استخدم المعسكر الغربي سلاح العقوبات على روسيا بشكل قاسٍ وغير مسبوق، ويبدو في نفس الوقت غير مدروس، فلا أعتقد أن الغرب فكّر في ردة الفعل الروسية بشكل جيد، فجاءت النتائج عكسية تماماً، بعد أن تحول الغاز الروسي إلى سلاح فعّال تسبب في أزمة طاقة غير مسبوقة في أوروبا، وارتفاع كبير لأسعار النفط والغاز، ونقص حاد في مواد الغذاء الأساسية في العالم.

ومع كل ذلك، لا تزال العمليات العسكرية الروسية مستمرة في أوكرانيا. حققت روسيا فائضاً كبيراً في عوائدها بسبب صادرات الطاقة إلى آسيا، وارتفعت قيمة الروبل الروسي بنحو 50% ليصبح من أقوى العملات العالمية، والغريب أن هذه العوائد والمكاسب تحققت برغم تعرض روسيا لعقوبات غربية، بما فيها تجميد الأصول الأجنبية لروسيا، وحظر الاتحاد الأوروبي لسبعة مصارف روسية من «نظام سويفت المصرفي».

اتخذ المعسكر الغربي عدة خطوات تصعيدية حين أعلنت الولايات المتحدة قرار حظر واردات النفط والغاز الروسية الموجهة إليها، وأعلنت بريطانيا أنها ستتخلى عن الغاز الروسي تدريجياً بنهاية العام 2022، بينما أعلن الاتحاد الأوروبي تخفيض واردات الغاز الروسي بدءاً من هذا العام، فكان الرد الروسي مثيراً للدهشة، حين أعلنت روسيا أنها لن تقبل من مستوردي الغاز الروسي إلا الدفع بالروبل الروسي. وعليه، لن تقبل موسكو الدولار واليورو من زبائنها، تحديداً من أطلقت عليهم مسمى «الدول غير الصديقة».

وفي حال عدم الالتزام ستقوم روسيا بقطع الإمدادات، وهذا ما فعلته مع عدة دول عضوة في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، مثل بلغاريا وبولندا وهولندا والدنمارك، أو الدول التي رفضت الدفع بالروبل وطلبت الانضمام لحلف «الناتو» مثل فنلندا، وانخفضت صادرات الغاز الروسي إلى إيطاليا وألمانيا بشكل كبير.

وعليه، ليس أمام الدول الأوروبية التي تعتمد على الغاز الروسي بشكل أساسي سوى تخفيف العقوبات على روسيا، وخفض الطلب على الغاز لضمان مخزون الشتاء. من الواضح جلياً، أن استراتيجية موسكو مبنية على الضغط على الأوروبيين من أجل دفعها في النهاية إلى التراجع عن خيار العقوبات، ولو أنكرت روسيا «تكتيك» اعتمادها على سلاح الغاز وتداعياته، مبررة ذلك بدواعي صيانة منشآت الغاز، واعتبار المشاكل التقنية هي المعضلة الرئيسية بسبب العقوبات التي فرضها الغرب.

أعتقد أن الدول الأوروبية المتضررة وصلت لقناعة سياسية واقتصادية، أنها لن تستطيع توفير حاجتها من الطاقة، وأنها تمر بأزمة طاقة حقيقية لا تستطيع تجاوزها بشكل سريع قبل فصل الشتاء، أو حتى بعد الشتاء بل لسنوات، ما أجبرها على التراجع «تكتيكياً» عن خيار العقوبات الذي تقوده الولايات المتحدة، وإن كافة الحلول البديلة للغاز الروسي ستكون بتكاليف أكبر، ما يلوح أن نهاية «الأزمة الأوكرانية»، ولو كانت بعيدة المدى، إلا أنها ستنتهي في نهاية الأمر، بمفاوضات وحلول سياسية توافقية تُرضي جميع الأطراف.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, الكاتبة في سطور  ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

عهدية أحمد هي إعلامية بحرينية والمتحدثة السابقة باسم وزارة شئون مجلس الوزراء والناطقة الرسمية السابقة لهيومن رايتس ووتش البحرين ورئيسة قناة البحرين 55. حصلت على درجة الماجستير من إحدى الجامعات البريطانية. بدأت حياتها المهنية في استضافة برنامج حواري محلي على تلفزيون البحرين القناة 2 (الإنجليزية) حيث قابلت شخصيات محلية وإقليمية لمناقشة الأحداث السياسية الإقليمية الجارية. شغلت منصب الناطق الرسمي للانتخابات النيابية في البحرين في عام 2006.