نوسوسيال

حدَثَ في سورية – قصة حقيقية

610

 

(أبو محمد) بائع متجوّل في مجموعة قرى ساحلية تتبع لناحية البهلولية. يبيع الأقمشة بمختلف أنواعها من ملاحف وشراشف ووجوه مخدّات بالإضافة إلى ما يحتاجه الأهالي من سلع متنوعة: (مصّاصات متة، خيطان، إبر، حبكات للشعر..) يطوف ببضاعته على درّاجة متنقّلاً من قرية إلى أخرى. يبيع بالدّين ويسجّل ديونه على دفتر صغير مبيّناً اسم المدين والقرية التي ينتمي إليها. وغالباً ما يدوّن الأسماء بألقابها كأن يكتب (أبو سليمان – القرّامة – 1000 ليرة شرشف). كان أبو محمد  رجلاً محبوباً من جميع سكان القرى التي يعرض بضاعته فيها. فهو دمث الأخلاق، مرح، يتمتع بطيبة قلّ نظيرها.

في أحد الأيام يتعرّض إلى حادث سير ويفارق الحياة. عندما سمع أهالي تلك القرى بالخبر المأساوي هبّوا حزانى للقيام بواجب التعزية. وكل من كان بوسعه السفر إلى قريته البعيدة من رجالٍ ونساء أبدى استعداده للمشاركة. حيث كان يقطن في قرية تتبع إدارياً لمدينة جسر الشغور.

لدى وصولهم بثلاث حافلات إلى مكان التعزية، رحّب ذوو البائع بالمعزّين الذين ينتمون إلى طائفة أخرى أيّما ترحاب. وألقى أحد أقارب البائع كلمة تأبين شكر خلالها المعزّين وخصّ بالذكر أهالي القرى الساحلية الذين لم يكتفوا بتجشّم عناء السفر للمشاركة وحسب، بل وقاموا بجمع كامل الدَّين الذي كان بذمّتهم وقدّموه لزوجة الفقيد. وكم كان مؤثراً عندما ذكر المؤبّن أن ما سبق أن سجّله البائع المرحوم على دفتره الصغير وتم جمعه حسابياً، يعادل تماماً ما قدّمه المعزّون الساحليون لزوجة المرحوم وقيمته (300) ألف ليرة.

هكذا كانت العلاقات الاجتماعية بين أطياف مجتمعنا السوري قبل الأزمة. وهكذا ستعود وتكون بعد الانتهاء من هذه الكارثة الإنسانية الفظيعة التي شوّهتنا جميعاً.

 

ضياء اسكندر