نوسوسيال

   بقلم حسن ظاظا : طاووس ملك ومحنة الاختبار الإلهي في الديانة الإيزيدية

344

 

تقوم الديانة الايزيدية على فكرة ان الله تعالى خلق الملائكة السبعة وجعل من طاووس ملك رئيساً عليهم لانه الملاك العابد الوحيد وسيد الموحدين على هذه الارض الذي كافأه الله على عدم تفريطه في عبادته وفي وحدانيته لله بأن اوكل الله تعالى إليه مهمة ادارة شؤون الكون وتنظيمه ودور رئيس الملائكة في الفكر الديني الايزيدي يختلف عنه في الاديان الاخرى اختلافا كليا , فلا وجود لفكرة اله

 

للشر ولا وجود لابليس وان الله تعالى لم يغضب على رئيس ملائكته ولم يطرده من الجنة وان الديانة الايزيدية لا تعبد الابليس كما يظن الكثير لانه لا يعبد النقيضين في وقت واحد , ويلاحظ ان النصوص الدينية لم تبحث طبيعة طاووس ملك ,ولا مسألة السجود في عدمه ,مما يزيد من حالة الغموض والإرباك لدى الباحثين وما دمنا  نبحث في موضوع طاووس ملك فإن من البديهي ان ينصب تركيزنا على

طبيعته وتحديد صفاته ونتائج عدم  نسجه في رسم ملامح الديانة الايزيدية  مع أن النتائج لا تقدم اجابات كافية وواضحة وبكلمة اخرى فإن فرضية طرد ابليس من الجنة لعصيانه امر ربه غير واردة في الفكر الديني الايزيدي لانها مسألة تحمل في محتواها الكثير من الشك اما السؤال الذي يتعلق بطبيعة طاووس ملك فهي مسألة ترتبط باللاهوت او علم الكلام والفلسفة الدينية اكثر من ارتباطها

بالمفهوم الديني لان الاسئلة المطروحة بشأن طبيعة طاووس ملك او الابليس هي كثيرة وتتداخل مع بعضها البعض كمسألة أيهما اقدم في الوجود البيضة ام الدجاجة هذه المراحل في الاسئلة والتطور في المفاهيم ستستمر إلى مالا نهاية ,لان هناك تيارات واتجاهات مختلفة ومتباينة تفصح عن مواقف يصعب التوفيق بينها ولن تؤدي إلا إلى التعصب والسفسطة والمهاترات والدخول في متاهات ودوائر

مغلقة ,اما مصطلح طاووس ملك ذلك الرمز الديني المقدس الذي يعد اهم سمات العقيدة الإيزيدية فقد اختلف الكتاب والباحثون قديماً ولا زالوا لحد الآن مختلفين بشأنه فمنهم من اعتبروا “اهريمان” او “ابليس ” إله الشر والمخلوق الجان الذي وسوس لآدم وحواء وعصى أمر ربه, ومنهم من عده من الملائكة المخلوق من نور الله وهناك من يؤمن بأن الله تعالى قد تجسد بصورة طاووس ملك وبالتالي

فإنه يمثل صورة من الألوهية أو اسم من أسماء الله أو أنه الاله نابوا هذا الاختلاف والتناقض في الآراء حول طبيعة طاووس وعدم الاتفاق على صيغة محددة بشأنه مرده إلى انعدام او ندرة المصادر الدينية التي يمكن الاحتكام إليها كمرجع موثوق في هذا الشأن ,مما فتح باب الاجتهادات على مصراعيه ,لأن تعاليم الديانة الإيزيدية غير مدونة ولا تستند على أي كتاب ديني بل هي مجموعة أعراف وشعائر

