نوسوسيال

24 نيسان مجازر الأرمن” حقائق التاريخ لا تخفيها مصالح الدول

309

 

بكل تأكيد لا يمكن طمس الحقائق التاريخية مع مرور الزمن ولا يمكن طي صفحة الماضي بإخفاء وثائقه أو التخلص من القائمين عليه بأي حجة كانت. فدائماً ما يكون للتاريخ جريانه الخاص به ليكشف الحقيقة المخفية بين طيات مصالح القوى والدول التي صمتت عن قول الحقيقة مراعية بذلك مصالحها السياسية والاقتصادية على حساب المجتمعات والشعوب. الحقائق التاريخية والجغرافية هي العامل الوحيد والمتين الذي لا يمكن التغافل عنه في أي محاولة لإعادة كتابة التاريخ وفق مشيئة المنتصرين، كما تروج لها الأنظمة الاستبداية التي شكلت دولها على حساب الشعوب والمجازر التي طبقتها بحقهم من أجل بناء دولة ليس لها أي نصيب من الحقيقة التاريخية والجغرافية. هذا هو بعضاً من الحقيقة التي ينبغي أن نعترف بها بأن كافة الدول التي تم تشكيلها في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية، لم تكن – هذه الدول – إلا وسيلة لاستعباد الشعوب ونهب خيراتهم تحت مسمى بناء الدولة المستقلة والوطن. حتى تحول الوطن لسجن كبير وقفص لترويض الشعوب وتنميطهم ليكونوا شعباً واحداً متجانساً لا يقبل الخلاف والاختلاف، لأنه مبني بالأساس على العصبية القومجية والتطرف الديني.
بهذه العقلية كان التقرب من اقتسام جغرافيا الخلافة العثمانية التي كانت في آخر مراحلها تعيش سكرات التقسيم والتشتت على يد قوى الهيمنة الخارجة من قمقم الثورة الصناعية في أوروبا والباحثة عن موطئ قدم لها في مشرق المتوسط لنهب ما تصله أيديهم من ثروات المنطقة. وما كان لهذا أن يحدث لولا الألاعيب والسياسات التي سيّرتها تلك الأطراف بحق كافة الأطراف. سياسة “فرق تسد” و “ضرب الكلاب ببعضها” لإضعافها واستنزافها وفي النهاية التحكم بِكِلا الطرفين. هي سياسة القوى التي دخلت في الحربين العالميتين للبحث عن الانتصار مهما كان الثمن ولو كان على حساب الشعوب. فكانت المجازر بحق كل الشعوب بدون استثناء. حيث راح الكل يقتل الكل إن كان باسم القومية أو الدين وكلاهما تم دغدغتهم بعاطفة تشكيل الدولة لهم إن هم تحولوا إلى بنادق مأجورة عندهم.
لعبة لا زالت مستمرة حتى الوقت الراهن بنفس التفاصيل والوعود لتأليب الشعوب على بعضها ثانية ومن نفس الأطراف التي كانت قبل قرن من الآن. هي الأطراف نفسها لم تغير من سياساتها وتسعى لتكرار ما فعلته قبل قرن أن تعيد تكراره ثانية وعلى نفس الشعوب لتصل لنفس النتائج.
تمر الآن ذكرى المذابح الأرمنية التي تمت في الربع الأول من القرن العشرين على يد العثمانيين في 24 نيسان من عام 1916، حيث يقدر مقتل أكثر من مليون ونصف أرمني في تلك المجازر التي استمرت لأعوام على يد الفرق الحميدية الانكشارية. ولا زال الشعب الأرمني يعيش تداعيات تلك المجازر من تشتت في الكثير من دول العالم يبحثون عن اعتراف منها عن تلك المجازر، لكن ما زال الصمت يخيم على معظم دول العالم وذلك من أجل مصالحهم الاقتصادية أو السياسية التي تقتضي عليهم أن يكونوا “صم-بكم-عمي”.
