/جزيرة أختمار جنوب بحيرة وان /

 

مجازر الأرمن [التي جرت]في عام 1915، بوصفها جزءاً من مشروع بناء الأمة التركية، شكلّت أيضاً بداية عملية ستصل في العقود اللاحقة إلى الذروة في تلاشي العيش المشترك الذي استمر مئات السنين بين الشعبين الأرمني والكردي فيما يُطلق عليه اليوم: شرقيُّ الأناضول ذو الغالبية السكانية الكردية. وحتى وقت قريب كانت تركة المجزرة والتغيرات الراديكالية التي رافقتها في الحياة الثقافية والمادية تُعالَج بشكل هامشي فقط، إذا ما أخذنا بالحسبان أن الخطاب الشعبي في تركيا قد تشكل، إلى حد كبير، نتيجة فرضية الدولة الناكرة للمجزرة. (قارن Biner2010، 69،89).
ولكن رغم محدوديتها، فقد كانت هناك جهودٌ من قبل بعض الباحثين في دراسة العلاقات الكردية-الأرمنية وأثر الكرد في تلك المجزرة (ساسوني، 1992 وبوزأرسلان 1995، وكيسر 2005 وتيرنون 2007).
من ناحية أخرى، كشف بحث حديث في التاريخ الشفاهي للمجزرة عن حضور قوي للذاكرة الجمعية لدى كثير من المواطنين الكرد المعاصرين في تركيا بخصوص العلاقات الكردية-الأرمنية في الماضي والعملية التي من خلالها جرى تطهير المنطقة من الأرمن (Biner 2010;Ungor 2014; Ege 2011;çelik, Dinç 2015)

إن دراسة كيفية تمثيل المجازر الأرمنية-والأرمن بشكل عام- في الأدب الكردي الحديث تبدو نقطة إنطلاق مفيدة للبحث. بات الأدب الكردي، الذي قدّمه أكراد تركيا، ملحوظاً منذ الثمانييات بسبب الاضطهاد (زيدان أوغلو 2012) ومفهوماً بشكل أفضل على أنه أدب ناشئ حديثاً. يقول سكالبيرت-يوجل Scalbert-Yucel (2013:264-268) إن الوظيفة الرئيسية للأدب الكردي الحديث، وبخاصةٍ أثناء الثمانينات والتسعينات حين كان القمع ضد الكرد في تركيا في أوجه، هي”تقديم شهادة” من خلال “إيجاد مستندات” تتعلق بقمع الدولة واضطهادها للكرد.
إن دراسة كيفية نظر –أو تجاهل- الأدب الكردي إلى المجازر الأرمنية يقدم لنا زاوية نظر مهمة لدراسة ماضي العلاقات الكردية-والأرمنية وحاضرها. وإذا ما أخذنا بالحسبان أن الأدب مكوّن رئيس في تشكيل التيقُّن الثقافي (Neumann 2008:355)، فإنه يمكن أن يعطينا فهما لا لبس فيه عن المفاهيم السائدة في ذاكرة المجتمع الحالية من خلال الآلية التي يجري عبرها التعاطي مع الذاكرة في الأصناف الأدبية.
في الحقيقة،وبعد فترة قصيرة من الصمت النسبي عن العلاقات الكردية-الأرمنية ومجازر الأرمن في الأدب المقدّم من الجيل الأول من الكتاب الكرد في الشتات الأوربي في الثمانينات والتسعينات، فثمة مؤخراً زيادة ملحوظة في الروايات والقصص القصيرة الكردية التي تتحدث عن ذكريات 1915 ولاسيما في أعمال الجيل الشاب من الكتاب الكرد الذين يكتبون الشعر والقصص القصيرة وفيما بعد أيضاً الروايات منذ أواخر التسعينيات.