وتعاليم دينية شفهية محفوظة في الصدور “علم الصدر” الذي يضم التراث الديني والتي يتناقلها القوالون أباً عن جد وهم المسؤولون عن حفظها وتلاوتها في المناسبات الدينية والاجتماعية مع أن هذه الاقوال والنصوص الدينية لا تقدم الإجابة عن طبيعة طاووس ملك ولا عن تلك التساؤلات عن شخصيته ,مع احتمالات تعرض أغلب تلك النصوص والأقوال إلى الكثير من التغييرات والإضافات

والتحويرات وضياع الكثير منها خلال المراحل الزمنية المنصرمة بسبب التداول الشفهي وحفظها في الصدور وعدم التدوين ,فلم يبق سوى الاجتهادات والأبحاث الشخصية للمهتمين بهذه المسالة والذين أغلبهم لعجزهم الذاتي انتهجوا الأافكار في المعتقدات الاخرى يستمدون منها ما يعينهم على فهم حقيقة هذه الشخصية وليس لأبناء الجيل الجديد ,إلا ان يأخذوا تلك الافكار ويقلدوا السلف الآباء والأجداد

,ولكن القصور الذاتي والتفاف الفكرة بعد الفكرة من الكتب الدينية الاخرى كيفما اتفق دون مراجعة أو تبصر أو رؤية مما أدى إلى إنهاء المناقشة حول هذه المسألة إلى أن أصبح تحديد أبرز مقدساتهم إلى ما يشبه الوعاء لكل نمط فكري ومجال اختبار وميدان تجارب لاجتهادات متباينة ومتضاربة ,بل ومتضادة وبالتالي تكوين صورة مشوهة عن الديانة الايزيدية وعن العقيدة الايزيدية المتجذرة في

عمق التاريخ تتسم بالتبعية اللامسؤولة لجملة آراء لا تمت بصلة إليها ,وبالرغم من أهمية الابحاث النظرية في المسائل الدينية فإن الاجتهادات أو المجالات قد تزعزع الثوابت الدينية وتجعلها عرضة للأفكار الغازية والتحويرات والإضافات وذلك لأن الاجتهادات تعتمد أساساً على العقل والتفكير بينما الدين أي دين “سماوي كان أم غير سماوي” يعتمد على الإيمان والتسليم بما يأمر وينهي عنه ,وينبغي

بهذا الصدد التمييز بين فلسفة الدين وبين اللاهوت وعلم الفقه والكلام فمجال اللاهوت والفقه هو البحث في فلسفة الدين الذي يدافع عن عقيدة هذا الدين أو ذاك بالحجة والمنطق , أما فلسفة الدين فإنها تُعنى بدراسة وتحليل المفاهيم العامة التي تستخدمها الأديان والبحث في الظواهر العامة للتدين وأن البحث في فلسفة الدين له ثلاثة اتجاهات تاريخية وسايكولوجية وفلسفية فالاتجاه التاريخي

غايته دراسة أصل الأديان وتطور الفكرة الدينية والاتجاه السايكولوجي المعرفي غايته وصف الحالات النفسية التي تبنى عليها الحياة الدينية , أما الاتجاه الفلسفي فمهمته المطالبة بأدلة تبرز النظريات والعقائد الدينية ,وبالعودة إلى مسألة طاووس ملك , فإن الملاحظ بهذا الصدد ,أن النصوص الدينية لم تبحث مسألة طبيعة طاووس ملك ….ولا مسألة السجود وما دمنا نبحث في هذا الموضوع , فإن من

البديهي أن ينصب تركيزنا على طبيعته وتحديد صفاته وهل اجتاز محنة الاختبار الإلهي ؟…بمكافأة الله له ومن ثم تسليمه شؤون الكون والخلق باعتبارها القاعدة الأساسية في تحديد مفهوم الديانة الإيزيدية مع أن النتيجة لا تقدم إجابات كافية وواضحة وبسبب دفاع الصوفية عن ابليس كالحلاج والغزالي وابن العربي ,فقد تم الخلط بينه وبين طاووس ملك, فقد قال عنه الحلاج في كتاب الطواسين