تحجج العثمانيون بقتل الأرمن على أنهم ساندوا روسيا في حربها على العثمانيين، وهذا ما أثار حفيظة العثمانيين على قتل الأرمن من دون رحمة بعدها بسنوات حينما سنحت الفرصة لهم كي ينتقموا من تلك الهزيمة التي تعرضوا لها في تلك المعارك. حيث انتهت الحرب الروسية العثمانية (1877-1878) بنصر الإمبراطورية الروسية الحاسم وجيشها من خلال احتلال أجزاء كبيرة من شرق تركيا، ولكن ليس قبل أن يتم تدمير المناطق الأرمنية بأكملها من خلال المذابح التي ارتكبت مع تواطؤ السلطات العثمانية. في أعقاب هذه الأحداث، قام البطريرك نيرس ومبعوثوه بزيارة متكررة للقادة الروس للحث على إدراج بند يمنح الحكم الذاتي المحلي للأرمن في معاهدة سان ستيفانو المرتقبة والتي وُقعت في 3 مارس من عام 1878. وهذا ما وعد به الروس الأرمن حال مساندتهم لهم في حربهم ضد العثمانيين. وبانتهاء الحرب ضغط الأرمن على الروس كي يوفوا بوعودهم التي اعطوها لهم. وعليه فرض الروس شرط أن يتم منح الأرمن حكم ذاتي كي تتوقف الحرب بينهما.
كان الروس قد قبلوا الشرط، لكن العثمانيين رفضوه بشكل قاطع أثناء المفاوضات. في مكانه، اتفق الطرفان على بند يحض على تنفيذ الباب العالي للإصلاحات في المحافظات الأرمنية وكشرط لانسحاب روسيا، وبالتالي تعيين روسيا كضامن للإصلاحات. دخلت المادة المعاهدة باعتبارها المادة 16، وكانت أول ظهور لما أصبح معروفًا في الديبلوماسية الأوروبية باسم المسألة الأرمنية.
عند استلام نسخة من المعاهدة، عارضت بريطانيا على الفور وبصفة خاصة المادة 16، والتي رأت أنها تتنازل عن نفوذ كبير لروسيا. دفعت على الفور إلى عقد مؤتمر القوى العظمى لمناقشة المعاهدة وتنقيحها، مما أدى إلى مؤتمر برلين في يونيو ويوليو من عام 1878. وأرسل البطريرك نيرس وفداً برئاسة سلفه، رئيس الأساقفة خريميان هايريك. للتحدث باسم الأرمن، لكن لم يتم قبولها في الجلسات على أساس أنها لا تمثل بلدًا. وقد بذل الوفد قصارى جهده للإتصال بممثلي القوى، وحصر قضية الحكم الذاتي الإداري الأرمني في الدولة العثمانية، ولكن دون تأثير يذكر. وبعد التوصل إلى تفاهم مع الممثلين العثمانيين، وضعت بريطانيا نسخة منقحة من المادة 16 لتحل محل النسخة الأصلية، وهي بند يحتفظ بالدعوة إلى الإصلاحات، ولكنها أغفلت أي إشارة إلى الاحتلال الروسي، وبالتالي استغلت الضمان الأساسي لتنفيذها. على الرغم من الإشارة الغامضة إلى مراقبة القوة العظمى، إلا أن هذا البند فشل في تعويض إزالة الضمانة الروسية بأي معادلة ملموسة، وبالتالي ترك توقيت ومصير الإصلاحات بحسب تقدير الباب العالي. وتم اعتماد المادة بسهولة باعتبارها المادة 61 من معاهدة برلين في اليوم الأخير من المؤتمر، في 13 يوليو عام 1878، ما أدى إلى خيبة أمل عميقة من الوفد الأرمني.
وبهذا الشكل عملت بريطانيا على افشال تلك المعاهدة والتي أعطت الضوء الأخضر للعثمانيين للقيام بقتل الأرمن وتهجيرهم، بعدما فقدوا الظهير الروسي لهم الذي تخلى هو أيضاً عنهم تحت ضغوط بريطانيا.
بالأساس كانت جمعية الاتحاد والترقي التي ولدت من رحم منظمة “تركيا الفتاة”، هي الجهة المسؤولة بماشرة عن قيادة تركيا في مراحل ضعف العثمانيين. هذه الجمعية التي أرادت ان تحافظ على ما تبقى من الجغرافيا لبناء دولة يكون فيها الأتراك فقط من يعيش فيها على حساب تهجير الشعوب الأخرى بأي وسيلة كانت. وكان من أبرز مؤسسي هذا الاتحاد الطوراني الفاشي طلعت باشا (وزير الداخلية)، وإسماعيل أنور باشا (وزير الحرب)، وبهاء الدين صقر (المدير الميداني للمنظمة الخاصة)، ومحمد ناظم (زعيم التخطيط الديموغرافي).