تبحث هذه الدراسة في كيفية معالجة الجيل الجديد من الكتاب الكرد في تركيا الإبادة الجماعية والعلاقات الكردية-الأرمنية في الماضي. بدأنا بمراجعة أدبية مبينين أنها من خلال علاقتها بالحاضر والذاكرة الجمعية؛ فإن لها دوراً تأسيسياً وتحويلياً في الهوية.
بعد ذلك قمنا بوصف القمع الذي مارسه الخطاب الرسمي التركي على الأدب التركي الذي يتناول الإبادة الجماعية ومناقشة الآليات التي قادت إلى بروز الأدب الكردي كميدان للذاكرة/الخطاب المضاد للإبادة الجماعية؛ ذلك الأدب الذي يشجع الأعمال الأدبية على تناول ذاكرة الإبادة الجماعية حيث أدت طوال الوقت إلى نشوء خطابات (كردية) جديدة داخل علاقات القوة الناشئة. خلال بحثنا في الأدب الكردي، قمنا بتقييم عددٍ من الأفكار المتكررة والمشتركة من خلال التركيز على ثلاث روايات وقدمنا نظرة شاملة أكثر للطريقة التي جرى من خلالها تقديم مجازر الأرمن لعام 1915 في الأدب الكردي. وينتهي البحث بمناقشة نقدية عن احتمالات وحدود حضور ذاكرة الإبادة الجماعية وتعاظمها في الأدب الكردي فيما يتعلق بالمواجهة مع الماضي.

1- الأدب والماضي: ديناميات خطاب الذاكرة في تركيا

إن علاقة الأدب بالماضي، وبخاصة في أعقاب ظهور روايات السير الذاتية للشهود العيان الناجين من الإبادة الجماعية اليهودية (هولوكوست)، باتت مفهومة على نطاق واسع كآلية هامة في مواجهة الماضي، فقد لعب “أدب الشهادة” دوراً بارزاً في الكشف عن الجرائم ضد الإنسانية والحديث عن الإبادة والقتل الجماعي والتمييز العنصري والإقصاء التي تعرضت لها الجماعات المقموعة.
لاحقاً، توسع هذا الحقل ليشمل أدب الشهادة الذي ظهر أثناء عمليات مواجهة الماضي بعد الحرب الأهلية الإسبانية وما تبعها من ديكتاتوريات عسكرية في أمريكا اللاتينية (سباركايا،2014) في هذه السياقات الثلاثة؛ فإن النتاج الأدبي غالباً ما يتقدم على المناهج الصارمة في مواجهة الحقب المظلمة في الماضي. ويثبت الأدباء غالباً أنهم أكثر حيوية من المؤرخين والأكاديميين في تناولهم الحقائق التاريخية المسكوت عنها حيث يجرى إنكارها. وضمن الأجناس الأدبية ذاتها، فإن هذا ينطبق بشكل خاص على الروايات التي، من خلال خطوطها الدرامية التقليدية وقصصها ذات الإحياءات الهامة تقدم نماذج قوية ومعيارية غالباً لسردنا الذاتي وتفسيرنا للماضي وتساعدنا في كشف النقاب عن الحقائق المخفية لمصلحة السلطات [السياسية].
من المنطلق ذاته يجادل نيشانيان (2011) أن الأدب هو الميدان الوحيد الذي يستطيع، كما ينبغي، أن يقصّ الكارثة felaket التي مرّ بها الشعب الأرمني في اللحظة نفسها التي يستطيع فيها الأدب فقط أن ينقل بصدق ما لا يمكن سرده بشكل مطلق من تلك الكارثة.
إضافة إلى دور الأدب بوصفه شاهداً ومواجها للماضي، فإن الكثير من الدراسات تؤكد على أهميته في تمثيل العلاقة وبنائها بين الذاكرة والهوية (إيرل وآخرون، 2003 اقُتبِس في بورست Borst2009). إحدى تجليات تلك العلاقة تقدّم على شكل “محاكاة الذاكرة” التي تشير إلى الطرق السردية والجمالية التي تقوم النصوص الأدبية باستعمالها لكي تمثّل وتعكس عملية الذاكرة (نيومان 2008:334). بحسب هذا النموذج الثلاثي-الأبعاد الذي صاغه نيومان (2005) حول مفهوم بول ريكور عن المحاكاة، فإن الأعمال الأدبية مصوًّرة قبل وقوع الحدث من خلال سياقاتها الأدبية وهي سياقات لها بحد ذاتها تأويلات للذاكرة والهوية. لكن الأعمال الأدبية تختار وتعدّل مكونات الأنظمة الثقافية والاستطرادية الموجودة، وبذلك تكوّن صور الذاكرة وتقدم احتمالات جديدة لفهم الماضي ورؤيته. هذا الانتقال والاستكشاف يمكن بدورهما أن يعيدا تشكيل التصورات السائدة في الذاكرة الجمعية في المجتمع من خلال التأثير في فهم القارئ وصور الماضي [لديه].
بهذا المعنى، يمكن فهم الأعمال الأدبية على أنها تقدم، من خلال الحوار، الماضي الذي تزعم أنها تصفه أكثر من محاكاة تصورات قائمة من قبل في الذاكرة، وبذلك فإن الأعمال الأدبية تسهم بشكل فاعل في استقرار أو تحويل نسق أو ثقافة الذاكرة.إذا ما أخذنا بالحسبان هذا النموذج الذي تطور ضمن إطار الذاكرة والهوية والأدب، فإنه من الممكن الافتراض أن تلك الروايات التي تعالج موضوع الإبادة الجماعية ،ضمن الحقل الأدبي الكردي المهمّش، ربما تفصح عن أشكال من الذاكرة المقموعة والمهمّشة-وإن كانت على الأغلب ذاكرة الكرد-وبذلك تسهم في بناء ذاكرة منافية للذاكرة الثقافية السائدة، وبهذه الطريقة تساعد على تمكين الأفراد والجماعات المهمّشة و/أو المرفوضة بشكل رمزي. ولكن هذه القدرة التحويلية (إعادة التصوير) للأدب في التأثير على الذاكرة الثقافية والإدراك بالهوية هو في الغالب ذو أهمية محدودة في سياق الأدب الكردي في تركيا لمحدودية جمهور القراء للأدب الكردي في تركيا بحكم انخفاض مستوى عدد القادرين على القراءة والكتابة باللغة الكردية (قارن أوبنجين 2012 وجاميسون 2016) مع ذلك، من خلال تحليل أعمال أدبية كهذه؛ فإننا نستطيع أن نلاحظ أية تصورات عن الماضي أُعطيت أهمية أكبر أو تم إهمالها أو حجبها في الأدب الكردي من خلال أدوات هذا الأدب.

