الكورد عبر تاريخهم الطويل وعلى امتداد القرون ظلوا منعزلين عن الشعوب الأخرى في العالم الخارجي، رغم الغزوات التي شهدتها بلادهم وكانت أرض كوردستان ساحة لحروب ومعارك طاحنة دارت عليها رحاها.
سبب هذا الانعزال والابتعاد عن العالم الخارجي يعود إلى صعوبة طرق المواصلات في الطبيعة الجبلية لوطنهم كوردستان التي تقع على مساحة نصف مليون كيلومتر مربع.
وساعدت الطبيعة الجبلية الكورد للحفاظ على لغتهم بلهجاتها المختلفة وعلى عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم، وهو العامل الذي أثر إيجاباً على ثبات الكورد في البقاء والاستمرارية، وعدم الضياع والانحلال مثل بعض الشعوب في الشرق الأوسط .
لم يتمكن الكورد من إيصال صوتهم إلى العالم الخارجي وصنعهم الأصدقاء وشرح قضيتهم والظلم الذي لحق بهم، لذلك أطلق عليهم الشعب الذي ليس له أصدقاء سوى الجبال.
والشاعر الفلسطيني محمود درويش يقول في قصيدته المهداة إلى صديقه الشاعر والروائي الكوردي سليم بركات بعنوان: ليس للكردي إلا الريح.
منذ نهايات القرن الماضي أصبح الكورد وقضيتهم موضع اهتمام الكثيرين من المثقفين والكتاب الشخصيات السياسية الحكومية الرسمية والمستقلة في العالم، بل وحتى بعض الشعوب بأكملها تقريبا أصبحت على دراية تامة بالكورد والاطلاع على تاريخهم والظلم التاريخي الملعون بحقهم وتقسيم بلادهم إلى أربعة أجزاء مما كسب الكورد ودهم وتعاطفهم وتمتين أواصر الصداقة بينهم.
لذلك ربطت هذه الشخصيات وهذه الشعوب علاقات صداقة قوية مع الكورد، وتصاعدت الأصوات الشعبية المؤيدة للكورد بعد أن أثبتوا للعالم بأنه شعب مسالم وقدم عشرات الآلاف من الشهداء ضد التنظيمات الإرهابية التي فرضت عليهم الحرب، وهي نفس التنظيمات التي لم تسلم أوروبا ولا أمريكا من شرها.
كما حدث في أمريكا 11 سبتمبر 2021 وتدمير مركز التجارة العالمي، وكذلك عمليات إرهابية في لندن ومدريد وباريس على سبيل المثال لا الحصر ولم يتورط الكورد أبداً في إرتكاب هذه الأعمال البربرية القذرة.
إن وقوف الشعب الكتالوني الصديق إلى جانب الكورد وقضيتهم يعود إلى زمن طويل، فقبل عدة سنوات تم َّ تسمية شارع رئيسي في العاصمة برشلونة باسم جادة كوردستان وعلى اللوحة هناك ما يشير إلى كوردستان وتقسيمها بين الدول المختلفة وتسمية هذه الدول، إن اعتراف البرلمان الكتالوني بالإدارة الذاتية لشمال وشمال شرق سوريا ما هو إلا ثمرة من ثمار هذه الصداقة العميقة والعريقة بين الشعب الكوردي والكتالوني.
كل الشكر والتقدير والاحترام لكتالونيا حكومةً وبرلماناً وشعباً على التصويت بالأغلبية بموافقة ثمانين صوتا من أصوات أعضاء البرلمان على الاعتراف بالإدارة الذاتية، وكذلك العمل على توطيد العلاقات معها في مختلف المجالات منها الاقتصادية والسياسية والثقافية وفي مجال إعادة البناء والإعمار وتطويرها.
آملين أن تحذوا دول ومقاطعات وأقاليم أخرى حذو كتالونيا والسير نحو الاعتراف بهذه الإدارة الذاتية والاحتمال قوي جداً في ظل الترتيبات التي تشهدها المنطقة وبوادر ظهور تحالفات وترتيبات جديدة.
هناك تطورات إيجابية وتغيير في لهجة التعامل مع الإدارة الذاتية لشمال وشمال شرقي سوريا ويتم النظر إليها على أنها أفضل نموذج للتعايش المشترك بين مختلف القوميات والمكونات الأصيلة ومختلف الإثنيات الدينية في منطقة شمال وشرق سوريا.
إذ تشارك جميع هذه المكونات في هذه الإدارة دون تمييز بين مكون أو آخر والكل يساهم في صنع ووضع القرارات اللازمة لتطويرها وتقديم الخدمات للمواطنين والسهر على حمايتهم وأمنهم.
لم تأت هذه الإدارة الذاتية مجانا ودون مقابل بل تم دفع ثمنها بالدماء النقية الطاهرة التي أريقت إذ ساهم الجميع أي جميع المكونات في الدفاع عنها وحمايتها من كورد وعرب وسريان وغيرهم، وقد ضحوا بأكثر من أربعة عشر ألف شهيداً في حربهم على الإرهابيين، الذين سعوا إلى تدميرها والسعي إلى ارتكاب المجازر بحق أبنائها وتقييد نساءها بسلاسل من حديد لبيعهن في الأسواق بأثمان بخسة.
رأينا كيف تم بيع الكرديات اليزيديات مقيدات من قبل داعش في الرقة عندما كانت عاصمة خلافتهم المهزومة، ونجم عن هذه الحرب التي فرضها الإرهابيين أكثر عشرين ألفاً بين جريح ومعوق والآلاف من الأرامل اللاتي فقدن أزواجهن في معركة البطولة والشرف.
قوات سوريا الديمقراطية /قسد / لم تدافع عن الإدارة فقط، بل حقيقةً كسرت شوكة الإرهابيين الذين يشكلون خطراً ليس على المنطقة فحسب بل على العالم أجمع، وشكلت هذه القوات خط الدفاع الأول ضد الإرهاب في شرق الفرات نيابة عن العالم أجمع .
لذلك هناك رغبة حقيقية من بعض الدول عرفاناً بجميل وتضحيات هذه القوات إلى الاعتراف السياسي بالإدارة الذاتية، وهناك إشارات تبث منها ومن هذه الدول فرنسا على سبيل المثال التي وجهت لهذه الإدارة الدعوة لزيارة باريس وأجرت مباحثات يخص هذا الموضوع، واعتراف كتالونيا بالإدارة الذاتية يندرج أيضاً في هذا الإطار.