الذين كان لهم الدور الأبرز في كل ما حصل من مجازر بحق شعوب الأناضول بشكل عام، إن كان بحق الأرمن والسريان والآشور والكلدان والعرب والكرد واليونانيين والكثير من الشعوب الأخرى التي لاقت نفس المصير المجهول. لم يسلم أحد من تلك المجازر وتم استخدام الكل في قتل الكل على يد العثمانيين. وبكل تأكيد بضور أخضر من بريطانيا وروسيا وفرنسا، وألمانيا حليف تركيا في الحرب العالمية الأولى التي أيدت وبشكل مباشر هذه المجازر ولو بشكل ضمني. وهذا ما يفسر لنا التحالف التاريخي ما بين ألمانيا وتركيا منذ العثمانيين وحتى الآن.
حيث في إحدى الوثائق التي تم الكشف عنها يقول قال هانز هيومن، الملحق البحري الألماني في القسطنطينية، للسفير الأمريكي هنري مورغنثاو: “قد عشت الجزء الأكبر من حياتي في تركيا… وأنا أعرف الأرمن. كما أعلم أن كلاً من الأرمن والأتراك لا يمكنهم العيش معاً في هذا البلد. وأحد من هذه السباقات يجب أن تذهب. وأنا لا ألوم الأتراك على ما يفعلونه للأرمن. أعتقد أنه مبرر تماماً. الأمة الأضعف يجب أن تستسلم. ويريد الأرمن تفكيك تركيا؛ هم ضد الأتراك والألمان في هذه الحرب، وبالتالي ليس لديهم الحق في الوجود هنا”.
وفقاً للمؤرخة بات يور، شهد الألمان أيضاً حرق الأرمن حتى الموت. وكتبت: “الألمان، حلفاء الأتراك في الحرب العالمية الأولى… رأوا كيف أن السكان المدنيين كانوا محاصرين في الكنائس والتي أحرقت لاحقاً، أو جمُعوا بشكل جماعي في مخيمات، وعذبوا حتى الموت، وتحولوا إلى رماد”.
وتفنن العثمانيين بأساليبهم في قتل الأرمن والسريان والآشور والكلدان وبشكل عام المسيحيين في تلك الفترة ولم يتركوا لمخيلتهم التوقف في ابداع صنوف العذاب والقتل والاغتصاب والحرق والتدمير وكل ما يخطر على بال انسان متوحش لا يفكر إلا بالقتل حفاظاً على وجوده كما يدعون. أي أن العقلية الطورانية توصلت لفكرة مفادها أنه لن تقوم لنا قائمة ولن يكون لنا دولة إن لم نتخلص من كافة الشعوب التي تعيش على أرضنا. وأن هذه الأرض هي فقط للأتراك المسلمين، وعلى كل من هو ليس تركياً وليس مسلماً أن يقتل أو يهجر وتنهب ممتلكاته.
ليس فقط المرتزقة من الألوية الحميدية وعناصر الدرك من العثمانيين هم من قاموا بتلك المجازر، بل كان الكثير من السياسيين والمثقفين والكتاب الأتراك لهم اليد الطولى في تلك المجازر بنفس الوقت. حيث كان لأفكارهم التي تم الترويج لها في الجرائد والصحف الصادرة في تلك المرحلة عامل محرض كبير على قتل الأرمن وغيرهم من الشعوب. وكذلك تم الكشف عن بعض من الوثائق التي تثبت تورط الأطباء الأتراك أيضاً في تلك الجرائم والمجازر بشكل مباشر، وخاصة في معسكرات الاعتقال المنتشرة على طول الحدود مع بلاد الشام.
