نوسوسيال

مفهوم التطرف وأشكاله، وأثره على الفرد والمجتمع.

452

/ القاهرة :   بقلم اد. عادل القليعي أستاذ الفلسفة الإسلامية /
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 

 

 

 

هذا الموضوع بشكل مختلف بعض الشيئ، سنتناوله بعين باصرة ناقدة مهمومة بقضايا واقعنا المعاصر، لعلنا نصل إلى حلول لها من خلال تقديم رؤية نقدية تعتمد على فكر وسطي مستنير، وهذا دأب كل مفكر مهموم بواقعه الذي يحياه وبقضايا وطنه.
لكن في البداية دعونا نقدم تعريفا للتطرف ومن هو المتطرف.
التطرف في اللغة: هو حد الشيئ وحرفه، وعلى عدم الثبات في الأمر والابتعاد عن الوسطية.
ليس هذا وحسب بل هو خروج عن المألوف البشري ومجاوزة الحد والابتعاد عن الجماعة، بمعني أن المتطرف يسير بفكره في إتجاه والقوم يسيرون في إتجاه آخر، أي اتجاهه معاكس لما توافق عليه الجميع.
التطرف اصطلاحا: هو الشدة أو الإفراط بشيئ أو موقف معين أو النهاية والطرف أو الحد الأقصى.
أما المتطرف فهو الذي يتجاوز حد الإعتدال ويميل بكليته إلى ما ذهب إليه ضاربا عرض الحائط بآراء الجميع، وهذا هو التمادي في الإفراط الذي يؤدي إلى حد السفه الذي يضر بصاحبه قبل أن يضر بالآخرين.
وهذا ما يمكننا أن نطلق عليه النظرة الأحادية الجانب التى مبناها على عدم تقبل الطرف الآخر واستبداد بالرأي.
ولعل من أبرز أسباب التطرف، الفقر الذي يتفشى بين أفراد المجتمع والذي يتم استغلاله من قبل المتطرفين، فيضربون على هذا الوتر الحساس مستغلين هؤلاء الفقراء وتجنيدهم في أعمال عدوانية ضد أفراد المجتمع، ضد الدول، بل واستغلالهم في القيام بعمليات إرهابية تتسبب في إزهاق أرواح الأبرياء مقابل إغرائهم بالأموال، فيشذون عما هو مألوف ويحيدون عن الطريق المستقيم ويصبحون قتلة وإرهابيين وسارقين، وحدث ولا حرج، بل ويصب جم غضبه على المجتمع، ولماذا هؤلاء عندهم ونحن لا نجد حتى ما نتقوت به.
أيضا من الأسباب المهمة التي تشكل شخصية المتطرف، الظلم الذي يتعرضون له، كأن يعزل من عمله دونما سبب، أو لا يجد فرصة عمل وغيره من ذوي الوساطة والمحسوبية يجدونها بسهولة ويسر، أو قد يكون متفوقا في دراسته ولا يعين في وظيفته المرجوة ويعين آخر أقل منه في الكفاءة، فيشعر بظلم وقع عليه، ويشعر بالاضطهاد، فيبدأ بسلوك عدواني متطرف، يضرب في ناحيتين، ناحية نفسه، فينطوي ويعزل نفسه عن القوم وقد يصاب بالأمراض النفسية التي قد ينهي معها حياته بالانتحار وكل يوم نسمع ونشاهد حالات كثيرة وبالتحري عنها نجد أنها تعرضت لظلم أو جور أو اضطهاد وقع عليها، فتضيق الأرض عليهم بما رحبت ولا يجدون وسيلة للخلاص إلا إنهاء حياتهم.
أما المنحى الثاني، فيصب جم غضبه على المجتمع ويبدأ في إثارة الفتن ونشر الفوضى بين الناس، كأن يقول وما الفائدة من التعليم، ولماذا نتعلم طالما أننا لا نقدر، ويقع فريسة سهلة ولقمة سائغة للمتطرفين يستغلونه أبشع استغلال.
الأزمات السياسية التي تتعرض لها الدول، ولم يكن ذلك جديدا فمنذ وفاة النبي صل الله عليه وسلم، وبدأ النزاع حول الخلافة، فهناك من تطرف واعتزل الناس، وهناك الخوارج الذين أحدثوا شروخات وتصدعات في جدار الدولة الإسلامية عن طريق إثارة الفتن التي حتى لم تنتهي بمقتل عثمان وعلي، بل استمرت إلي الآن، فكل عصر خوارجه ومتطرفيه.
