/بقلم / أ. د . صابر عبد الدايم . عميد كلية اللغة العربية الأسبق. /
,
مدخل [شذرات من السيرة الذاتية للمؤلف
إن المبدع نشأت المصري، يعد من جيل الوسط، أو كما يقول المصطلح التراثي ’’ من المخضرمين’’ الذين عاصروا التيارات الكلاسيكية في فنون الإبداع، وأشرقت ملكات السردية والشعرية مع تباشير مدارس التجديد والتحديث، فهو ينزع إلى الأصالة في رؤاه وتجاربه، وإلى الحداثة في معمار بنائه الإبداعي في الأعمال السردية الروائية.. والشعرية، ونتاجه الروائي يتفوق على نتاجه الشعرى كما وكيفا،
والروائي نشأت المصري لم يفتن بموجات التمرد والعبث، ولم يُخدع بأى وافد يستعلي على هويتنا، ويحاول التسلل من خلال أقنعة فنية تجيد التخفي والمخادعة وتتفنن في زلزلة ما نتمسك به من ثقة في قدرتنا على التجاوز والأضافة والتحديث والتجديد، ونحن بمنأى عن الانشطار أو الانكسار، والإحساس بالدونية، والشعور بالسكونية والعجز والاغتراب
الصورة تكريم الكاتب والروائي نشأت المصري
* وتتوالى إبداعات نِشأت المصري السردية ، فيقدم أعمالا روائية للكبار ومنها [ نفرتيتي – تاوسرت – بلباى – خاص جدا – المهزوز – دماء جائعة – ملائكة فى الجحيم – الكلاب لاتنبح عبثا وغيرها ]
* وقدم للمكتبة العربية أكثر من مائة كتاب للكبار والأطفال في الشعر والقصة والرواية والمسرح والتراجم.
* وقوله، بعض الأعمال الروائية للكبار، يشع بشفرة نصية تؤكد وعيه الجمالي بضرورة مشاركة المتلقي، أو القارىء العمدة في استكمال زوايا التجربة الإبداعية حيث ترسخت أسس نظرية التلقي ، وظهر مصطلح القارىء العادى، والقارىء العمدة.. وهو الناقد الخبير المتمرس، فالناقد لا يقل أهمية عن دور المبدع.. وقد أكد ذلك قول الناقد هانس روبارت على نحو جلى :
إن القارىء ضمن الثالوث المتكون من المؤلف والعمل والجمهور ليس مجرد عنصرسلبي يقتصر دوره على الانفعال بالأدب، بل يتعداه إلى تنمية طاقة تسهم فى صنع التاريخ، لذلك لا يعقل أن يحيا العمل الأدبي فى التاريخ من دون الإسهام الفعلي للذين يُتوجه إليهم، ذلك أن تدخلهم هو الذى يدرج العمل ضمن الاستمرار المتحرك للتجربة الأدبية[ٌ عالم الفكر العدد 186 – الرواية العربية الجديدة ].
* والناقد ’’ ريفاتير،، في سياق تفصيله لمعايير تحليل الأسلوب يقدم هذه الأطر المنظمة للتلقي :
أ. الكاتب أو المبدع ينقل إلى القارىء دلالة الرسالة وموقفه منها.
ب. القارىء يصنع مع النص الإبداعي مثلما يصنع السامع مع الحديث.
ج. عملية الاستقبال تكون خاضعة لمزاج القارىء، وتكون تفسيراته أكثرتحررا وأغراض المؤلف أكثر عرضة للتحريف.. والتأويل.
د. يختلف تفسير النص من ناقد لآخر، حسب المثيرات الأسلوبية.
* وبعد، فهذه مقدمة تقودنا إلى اكتشاف جماليات السرد فى رواية كوتشينة.. في ضوء سيميائية العتبات النصية، وتقنيات الرؤية السردية.
والقارىء العمدة لهذه الرواية لابد أن يمهد لهذه القراءة السيميائية للإبانة عن مصطلح’’ الرؤية السردية’’ والعتبات النصية، وهى مصطلحات تداولها النقاد كثيرا ومنهم الناقد الفرنسي جون يويد في كتابه زمن الرواية حيث طرح عدة أبعاد لمصطلح الرؤية السردية اعتمادا على علم النفس وهى :
-
الرؤية من الخلف.. حيث يعلم السارد أكثر مما تعلمه الشخصية عن نفسها.
-
الرؤية مع، حين تتساوى معرفة السارد مع معرفة الشخصية
-
الرؤية من الخارج، حيث تكون معرفة السارد أقل من معرفة الشخصية والرؤية السردية – من المفاهيم الأكثر أهمية في رصد جماليات النص السردى لأننا لا ندرك المتن الحكائى إدراكا مباشرا وأوليا كما فى المسرح مثلا، وإنما من خلال إدراك سابق وهو إدراك يتغير بدوره بتغير تموضعاته، واختلاف أنواع العلاقات التى يقيمها مع شخصيات عالمه التخيلى مما يكون له دون شك انعكاسات بالغة على تلقينا له.
-
* وعتبات النص في هذه الرواية تتعدد شفراتها وتأويلاتها، وهى تعد من تكوينات هذا العمل الروائى المؤسسة،والتى من خلالها يفك المتلقى شفرات النص السردى، وتتنوع العتبات.. وقد تجتمع كلها في نص واحد ومنها
ا. عتبات ذاتية، وهى العتبات التى يضعها المؤلف كالعناوين والمقدمات والإهداءات، والعناوين الفرعية، وتوزيعات البياض والسواد، ورواية كوتشينة مشحونة بكل هذه العتبات التى تثرى النص، وتفك شفراته.
-
عتبات غيرية : وتقع مسئوليتها على الناشر، كالجوانب المادية والفنية للعمل.
-
تفويضية. كالتصميم والإخراج ولوحة الغلاف والهوامش.
-
صوتية لغوية . وهى من أهم العتبات التى تكمن فى ثناياها براعة الكاتب وإيقاع أسلوبه وقدرته اللغوية، والابتكارات الأسلوبية .
-
عتبات لغوية كتابية [ خطية وطباعية ورقمية ]
-
عتبات أيقونية . كالصورة التشكيلية والفوتوغرافية.
-
عتبات سياقية، فكثير من المعانى والقيم الجمالية للنص مرتبطة جوهريا بالسياق.
والكاتب نشأت المصرى تشع روايته من خلال تجسيد المواقف، وإبراز الصراع والمفارقات – تشع الرواية بكثير من هذه العتبات السياقية كما ستوضحه هذه الدراسة.
-
عتبات ذهنية معنوية [ انظر عتبات النص الشعرى الحديث، د. صادق القاضي] .