وساهم الأطباء العثمانيون في تخطيط وتنفيذ الإبادة الجماعية. كان الطبيبان بهاء الدين شاكر ونظيم بك من الشخصيات البارزة في جمعية الاتحاد والترقي وكلاهما كانا يشغلان مناصب قيادية في المنظمة الخاصة. استخدم أطباء آخرون خبراتهم الطبية لتسهيل عمليات القتل، بما في ذلك تصميم طرق لتسمم الضحايا واستخدام الأرمن كمواضيع للتجارب البشرية القاتلة. وحتى أن يمكننا القول بأن القتل الطبي النظامي في الإبادة الجماعية للأرمن كان مقدمة للتجارب النازية على البشر خلال الهولوكوست.
ومن الأساليب الطبية المحددة المستخدمة لقتل الضحايا ما يلي:
1 – جرعة زائدة من المورفين: خلال سلسلة محاكمة طرابزون في المحكمة العسكرية، وبحسب الجلسات بين 26 مارس و17 مايو من عام 1919، كتب مفتش خدمات الصحة في طرابزون الدكتور ضياء فؤاد في تقرير أن الدكتور صائب تسبب في وفاة الأطفال بحقن المورفين. زُعم أن هذه المعلومات قدمها طبيبان وهما راغب وفهيب، وهما زميلا الدكتور صائب في مستشفى طربزون للهلال الأحمر، حيث قيل إن تلك الفظائع ارتكبت فيها.
2 – الغازات السامة: قام الدكتور ضياء فؤاد والدكتور عدنان، مدير الخدمات الصحية العامة في طرابزون، بتقديم إقرارات معلنة تتضمن استخدام الغاز في مدرستين لتنظيم الأطفال وإرسالهم إلى الميزانين لقتلهم باستخدام معدات غازية سامة.
3 – تلقيح التيفوئيد: كتب الجراح العثماني الدكتور حيدر جمال “بناءاً على طلب من رئيس قسم الصرف الصحي للجيش الثالث في يناير عام 1916، عندما كان انتشار التيفوس مشكلة حادة، حيث تم تطعيم الأرمن الأبرياء المقرر ترحيلهم في آرزينجان مع الدم من مرضى حمى التيفوئيد دون أن يجعل الدم غير نشط”.
وكتب جيريمي هيو بارون: “كان الأطباء الأفراد متورطين بشكل مباشر في المجازر، بعد أن سمموا الرُضع، وقاموا بقتل الأطفال وأصدروا شهادات وفاة كاذبة من أسباب طبيعية. نظّم زوج شقيق ناظم الدكتور توفيق رشدو، المُفتش العام للخدمات الصحية، التخلص من الجثث الأرمنية بآلاف الكيلوغرامات من الجير على مدى ستة أشهر؛ والذي أصبح وزير الخارجية من عام 1925 إلى عام 1938”.
كثيرة هي الوثائق التي تم نشرها عن المجازر التي تعرض لها الأرمن قبل قرن من الآن وأكثر ولكن بكل تأكيد هناك أطنان منها لا زالت قيد الحفظ والسرية ولم يكشف عنها حتى راهننا وذلك لأسباب تتعلق بمدى دور بعض الدول فيها أيضاً. خاصة أن ألمانيا كان لها دوراً لا يستهان به في دعم العثمانيين والأتراك من بعدهم في حروبهم الداخلية الخارجية. وكذلك دور روسيا وبريطانيا وفرنسا وأمريكا وغيرهم الكثير. وخاصة اليهود الذين كان لهم الدور الأبرز في تشكيل الاتحاد والترقي واسقاط السلطان عبد الحميد وحتى تأسيس الجرائد والصحف والبنوك التركية في ذاك الوقت.
وحتى أن مسرحية محاكمة من وصفتهم قوى الهيمنة أنهم المسؤولين عن تلك الجرائم تم إطلاق سراحهم بعد ذلك أيضاً. حيث تم نقل أعضاء عسكريين عثمانيين وسياسيين رفيعي المستوى أدانتهم المحاكم العسكرية التركية من سجون القسطنطينية إلى مستعمرة مالطا. وتم احتجازهم هناك لمدة ثلاث سنوات. ومع ذلك، أُطلق سراح مجرمي الحرب في نهاية المطاف دون محاكمة وعادوا إلى القسطنطينية في عام 1921، مقابل 22 أسير حرب بريطاني احتجزتهم الحكومة التركية في أنقرة، بما في ذلك أحد أقارب اللورد كرزون.
