نوسوسيال

كتبت سيدار رشيد: الكاتب محمد أرسلان يتنبأ بحرب عالمية ثالثة

272

 

 

 

ربما ما نشهده في الوقت الراهن من حالة التشتت والفوضى التي تضرب المنطقة بشكل عام من مشرقها لمغربها ومن شمالها لجنوبها، يُحتم علينا التفكير ولو قليلاً للبحث في أسباب هذا الوضع الذي وصلنا له ونحن في بدايات الألفية الثالثة.

ورغم التطور التقني والمعلوماتية التي نعيشها والتي نكرر فيها كثيراً أن العالم بات قرية صغيرة، إلا إن ما نعيشه يوصلنا لنتيجة مفادها أننا وحتى ضمن هذه القرية الصغيرة لا نعي ولا نُدرك ماذا يحصل ولماذا؟ فهل لهذا علاقة بمنظومتنا الفكرية والمعرفية التي نقتنع فيها بعض الأحيان بأننا نمتلك ولو اليسير القليل منها، أم أنَّ مقدار المعلومات التي تم حقنها في أدمغتنا ما هي إلا معلومات مغلوطة وليس لها أية علاقة بالحاضر الذي نعيشه ولا لها أية روابط بالماضي وبالتالي بالتاريخ.

هكذا يبدأ محمد أرسلان صاحب “القاهرة بعد قرن من مؤتمر الأربعين حرامى” الصادر مؤخرا عن دار نفرتيتي للنشر، وربما يتنبأ خلاله بحرب ثالثة يشهدها العالم تستهدف تغيير خريطة المنطقة كلها.

يقول الكاتب: التاريخ الذي حفظناه على أنه مصدر عزتنا وقوتنا وحضارتنا التي انتشرت في أصقاع العالم، وأننا نحن الذين علَّمْنا الآخَرَ ما توصل إليه من مكتشفات يتغنى بها الآن ومن علوم ما هي إلا سرقة من تاريخنا الذي هجرناه. وحينما عجزنا عن ترجمة ذاك التاريخ وما يحمله من علوم ومعرفة وعن إعطائه دفعة ليرفع المجتمعات والبشر إلى التطور، بتنا نجترّ ذاك التاريخ ونلوك به عَلَّنا نُطَمئن أنفسنا ونخرجها من دائرة التكرار والدوران حول الذات حتى أصابتنا هلوسة الغرور وجنون العودة لذلك الماضي عَلَّه يشفع لحالنا ويُخرجنا مما نحن فيه. لكن التاريخ بنفس الوقت لا يُعطي شيئاً لأحد إن هو بنفسه لم ينهض من حالة السكون والتكرار التي يعيشها وإن لم ينفض عن نفسه البؤس والقنوط والأهم مصطلح الجبرية والقدرية التي باتت جزءاً من حياتنا.

قرنٌ كامل تركناه وراءنا مليء بالمآسي والتراجيديات والأفراح والأتراح وكل شيء فيه متشابك مُعقد وكأنه لوحة تختزل حياتنا التي لا معنى لها سوى أننا نكررها ولا نعرف لماذا. المهم أن تستمر الحياة بما تحمله لنا من مفاجآت وصدمات وكوراث وحروب، حتى اعتدنا عليها وباتت جزءاً من شخصيتنا وهويتنا المتقاتلة على أتفه وأحطّ الأشياء، بعدما غَلَّفوها بألف هالة مقدسة وقدموها لنا على أنه لا حياة من دون هذه المقدسات الإلهية أو لا كرامة للإنسان من دونها.

فمن مصطلح الاستقلال والجلاء والوطن والعَلَم والنشيد الوطني والأمة الواحدة والحرية –الاشتراكية وكذلك القائد المُلهم والزعيم الضرورة إلى الحدود المقدسة، والتي يجب ألاّ نفرط بحبة رمل وتراب فيها ولو على حساب فناء المجتمع والتضحية بالبشر. وطبعاً، العشرات من المقدسات التي ما زالت محفورة في بواطن خلجات قلوبنا والتي لم نعد نستطيع حتى مجرد التفكير من دون أن تدغدغنا تلك الكلمات.

كيف يمكننا أن نصدق التاريخ وما علمونا إياه، وهاهو الحاضر يتم تزويره أمام أعيننا من قِبَل الزعماء ومؤرخي السلطة والنظم الحاكمة؟

لكن حينما ننظر إلى ما حَلَّ بنا وبالمنطقة خلال العقد الأخير وخاصة تحت ما سُمّي بثورات «الربيع العربي» والتي بدأت من تونس فمصر ومنها انتقلت إلى ليبيا ثم إلى سوريا واليمن، نرى أننا ما زلنا نعيش حالة من الانقسام الداخلي النفسي والشخصي وحتى الهوياتي قبل أن نلهث وراء التشتت والركض نحو الأقطاب الإقليمية والدولية ونستنجد بها كي تأتي وتمنحنا بعض الحرية والكرامة.

نستنجد بمَن يحمل المُطية بيديه ونقول له تعال وانحر أخي في الوطن. هنا في هذه اللحظة حينما نفكر بقتل الأخ الذي كنا نعيش معاً في نفس المنطقة، لا تبقى أية قيمة للوطن ولا لكل المقدسات التي كنا نلوكها منذ عقود من الزمن.

فمنذ عقد من الزمن انهارت منظومة المقدسات كاملة ولم يعد ثمة شيء أو رمز يُلهمنا ويمنحنا الأمل كي نتكئ عليه ونصافح هذا الأخ الذي راح يبيعنا في أقرب بازار نخاسة من أجل ثروة ما أو جشع سلطة يُمَنّي بها نفسه حتى حين.