“كان أعلمهم بالسجود وأقربهم من المعبود” ثم يذكر عن لسانه مخاطباً الله ”  إن منعتني عن السجود فأنت المنيع وإن أردت أن أسجد له فأنا المطيع ,هذا الابليس  الذي دافع عنه الصوفيون هو غير طاووس ملك الذي هو أول الملائكة الذين خلقهم الله من نوره وهوالذي نجح في الاختبار الإلهي ولم يسجد لآدم متذكراً وصية ربه بعدم السجود لأحد غيره فجعله الله رئيسا للملائكة فكان أمر السجود بذلك أمر اختبار للملائكة لم ينجح في هذا الاختبار إلا رئيسهم الذي نفذ مشيئة الله بعدم السجود لآدم ولو شاء الله له السجود لسجد حالاً لأنه لا راد لمشيئة الله في إرادته التي هي “كن فيكون” ولا حرية لرئيس الملائكة في اختبار معصية ربه لو شاء الله له السجود لهداه إلى الاختبار الصحيح لأن “الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء”

هذا وأن فكرة عدم السجود هي بالأساس فكرة صوفية دافع عنها غلاة الصوفية عن عزازيل ومحنته في عدم سجوده بقولهم أنه إذا كان ابليس هو خالق المعصية والشر مع “أن الخلق لا تكون إلا لله وحده “وأنه امتنع عن تنفيذ أمر ربه ,فلماذا إذاً خلقه الله وما الحكمة من خلقه إياه ثم أنه عندما خلق الله تعالى الملائكة أمرهم بعدم السجود لأحد غيره وعندما خلق آدم أمر ملائكته بالسجودلآدم, فلماذا

كان امر السجود لآدم وبالتالي امتناع رئيس ملائكته عن السجود وهو خير من آدم لانه مخلوق من نار آدم من تراب وان عدم سجوده لآدم كان بحسب وصية ربه بعدم السجود لاحد غيره فلماذا إذن اخرجه الله من الجنة ؟ واذا كان رئيس الملائكة هو خالق الشر فلماذا تركه الله ينشر الاثام والمعاصي ولم يقضي عليه ؟…ولماذا يبتلي الله ملائكته ؟…وهو بما يظهرون وما يبطنون , لذلك فان المتصوف يرون بأنه لم

يخالف ولم يعصي ربه فعدم السجود هو اعظم تجسيد للتوحيد وتقديس للذات الإلهية وان امر السجود كان امراً اختبارياً وليس امر بلاء , ولو سجد رئيس الملائكة لآدم لخرج بذلك عن التوحيد اما ما يورده البعض من الكتاب والباحثين من امر السجود لا وجود له في النصوص والاقوال الدينية والباحثين من ان امر السجود لا وجود له في النصوص والاقوال الدينية الايزيدية , فأني اعترف ان اطلاعي على اللصوص

الدينية فأن الكثيرين غير مطلعين على النصوص الدينية وربما لم يرد امر السجود فيها , لكن هناك بديهيات متفق عليها في جميع الاديان منها ان هناك اسلوبين في فهم الاديان احدهما متشدد إلى درجة الجمود, والثاني اراء ووجهاء نظر اخرى متعددة تقف بينهما , فاالاول يأخذ بحرفية النصوص , اما الثاني فيستمد المعاني من روحية تلك النصوص , ومن جانب اخر هناك ثوابت دينية راسخة ومستقرة

لأنها تتعلق بالايمان والقناعة ومنها مسألة عدم السجود هذه التي استقر عليها الموروث الديني كجزء من الايمان وكمرتكز ثابت في العقيدة الدينية الايزيدية , اما الجانب الاخر فهو ان في الحياة هناك اموراً كثيرة تعتبر من المسلمات بها لا يفهمونها ولكنهم يتداولونها ويؤمنون بها وخاصة ما يتعلق بالمعتقدات الدينية التي لا تقبل الجدل لتبقى سرية وغامضة ولاضفاء هالة من القدسيا عليها