بكل تأكيد أن العثمانيين من قادة الاتحاد والترقي هم من قام بمجازر الأرمن والتي لم يعترف بها الأتراك حتى الوقت الراهن. وأنهم فعلوا ذلك عن سبق إصرار من أجل التخلص من كل ما هو غير تركي. وهم نفسهم الذين يحملون نفس العقلية يضربون الشعوب ويهجرونهم. فلا فرق بين تحالف “جمعية الاتحاد والترقي” قبل قرن من الآن وبين ائتلاف “تحالف الشعوب”، الذي يضم أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية ودولت بخجلي زعيم حزب الحركة القومية الفاشي. كِلا الحلفين لهما نفس الوظيفة ألا وهي القضاء على الشعوب والمجتمعات من أجل العقلية الفاشية والشوفينية القومجية الاسلاموية الطورانية التركية.
ولكن علينا ألا ننسى دور الدول الأخرى في ذلك أيضاً، لما قاموا به بتسيير سياسة “العصى والجزرة” و “فرق تسد” بحق كافة الأطراف من دون استثناء وذلك من خلال الوعود الكاذبة التي كانوا يعطونها للكل من أجل تأليبهم على بعض وتنفيذ أجنداتهم وأطماعهم الخاصة.
كما الآن نرى بأم أعيننا ما تقوم به نفس الدول والقوى في قتل وتهجير الشعوب من مناطقهم ومدنهم تحت مسمى محاربة الإرهاب، في الوقت الذي يدعمون به الإرهابيين ويرسلونهم حيث ما تقتضي مصالحهم وأجنداتهم. فالحرب على سوريا وإدخال المرتزقة والإرهابيين ودعمهم من قبل تركيا واحتلال المدن الكردية والعربية، لا يختلف بتاتاً عمّا فعله العثمانيين قبل قرن من الزمن بحق الكرد والعرب. وكذلك نقل تركيا وبأوامر من أردوغان المرتزقة والإرهابيين إلى أذربيجان وزجهم في معارك ضد الأرمن واحتلال أراضيهم، لا يختلف البتة عمّا فعله اجداد اردوغان السلاطين قبل قرن من الآن. هو التاريخ يكرر نفسه لا أكثر ولتبقى الشعوب ضحية نفس الألاعيب ونحن في القرن الحادي والعشرون.
وهي نفس الدول التي كانت صامتة قبل قرن والآن وشاهدة على تلك المجازر والتهجير والقتل، هي نفسها صامتة الآن وشاهدة على ما تفعله المرتزقة والإرهابيين الذين نقلهم أردوغان إلى أذربيجان أو المدن الكردية في شمالي سوريا أو شمالي العراق. روسيا وبريطانيا وأمريكا وفرنسا وإسرائيل، الكل صامت ويشرب نخب المجازر التي تتعرض لها المجتمعات على يد أحفاد السلاطين العثمانيين والذين يحلمون بالعثمانية الجديدة.
هذا ما يحتم على شعوب المنطقة على الأقل أن تتكاتف مع بعضها البعض وتشكل جبهة عريضة للمقاومة التي تكون من مهامها الأولى على الأقل الخروج من مستنقع الفوضى والحروب بأقل الخسائر، وإلا أن التاريخ سيكرر نفسه بكل تفاصيله إن اقتنعنا بأن قوى الهيمنة الدولية والإقليمية سوف تساند الشعوب في نيل حقوقها. في زمن الفوضى الكل يبحث عن مصالحه ولا أحد يفكر بالمجتمعات والشعوب والأخلاق والضمير والشرعية الدولية، بل هي المصالح الاقتصادية والبنكية والسياسية لها الكلمة العُليا في زمن الفوضى الذي نعيشه. لأن التاريخ المشترك ما بين العرب والكرد والأرمن والآشوريين والسريان، موغل في التاريخ وأقدم من تاريخ الكثير من الدول التي تشكلت في اعقاب الحرب العالمية الأولى.
فهل ستتعظ الشعوب بالتاريخ كي لا تتكرر المجازر ثانية. وعلينا ألا نصمت عن قول الحق، لأنه حينما تضعُ لِجَاماً على فمك، سيضعون سُرجاً على ظهرك.