هم أنفسهم الذين كنا نلعنهم خُفية وجهاراً على أنهم السبب في تشتتنا وتقزمنا وتفرقنا وسرقة خيرات بلادنا، نترجاهم اليوم ونركض نحوهم عَلَّهم يعطفوا علينا بأموال أو سلاح كي نتمم ما عجزوا هم عن فعله.

هم أرادوا تفريقنا فقط وإضعافنا كي نكون لقمة سائغة حينما يجوعون، لكننا أصبحنا أكثر توحشاً منهم ورحنا نقتل بعضنا البعض تحت شعارات دينية وقوموية لا علاقة لنا بها. هم أي الدول الملعونة ومنذ بدايات القرن العشرين وحتى نهايته لم نترك فيها خطبة جمعة إلا وكُنَّا نلعنهم ونتوسل الله أن يفرقهم ويشتت أمرهم وأن يُتَيّم أولادهم ويُرَمّل نساءهم ويرميهم في البحر.

قال خالد الذكر في كراسه العبقري «الثامن عشر من برومير، لويس بونابرت»: «التاريخ لا يتكرر، وإذا تكرر فإنه يكون في المرة الأولى على شكل مأساة وفي المرة الثانية على شكل مهزلة».

هي المهزلة بعد أن خرجت من حالة المأساة التي كانت سائدة لمرحلة طويلة. وللخروج من هذه المهزلة يلزمها عقول تعي التاريخ والجغرافيا وتُدرك أنه لا يمكن إيقاف عجلة تطور المجتمعات والشعوب مهما كان تفكيرنا يعتمد على الأحادية التي هي بالأساس غريبة عن حقيقة المنطقة من كافة النواحي.

كثيرة هي الاجتماعات والمؤتمرات والوعود التي حصلت في تلك الفترة من حرب التقسيم الأولى التي يمكننا أن نطلق عليها وعلى ما حصل فيها هذا الاسم، بدلاً من أن نُطلق عليها اسم «الثورة العربية الكبرى» زوراً وبُهتاناً وكي لا نخدع أنفسنا على أقل تقدير ونضع النقاط فوق الحروف كما يُقال.

ما الذي حصل؟ وكيف انخدع مَن حملوا لواء الخلاص من العثمانيين ليطردوا هذا المحتل فيستعيضوا بدلاً عنه بمحتلٍ آخر؟ ما هي المؤتمرات التي حصلت؟ وماذا دار فيها من جدال؟ وما هي القرارات التي تم اتخاذها والتي كان بموجبها تقسيم المنطقة إلى شبه دول ما زالت مستمرة حتى راهننا هشة لا حول لها ولا قوة؟

كل ذلك سنبحث فيه وخاصة في بعض المؤتمرات التي كانت مفصلية في إعطاء الشكل النهائي للمنطقة وكذلك دور الأشخاص الذين كانوا وراء الستار وتركوا بصماتهم واضحة مستمرة على ما نعيشه الآن. وخاصة مؤتمر القاهرة الذي انعقد في العام 1921، ماذا كان تأثيره؟

وما الذي يمكننا قراءته من هذا المؤتمر وتأثيره على تشكيل أو وضع الحدود السياسية للعراق؟ وغيره من المؤتمرات والاجتماعات وكذلك المراسلات والوثائق الهامة التي ربما نستفيد منها ونتعظ ولو بعد قرن من الزمن.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا هذه العودة للوراء قرناً كاملاً؟ وماذا تُخفي تلك الفترة بين جنباتها حتى نعود لدراستها؟

سبب طرحنا لهذا السؤال هو أن ما نعيشه الآن مرتبط بشكل مباشر بما كان في ذلك الوقت وكأن التاريخ يعيد نفسه ومن نفس المنطقة وبنفس الأدوات وبنفس السياسة، مع التحديث طبعاً في الوسائل والطرق والأساليب وكذلك الأهداف.

قبل قرن من هذا التوقيت تم عقد مؤتمر القاهرة في 1921 في فندق سمير أميس في وسط القاهرة وعلى ضفاف النيل وفيه تم اتخاذ الكثير من القرارات والتي كان لها وقعها على مستقبل المنطقة حتى راهننا.

لا نريد الدخول في تفاصيل هذا المؤتمر لأننا وضحناه سابقاً ببعض التفاصيل، المهم بالنسبة لنا هو الآن بعد مائة عام من ذاك المؤتمر وما تمخض عنه، يبقى السؤال المطروح؛ ما هو المطلوب مصرياً؟

وما الذي يمكن أن تلعبه مصر من أجل إصلاح ما تم تعطيبه قبل قرن على يد الانكليز؟ وهل آن الأوان لأن تلعب مصر دورها الريادي في المنطقة وتعود كما كانت تاريخياً قوة لها وزنها ورؤيتها للمنطقة عامة؟ أم أنها ستبقى كما كان مطلوب منها تابعة للآخر أو منكفئة على نفسها؟

طبعاً، ثمة الكثير من الأسئلة التي يمكن طرحها والاستفسار عنها للتوصل لبعض الأجوبة التي ستكون المحدد لدورها في المستقبل. خاصة أنَّ المنطقة تشهد نوعاً من بوادر حرب عالمية ثالثة سيكون هدفها تغيير الكثير من الحقائق التي كنا يوماً ما نؤمن بأنها من المسلّمات.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

من هو محمد أرسلان علي  :  محمد أرسلان علي كاتب وصحفي من سوريا ومقيم في القاهرة، وهو المدير الاقليمي لمكتب وكالة أنباء فرات.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,