لقد ميّز بعض الباحثين بين نوعين من الذاكرة الجمعية: “الذاكرة الرسمية” و”الذاكرة الحية” (بيلجين Bilgin2013،15). الذاكرة الرسمية هي التي تقدمها الجماعات السائدة أو المسيطرة على المجتمع وتقدمها عبر علم التأريخ الرسمي. وهي تخدم بناء الهوية الجمعية للجماعة ويلتزم بمتطلبات هذا البناء.الذكرة الحية، من ناحية أخرى، قوامها أولئك الذين عايشوا الأحداث وهي، بهذه الحال، متوقفة على حامليها. إنها ذاكرة أشخاص مبنية من قبل من عايشوا الألم والعذاب وشعروا بالتهديد والخوف من الأحداث، والذين هم أما ضحايا أو مرتكبو الجريمة ويحملون إما شرف أو عار تلك الأحداث. إنها ذاكرة حية بحكم تطورها الدائم مع الوقت ومرورها بتغيرات وتحولات. من هذين النوعين من الذاكرة الجماعية “اختيار” الماضي يكون على المحك في النوع الأول، بينما في النوع الثاني فإن الموقف يكون “خاضعاً” له (يبرساله Ypersele وآخرون، استُشهِد به في بيلجين Bilgin 2013:15)