باعتبارها من المعجزات وما وراء الطبيعة بما يفوق الادراك حتى يؤمن اكبر عدد من الناس بها لان الايمان كما نعلم هو شعور لا يستند إلى أي شكل من اشكال البرهان المنطقي والعلوي لانه يشكل جزء من الدين بوصفه شيء خارق للطبيعة والقناعة الايمانية مستقرة على وجود مبدأ السجود وهو ما يميز عن غيرهم انهم لا يملكون متخصصين غيرهم , عدا بعض الاجتهادات الشخصية القليلة من

بعض الباحثين الضالعين بالامور والثقافة الدينية والذين يتزعزع ارائهم وتتقلب بين الحين والآخر بحسب المتطلبات الظروف كقضية السجود من عدمه , فهناك من يؤمن بفكرة السجود ,وغيره يرفض هذه الفكرة من الاساس وهذا التضارب في الاراء والمواقف لا تخدم الديانة الايزيدية في شيء, لذا ينبغي هنا تقرير وجهات النظر وفتح حوار بين الرافضين وبين المؤيدين وما يتوسطهما من اراء , لان رفض

هذه بالمطلق غير صحيح ولا قبولها بالمطلق هو الصحيح لان في الحالة الاولى عناد الاطفال وفي الثانية طاعة العبيد , فما من فكرة الا وتحتمل ان يكون نقيضها هو الصواب ومن خلال الحوار والمرونة والاخذ والرد قبول الفكرة  او رفضها لا ان يؤمنوا بدون مجادلة ,كما لابد ان يكون هناك توافق بين الايمان والعقل او التفكير المنطقي , اذن فأن الفلسفة الصوفية في مأساة الابليس او عازازيل كان

لها التأثير الكبير على فلسفة الدينية الايزيدية مع فارق نتائج هذا السجود , وإذا ما اتفق على ان الديانة الايزيدية في مرحلة من مراحل تطورها التاريخي التدريجي كان طريقة صوفية وهي الطريقة العدوية لأمكن فهم سبب تأثير الفلسفة الصوفية على الفكر الديني الايزيدي ودخول اغلب طقوس وشعائر الصوفية على الممارسات الدينية الايزيدية , والمعلوم ان الطرق الصوفية لا تتبع أي دين ولا

تتصف بمذهب معين او دين محدد لأنها طريقة لها فلسفتها ورؤيتها المستقلة الخاصة في امور الحياة والعبادة اساسها الزهد والتنسك والتعبد وترك الحياة وملذاتها لتحقيق هدف الحلول والاتحاد في الذات الالهية , كما ان من مرتكزات ومبادئ الطرق الصوفية هي التحلل من أي ارتباط ديني , لان الطريقة الصوفية هي لوحدها كافية لتحقيق غاية معرفة الله بدون حاجة لاتباع أي مذهب ديني

ولهذا فأن الفرائض الدينية وتكاليفها تسقط عن المتصوفة, كما ان هناك تراث ديني واحد يجمع المتصوف جميعهم وان انتموا إلى اديان مختلفة فهم متشابهون وان اختلفوا في مذاهبهم واديانهم إذن فالمصادر التاريخية والدراسات الدينية والقناعة الدينية تؤكد ومن خلال استقراء آراء الكتاب الذين بحثوا في هذه المسألة :أن امر السجود هي مسألة محسومة ومرتبطة بهذه الديانة مع

فارق ان طاووس ملك هو ليس ابليس خالق الاثام والمعاصي في الاديان الاخرى , لأن الخلق والتكوين بما فيها الشرور “القضاء والقدر “لا تكون إلا لله تعالى وحده ,فمن من أي الملائكة يكون طاووس ملك