أيضا من الأسباب المهمة، المشاكل الإجتماعية التى تنتشر بين أفراد المجتمع والتي تدعو لحصول حالات تطرف لدى إحدى الجماعات، ومشاكلنا الإجتماعية كثيرة لا يمكننا حصرها هنا ولكن نضرب مثالا كمشكلة البطالة، مشكلة التسرب من التعليم، الزيادة السكانية وضوابط الإستفادة منها، الزواج المبكر وما يترتب عليه من بلايا ورزايا. مشكلة الأمية وما يترتب عليها من تفشي الجهل المرضي، وهذا تعبيري، نعم لأن هناك جهل صحي، بمعنى جهل يقود صاحبه إلى التعلم والبحث عن سبل تعليمه، أما الجهل المرضي فهو استفحال مرض الجهل وتغلغله في النفوس، فمهما حاولت تعليمه لا ولن يتعلم لأنه أصبح لدي الجاهل قناعات شخصية أنه هو كذلك متشبثا بهذه القناعة متشبثا برأيه وأنه هو الصواب، فهذا جهل مرضي.
أما أشكال التطرف فهي كثيرة، أذكر منها ما يلي: التطرف الفكري، ومعناه الميل بالكلية إلى فكرة معينة واعتناقها والعمل على نشرها بكافة السبل المتاحة وغير المتاحة، أو الإفراط في اعتناق مذهب فكري معين على الرغم من مخالفة القوم له، كاعتناق الخوارج لمبدأ الولاء والبراء، أو اعتناقهم لمبدأ التكفير، أو اعتناق الشيعة لفكرة التقية والرجعة، وهذا مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة، أو تأصيل المعتزلة لفكرة الحرية المطلقة، وأن الإنسان حر حرية مطلقة دونما ضوابط.
أو التطرف في اعتناق الإلحاد، والوجودية الملحدة، أو الميل بالكلية إلى إتجاه اليسار أو الإتجاه الاشتراكي أو الماركسي أو العلماني، أو الليبرالي، أو الميل إلي الإتجاه الصوفي والمغالاة في التصوف مغالاة تقود إلي الشطح والخزعبلات، كاتحاد اللاهوت بالناسوت، وكالحلول والإتحاد وكوحدة الوجود، والفناء وغيرها من الشطحات المخالفة لروح الإسلام السمح الذي يرفض التطرف ويدعو إلى الوسطية والإعتدال وعدم التشدد، فالدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، أو كظهور بعض الجماعات التي تنتسب زورا وبهتانا إلى الإسلام، وتشرعن للقتل وسفك الدماء بحجة الجهاد، وهم أبعد ما يكونوا عن الجهاد، فالمجاهد الحق هو الذي يجاهد نفسه ويتغلب عليها ولا يجعل للشيطان سبيلا عليه، ولا يجعل نفسه تقوده للوقوع في براثن التطرف، بحجة نصرة الإسلام، فهل يعقل أن نرفع السلاح في وجه من شهد لله بالوحدانية، والنبي وضح ذلك، لأن تهدم الكعبة وهو يعلم حرمتها على الله، لأن تهدم حجرا حجرا أهون عند الله من أن تلوح لأخاك بحديدة في وجهه، فما بالكم ممن يفخخون السيارات، ويتربصون بالجنود المرابطون على الحدود، والحجة أنهم مآرقة خارجون عن الدين، والله أنتم المآرقة والخارجين عن الدين ورب الدين منكم برآء.
كذلك من أشكال التطرف، التطرف العنصري والتطرف الطائفي، وهذا النوع خطير جدا، لماذا لأنه يضرب المجتمعات في صميمها، فكل الأديان نبذت العنصرية والطائفية ودعت إلى التعايش السلمي بين أفراد المجتمع دونما إفراط، بل ونبذت التعصب لجنس على حساب جنس آخر، فلا فرق بين الأجناس، كلكم لآدم وآدم من تراب، فالجميع أصلهم وأحد وتربتهم واحدة، فلا عنصرية ولا طائفية فلا فرق في المواطنة بين المسلم والقبطي، الكل يعيش في وطن واحد، يستظل تحت سماء واحدة، يمشي على تراب واحد، فالدين لله والوطن للجميع، كل يعبد الله على دينه فلا إكراه في الاعتقاد، (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مسلمين)، فلماذا أيها المتطرفون تتربصون لإخوانكم في الوطن لماذا تتربصون لهم أمام دور عبادتهم وتقتلونهم.