وفي مناقشته الروايات التركية بخصوص الإبادة الجماعية الأرمنية، يعرض توركيش Turkes الندرة العددية لأية روايات تركية –من بين عشرات آلاف الروايات التي ظهرت في ظل الجمهورية التركية الحديثة- تناولت موضوع تهجير الأرمن. ويحاجج بأن إهمال ذكر المسألة الأرمنية وغيابها وتلاشيها في الأدب التركي الحديث له علاقة ببناء الهوية القومية التركية. حتى تلك الروايات القليلة التي ناقشت الموضوع، فإن جرائم الطرفين (الأتراك والأرمن) تتوازى و/أو تبذل جهوداً إضافية للتقليل من حجم جريمة الجانب التركي ونصيبه منها (توركيش 2015:124). النموذج المتكرر في اتهام الأرمن يتضح من خلال تصويرهم وهم يقيمون تحالفات مع الروس والإنكليز والفرنسيين وللسبب نفسه يرتكبون المجازر الجماعية بحق الأتراك.
بالنسبة للمؤلفين الأتراك، مثل المؤلفين اليونانيين تماماً، فإن شن القتال ضد الأرمن كان بمنزلةالموت-أو-القتل و إما نحن-أو-هم. يصوًّر الأتراك على أنهم مظلمون وطيبون وأخلاقيون وقلوبهم ملأى بالحب تجاه الأرمن، الذين رغم الخوف فإنهم تجنبوا الانخراط في العنف في الوقت الذي يصوَّر فيه الأرمن على أنهم غير مخلصين وخونة يقودهم الحقد والتعطش للدماء (توركيش 2015:123-124) ولكن هناك مؤخرا، لحسن الحظ، تنامياً في نتاج الأدب التركي الذي يتبنى مقاربات مختلفة للإبادة الجماعية [بحق الأرمن] مسهماً في بناء منظور حقيقي في المواجهة مع الماضي(المزيد من المناقشة حول هذه النقطة فيما يأتي). مع ذلك، فإن المقاربة السائدة في الأدب التركي تبقى تكراراً لعلم التأريخ التركي الرسمي وإعادة إنتاجه.

كما سيتضح في الأقسام اللاحقة، فإن المؤلفين الكرد للروايات التي تعالج [أحداث] 1915 يقعون بشكل واضح خارج إطار التاريخ الرسمي والذاكرة المحظورة للدولة القومية التركية، وبذلك فإن الكثير من تلك الروايات يبرز بصفتها ذاكرة مضادة تعتمد على الذاكرة الحية. في إطار التستر على ذاكرة المجازر الأرمنية في التأريخ التركي الرسمي وخطابات الثقافة الموازية، فإن الإصرار على معالجة ذاكرة المجازر في الأدب الكردي الناشئ ي وتمثيلها حقق وظيفة هامة في بناء الذاكرة المضادة.
ولكن، كيف لنا أن نستشف المعنى من هذا البروز الحديث نسبياً لتوّاقٍ لسرد عن الإبادة الجماعية الأرمنية وتقديمه الأدب الكردي، خاصة، إذا ما أخذنا بالحسبان الخطاب السياسي والثقافي السائد في تركيا،الذي يرتكز على نفي المجزرة وإنكارها ؟
ينبغي أولاً أن ننظر إلى السياق العام في تركيا حيث هناك تطورات هامة في العقدين الماضيين بخصوص المواجهة مع الماضي ولا سيما في الجانب الثقافي. التيار الذي بدأ مع أدب الشهادة وتركيزه على النتائح المروّعة للصدمة الاجتماعيةالتي أفرزها الانقلاب العسكري في 12 أيلول/سبتمبر 1980 استمر مع النتاج الأدبي الذي عالج عنف الدولة الممارَس في المناطق الكردية خلال التسعينيات. فيما بعد أسهمت أعمال مكرديج ماركوسيان (حي الكفار GavurMahallesi) في عام 2000 وعمل فتحية جتين (جدتي في 2004) واغتيال هرانت دينك في 2007 في زيادة الأعمال الأدبية التي تعالج الإبادة الجماعية الأرمنية.
وهكذا فإن الأدب الذي يحوم حول الانقلاب العسكري في 12 أيلول/سبتمبر ومجزرة ديرسم بين 1937و1938 والحرب الدائرة في المنطقة الكردية خلال التسعينيات ومجازر الأرمن في 1915 إضافة إلى الدراسات التاريخية التي تعتمد على الذاكرة تشير كلها إلى بناء ثقافة جديدة للذاكرة في تركيا اعتماداً على منظور مواجهة أكثر صراحة مع الماضي والتي تؤلف سياقاً أوسع للحساسية النسبية لكثير من المؤلفين الكرد تجاه المجازر الأرمنية.