أي الملائكة يكون طاووس ملك

إن الملائكة السبعة الذين خلقهم الله في الاديان السماوية والذي اورده ابن الاثير في الكامل في التاريخ في جزئه الاول من الكتاب هم جبرائيل ,عزرائيل ,دردائيل  , شمخائيل ,ميكائيل ,عزافيل,وعزازيل اما الملائكة الذين وردت اسماؤهم في مصحف ره ش فهم : عزرائيل , دردائيل ,اسرافيل, ميكائيل, جبرائيل,شمخائيل ,ونورائيل ,وفي كتاب  الجلوت هم كل من جبرائيل ,عزرائيل , دردائيل ,اسرافيل ,ميكائيل ,شمخائيل , ونورائيل

وفي دعاء المساء فهم :عزرائيل , جبرائيل ,ميكائيل ,دردائيل ,شمخائيل ,عزازيل ,عزافيل

اما اياً من هؤلاء طاووس ملك؟ او رئيس الملائكة فلا يوجد اتفاق عليه ,فمنهم من يرى انه الملك عزازيل الذي هو طبعاً غير ابليس المغضوب عليه وهو رأي غالبية الباحثين , ومنهم من يرى انه الملك جبلاائيل ,وثمة من يرى بأنه الملك عزرايل وآخرون يرون انه الملك نورائيل ,ولكل فريق له اسانيده وحججه في إثبات رأيه , ولو عرفنا وظيفة كل ملك من هؤلاء الملائكة لتمكنا من اعتماد الرأي الاصوب

في تحديد من هو رئيس الملائكة , فالملك جبرائيل هو وحي الانباء والرسل والصالحين, والملك عزرائيل هو ملك الموت وقابض الارواح عند موتها ,اما الملك نورائيل الذي قد يكون الاقرب إلى كونه رئيس الملائكة على اعتبار ان اسمه يدل عليه إلا انه لم يرد ذكره في دعاء المساء او الغروب بالنص الآتي

:”ياشيخ شمس نلتمسك بحق عزرائيل , جبرائيل ,شمخائيل , ميكائيل , دردائيل, اسرافيل , وعزازيل , هؤلاء هم الملائكة السبع الكبار في كل العصور في ايديهم المفاتيح واقفين بحضرة الملك الجليل “كما لم يرد ضمن الملائكة السبع في الاديان السماوية الذين اوردهم ابن الاثير نكلاً عن الطبري .

وبالتالي فأن الملك نورائيل قد يستبعد ان يكون رئيسا للملائكة  اما الملائكة كل من دردائيل ,اسرافيل, شمخائيل , ميكائيل ,فلم يعرف عنهم أي تكليف سماوي خاص بهم :فلم يبق سوى الملك عزازيل الذي تذكره الكتب السماوية بأنه الذي رفض السجود لآدم مع التحفظ على سبل ونتائج عدم السجود الذي ترده الاديان إلى عصيانه الامر الالهي والذي تعتبره العقيدة خشوع وتوحيد وتنفيذ للمشيئة الالهية , فهو رئيس الملائكة وهو الذي يدعو إلى فعل الخير والعمل الصالح والتعبد لله وحده والتزام طريق الحق وتجنب المعاصي والاثام وهي ما تدعو
إليه جميع الاديان سماوية كانت ام غير سماوية فلا يوجد هناك أي دين حتى الوثنية منها من يدعو إلى التزام الرذائل والاثام وترك عمل الخير, وهذا مما يتهم الديانة الايزيدية به البعض من المسيئين والمغرضين من محدودي الادراك وضعيفي الافق والبصيرة من آن الديانة الايزيدية هي ديانة عبادة الابليس والشر ,وهي تهمة باطلة . روجها الاسلام الغازي لكردستان لانها اولى واقدم الديانات الموحدة بالله الواحد الداعية إلى المحبة والسلام والخير لكل البشرية
الخلاصة والاستنتاج

إن طاووس ملك هو رمز مقدس عند الايزيدين , وهو يمثل شعارهم الديني…وهو مخلوق من نور الله ولانه لا يجوز السجود لغير الله فانه كان اول الموحدين ولم يسجد لغير ربه لانه مخلوق من نوره ,وقد اثيرت اسئلة كثيرة حول طبيعة طاووس ملك , ورأينا ان الدعاء بان وصفه بالابليس هو غير صحيح , وان وصف الايزيدية بأنها ديانة عبادة الابليس هو محض افتراء وظلم بحق ابناء هذه الديانة الكردية .

