا في حال تعلق الأمر بروايات أو كتب بعيدة عن أبرز أدباء القرن الماضي

ووجهت انتقادات حادة لعدم إقدام دار النشر المصرية ديوان على تشكيل لجنة فنية من كبار المصممين لوضع أطر عامة لعملية التصميم، بما يحافظ على مجموعة من الثوابت الثقافية التي رسخها محفوظ لدى فئة عريضة من الجمهور

دافعت دار ديوان للنشر عن موقفها وردت على الاتهامات التي وجهت لها من خلال رسالة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أكدت فيها أنها تمهد لتمديد أثر الأديب العالمي إلى الأجيال الجديدة، وفتح نوافذ جديدة لكل إبداع أصيل ومميز

كانت أولى المبادرات تقديم تصور إبداعي جديد ومميز لمؤلفاته مع الكاتب الإبداعي يوسف صبري لابتكار تصميم داخلي وخارجي لعدد من روايات محفوظ

وعرّفت ديوان صبري بأنه فنان بصري متعدد المجالات ويعمل مع مصممي الأزياء والمجوهرات، والناشرين، ووكالات التصميم والمصورين، وتلقى تعليمه في مدارس فنية بلندن، ويهدف في عمله إلى تجاوز الخصائص الثقافية للزمان والمكان

وقالت دار النشر المصرية إن مريم الرويني التي صممت أغلفة روايات حديث الصباح والمساء، و أصداء السيرة الذاتية رسامة تخرجت من كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان قبل خمس سنوات، وتستخدم التقنيات التقليدية والرقمية في أعمالها الفنية

وانتهت ديوان من تصميم أغلفة 12 كتابا ضمن المرحلة الأولى، شارك فيها الفنان محمد مصطفى، الذي عرفته بأنه صاحب أسلوب متفرد يستعير كثيرا من الحياة الواقعية وتتلمذ على يد الفنان المصري حامد سعيد، أحد رواد المشهد الفني المعاصر

ولدى العديد من مصممي الأغلفة في مصر قناعة بأن الغلاف هو عتبة النص أو عتبة التلقي البصري الأولى التي ينفذ منها القارئ إلى النص، وبالتالي فالاهتمام بها، وتقديمها في أفضل صورة، لا يشكل فقط أهمية لدور النشر التي تتعامل معها باعتبارها عملية تسويقية، لكنها تقدم خدمة مهمة لإشباع ذائقة القارئ أيضا

طريقتان للتصميم

تصميمات اهتمت بالشكل لكن بعضها لم يكن موفقا في التعبير عن طبيعة موضوع الرواية

يقول مصمم الأغلفة الفنان حسين جبيل في حديث لـ العرب إن الاعتناء بالغلاف وتقديمه بالشكل الذي يتناسب مع الكاتب والمحتوى خدمة لا غنى عنها لإرضاء القارئ، وتصاميم أغلفة نجيب محفوظ الجديدة في معظمها جيدة، لكن بعضها لم يكن موفقا في التعبير عن طبيعة موضوع الرواية، ما أحدث إشكالية لدى عدد من المتلقين

ويشير إلى وجود طريقتين سائدتين لتصميم الأغلفة، الأولى تعتمد على قراءة عنوان الرواية أو الكتاب دون قراءة النصوص بشكل كامل، وتظهر في تلك الحالة مشكلة خروجه متواكبا مع النص، وهو السائد في الفترة الحالية

انتقادات حادة وجهت لدار النشر المصرية “ديوان” لعدم إقدامها على تشكيل لجنة فنية من كبار المصممين لوضع أطر عامة لعملية التصميم

ويرجع ذلك إلى أن دور النشر تعاني من أزمة في تسويق النصوص مع انخفاض معدل القراءة في مصر بوجه عام، وتقوم بطباعة أعداد قليلة من النسخ مستعينة بمصممين ليسوا محترفين لأن أسعارهم زهيدة مقارنة بأقرانهم ممن لديهم خبرات في تصميم أغلفة الكتب

وترتبط الطريقة الثانية، والتي يفضلها جُبيل، بقراءة النص قبل الإقدام على التصميم، وإن لم يكن ذلك معبرا عن قراءة حرفية لكل ما جاء في الكتاب أو الرواية، والأهم وصول فكرة الكاتب إلى المصمم الذي يقوم بعملية ترجمة أمينة للنص على الغلاف

ويحتفظ المصمم الشهير بقناعة ذاتية مفادها أن أزمة ديوان جاءت من قيامها بإسناد مهمة التصميم إلى أسماء شابة بعد عمالقة في تصميم الأغلفة، مثل جمال قطب وحلمي التوني، وهما لم يعملا فقط كمصممي أغلفة، لكنهما كاتبان ومثقفان من الدرجة الأولى

وتؤدي هذه المقارنة إلى ظلم من يأتي بعدهما، فأي شخص يدخل على ما قدماه سيواجه مشكلة في عدم تقبل شريحة من المثقفين له، وربما يحكم على نفسه بالانتحار المعنوي في مرحلة التلقي الأولى، التي تعتاد فيها العين على رؤية تصميم محدد قبل تغييره

عن صحيفة العرب القطرية