بالإضافة إلى هذه الخلفية العامة في السياق الوطني، فإن هناك ديناميات داخلية بالأهمية ذاتها للمنطقة الكردية بشكل خاص حيث أدت، على ما يبدو، إلى إيلاء المزيد من الاهتمام بذاكرة المجزرة في الأدب الكردي. لقد بقي المؤلفون الكرد، الذين تم نفيهم إلى أوربا في الثمانينيات، صامتين إلى حد كبير حيال موضوع الأرمن وأحداث 1915 مركزين جلّ اهتمامهم على أدب [قومي] كردي.فيما عدا رواية محمد أوزون المتأخرة صرخة دجلة 1 و 2 المنشورة في 2001 و2003 التي كانت في طليعة [الروايات] التي تصدت للتعايش الثقافي الذي يمتد مئات السنين في بلاد ما بين النهرين،فإن أية رواية أخرى لا تركز على الأرمن والإبادة الجماعية، والقليل جدا منها تأتي على ذكر الأرمن أو المجزرة بطريقة مباشرة. ربما يُعزى ذلك إلى أن الباعث الرئيسي في النشاط الأدبي لكرد الشتات كان هو كردستان المتخيَّلة ومرتبط بالبحث عن دولة قومية. وثمة عامل آخر وثيق الصلة بالموضوع وهو أن هؤلاء الكتاب كانوا يكتبون قبل “موجة الذاكرة” في تركيا.

لكن الجيل الجديد من الكتاب الكرد يتألف بشكل رئيسي من شباب وشابات تسيّسوا ابتدءاً من التسعينيات في سياق الحرب المستمرة في تركيا إذ التفوا حول مجلات ودور نشر ومراكز ثقافية متنوعة وبشكل خاص في استانبول وديار بكر. تناول هذا الجيل [في أعمالهم] ليس فقط عنف الدولة الممارَس بحق الكرد ولكن أيضاً مظالم تاريخية أخرى وبشكل خاص الإبادة الجماعية للأرمن. هذا التوسع الموضوعاتي في النتاج الثقافي يوازي، بشكل ملفت للنظر، التطورات التي جرت على أسس سياسية في المنطقة الكردية. فالحكومات المحلية (أو البلديات) المرتبطة بالحركات السياسية التابعة للأكراد، والتي تزايدت بشكل مضطرد عدداً وسلطةً على المستوى المحلي منذ 1999، تبنت سياسات ثقافية شاملة لمختلف الجاليات الدينية والثقافية. وبناءً عليه، فإن النشاطات الثقافية التي نظمتها تلك الحكومات [البلديات]جرى بشكل رئيسي لمناقشة موضوع التعددية الثقافية والحنين إلى ماضي العيش المشترك. بالتوازي مع تلك التطورات، فإن الممثلين السياسيين الكرد عالجوا أحداث 1915 على أنها إبادة بحق شعب أصيل في المنطقة مع الاعتراف في الوقت نفسه بتورط أسلافهم في تلك الأحداث. لذلك يمكن القول أن مقاربة الحركة السياسية السائدة التي- بعكس الإيديولوجيا الكمالية عن الأمة والثقافة الموحدتين- تشجع مجتمع متعدد الثقافات ومتعدد المكونات ربما وفّرت الإطار الإيدولوجي والسياسي للمؤلفين الكرد لإعادة التفكير بالماضي وإعادة إنتاج الحقائق التاريخية المسكوت عنها في التاريخ الرسمي بشكل أدبي بالاعتماد أيضاً على الذاكرة الحية في المجتمع.