لماذا أيها العنصريون المتطرفون، تتربصون لإخوانكم أمام مساجدهم وتقتحمون عليهم مصلاهم وتقتلونهم، لماذا تحرقون الكتب المقدسة، لماذا تسبون الأنبياء وتتطاولون عليهم.
لماذا لا تعاملون الإنسانية ممثلة في شخوصكم، لماذا نزعات العنصرية هذه وخطابات الكراهية والتحريض، لماذا لا تعاملون الإنسان كذات فعالة، لماذا لا تعاملونهم بما تحبون أن يعاملونكم به، ما هذه النظرة أحادية الجانب.
أليس هذا شكل من أشكال التطرف الديني، أليس هذا دعوة مفادها عدم قبول أية طائفة دينية للتعايش مع غيرها ومعاداة طوائف دينية أخرى والتحريض كما ذكرت آنفا على إلحاق الضرر بها.
أيضا نجد نوعا آخر من التطرف هو التطرف الثقافي ونقصد به تجاوز حد الإعتدال والوسطية في الأفكار والأحكام والنظر للطرف المختلف حيث يتبع الأفراد مذهب ثقافي معين بطريقة متعصبة، لماذا لا نتناقش على طاولة واحدة نقاشا عقليا منطقيا يقوم على الدليل والحجة والبرهان لماذا الاحتكار الثقافي للآراء والأفكار، أما تعلمون أن الفكر لا دين له ولا وطن، لو تعلمون ما صرتم إلى هذه الحالة.
ثم التطرف الاجتماعي ويقصد به التعصب لأفكار معينة مهما تكون بسيطة، وتحصل في كآفة القطاعات سواء التعليمية أو الصحية أو غيرهما، وقد تكون الأفكار متعلقة بخلفيات الأفراد التاريخية أو الثقافية أو غير ذلك.
وينمو على ذلك حصول حالة من التطرف الإجتماعي تجاه فرد أو مجموعة من الأفراد بسبب حدث ما.
وهناك نوع آخر من التطرف هو التطرف النسوي والتطرف الذكوري.
بمعنى النشاطات النسائية والذكورية التى تتجاوز الحد والمعقول والمنطق، مما يقود إلى معادة كل طرف للآخر، فنجد بعض متطرفي النساء يتفنن في إيقاع الأذى والتربص بالرجال عن طريق الحيل والمكر والدهاء.
وكذلك يظهر هذا التطرف جليا عند كثير من الرجال فيتفننون في إبتكار وسائل يقمعون من خلالها النساء، دونما سبب إعتماداً على مبدأ أحقية الرجال بالعيش والحقوق أكثر من النساء.
ونحن نرفض ذلك بل وكل ذي بصر وبصيرة يرفض ذلك، فالنساء لهن حقوقهن، كفلتها لهن التشريعات السماوية، النساء شقائق الرجال.
وبعد أن قدمنا تعريفات لغوية واصطلاحية للتطرف، وتحدثنا عن أسبابه وأنواعه، وشخصنا الداء الذي قد يظن البعض أنه داء عضال، لكن ليس ثم داء إلا وله دواء.
والدواء الذي نقدمه ليس علاجا بالعقاقير الطبية وإنما دواءنا كلماتنا، دواءنا عن طريق خطاب توعوي بناء نوضح فيه خطر التطرف الذي يقود إلى الوقوع في براثن الرذيلة والوقوع في المحظور الذي يؤدي إلى الإرهاب، الإعلام المرئي، المسموع، المقروء، الإعلام الإليكتروني عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي ومنصاته المعتمدة، شريطة أن يقوم بذلك عقل واع متفتح مفوه حتى لا يضل ويضلل القوم.
كذلك المؤسسات الثقافية، المجلس الأعلي للثقافة، إتحاد الكتاب، الصالونات الثقافية الحقيقية، عليهم جميعا دور فاعل في التوجيه والإرشاد عن طريق عقد الندوات وإقامة المؤتمرات التى تتوصل إلى توصيات لا توضع في أدراج المكاتب بل ترفع إلى أولي الأمر للشروع في تنفيذها.
كذلك المؤسسات التعليمية، الجامعات، التربية والتعليم، المعاهد، عليهم جميعا دور فاعل بخطاب مفيد ناجع فليس دورهم مقصور على العملية التعليمية فقط.
أيضا المؤسسات الدينية دور العبادة جميعها لا نستثني أحد، فالكل لابد أن يشارك قدر استطاعتنا في خطاب توعوي يوضحون فيه خطورة التطرف وموقف الأديان منه وكذلك يشرحون للناس وسطية وإعتدال الأديان، فالوسط والإعتدال ما دخل شيئا إ