2- ذاكرة المجزرة في الرواية الكردية:

مثلما ذكرنا في المقدمة فإنه منذ بداية الألفية الجديدة ولا سيما في النصف الثاني من عقده الأول ، وعندما انتقل النتاج الأدبي من الشتات إلى المدن الرئيسية داخل تركيا وكردستان، ومع “موجة الذاكرة” في تركيا، فإن عدد الأعمال الأدبية التي تعالج مجازر الأرمن تزايد بشكل مثير.

من بين أولى تلك الروايات كانت رواية(رثاء الوقواق) Kilama Pepûgî لـ( دينيز كوندوز)DenizGûndûz الصادرة في عام 2000 والتي كانت أيضاً أول رواية تُكتب باللهجة الزازية. جاء بعدها روايات مثل:

  • (آه يا أماه) Ay Dayê لمهدي زانا (2005)
  • (الحب المستور) EvînaPinhan لصبري إقبال (2006)
  • رواية (كلمات آثمة)GotinênGunehkar لحسن متي (2007)
  • (مسيحي الأب) Bavfileh ليعقوب تل أرمني YaqobTilermeni (2009)
  • (معرض الصور) PêsenghaSûretan لعرفان آميدي (2011)
  • الحَلَق Guhar لأيوب كوفان EyubGuven (2001)
  • بئر النصارىKortikaFilehan لمحمد دَفيرن Mehmet Devîren
  • مجموعة القصص القصيرة مثل (دلشا ) لفلات دلكش (2003)
  • فارجآباد Verjabed لأحمد جكو (2010)
  • (المحكوم) لمحمد علي كوت (2002)
  • Berenge لعمر فاروق أرسوز (2013)
  • (الخيط) لمحمد دجلة (2013).

إضافة إلى ذلك، نُشِرت بعض القصص القصيرة التي تعالج [أحداث] 1915 ومجازر الأرمن في مجلات مختلفة. وقد حدث تطور مشابه أيضاً في النتاج الأدبي باللغة التركية لمؤلفين أكراد عالجوا أحداث 1915 من خلال علاقتها بالمجتمع الكردي. من بين تلك الأعمال:

  • رواية سردار جان (حكايات جدتي) 1993
  • AhparikSarkis  آهباريك سركيس لـ (زلكوف كيشناك) 2011
  • (شبح خربوط) لـ (متين أقطاش) 2012
  • (الفتاة الأرمنية آغجك) لـ(يوسف بكي) 2007
  • (المنطقة المفقودة من الجنة) لـ(يافوز أكينجي) 2012

هذه الصحوة من الاهتمام بذاكرة الإبادة الجماعية في الأدب الكردي أصبحث مؤخراً موضوعاً لأبحاث علمية (Yislemen 2014; Galip 2013; Celik 2015) .

رغم أن بعض هذه الأعمال تجري قبل أو بعد 1915 إلا أنه يُصادف أن يكون أحد أو بعض أبطالها من الأرمن والفكرة الرئيسية تركّز على أو تدورأحداثها حول [أحداث] 1915 ونتائجها. سيجري البحث في الطرق الخاصة التي تم من خلالها إيصال وبناء ذاكرة [أحداث] 1915 ونتائجها على مرحلتين. في المرحلة الأولى سوف ندرس عن قرب الأفكار المتواترة المتعلقة بـ1915 وماضي الكرد والأرمن في الأدب الكردي الحديث بناءً على تحليل ثلاث روايات. من ثم سنقوم بتلخيص ومناقشة مقاربات أكثر عمومية لأحداث 1915 والتاريخ الأرمني-الكردي الحديث في الأدب الكردي الحديث.

الروايات الثلاث التي تم اختيارها لتحليل الموضوع وهي:

  • KilamaPepûgî رثاء الوقواق لـ( دينيز كوندوز)
  • (مسيحي الأب) Bavfileh ليعقوب تل أرمني
  • (معرض الصور ) Pêşengha Sûretan لعرفان آميدي