..الايزيدية ديانة المحبة والسلام لكل الشعوب , اما من اين جاءت اليهم التهمة الباطلة فقد الصقت تلك التهمة بهم من جيرانهم في المنطقة والتي كان يسكنها اقوام من اديان وعقائد مختلفة من اصحاب الديانات القديمة من المجوس والزرادشتين والمانويين والمثرائيين واهل العقائد السومرية والبابلية والاشورية القديمة والتي اثرت تلك الاديان بشكل او باخر على الديانة الايزيدية ومن بعدها

تأثير الديانة اليهودية والصابئة والمسيحية والاسلامية بحسب التأثير المتبادل للاديان على الديانة الايزيدية ,ومنذ الغزو الاسلامي لكردستان والقتل والذبح وسبي النساء كل هذا السبب انعزال ابناء هذه الديانة وانغلاقهم على بعضهم وعدم المام ابناء هذه الديانة باسرار ديانتهم وحصرها برجال الدين وبعض النخبة فقط ,اضافة إلى فقدان المراجع الدينية التي احرقها الغزو الاسلامي في العهد

 

العباسي والاجتياح المغولي لكردستان والشرق الاوسط ,وجاء الغزو العثماني الذي ارتكب ابشع المجازر بذريعة الدين بحرب الابادة الجماعية للشعب الكردي وخصوصا ابناء الديانة الايزيدية … وهنا لن ننسى الابادات الجماعية للشعب السرياني , والشعب الارمني والتاريخ لم يغضر ولم يرحم الملالي والاغوات الكرد وضعاف النفوس الذين ساهموا بهذه الجازر ,وما اظهره جيرانهم المسلمين من ابناء

جلدتهم وغيرهم من النفوس المريضة من اساءات واضطهادات بحقهم وحق هذه الشعوب والذي كانت بمثابة اعلان الحرب عليهم , وتأثير الطرق الصوفية التي كانت سائدة في مناطقهم كل تلك الاسباب جعلتم يتزهدون في امور الحياة ويسلكون طرقاً منغلقة في عباداتهم وبسرية تامة لا يسمحون بالاطلاع عليها خوفا من التجريح والتهجم عليهم ,والتي ادت بالتالي إلى الطعن في عباداتهم طعنا ذميما وأليماً وعدم الرد في جانبهم على تلك الانتهاكات والاهانات جهلاً منهم واتقاء الدخول في جدالات ونقاشات قد لا تكون في صالحهم وتسيء اليهم هذا إلى جانب حملات الابادة الجماعية التي شملت حتى النساء والاطفال والشيوخ لاجبارهم على ترك دينهم والدخول في اديان اخرى ,كل تلك الحملات التي ادت انعزالهم وتخوفهم من الاختلاط والانفتاح على الاقوام الاخرى

وممارسة شعائرهم الدينية بسرية وعدم اطلاع الاخرين عليها وبالتالي إلى اتهامهم بعبادة الابليس الذي لا وجود لهذا المصطلح في الادبيات الدينية الايزيدية ولا وجود لعبادة الابليس ولا يمكن الاعتقاد بوجوده ,اما قصة تقديس طاووس ملك عند الايزيدية ,فأن الموروث الديني يرجه إلى عهد إبراهيم الخليل “ع” حيم امر الله خليله بذبح ولده اسماعيل فخضع النبي ابراهيم لمشيئة ربه حين وضع السكين على رقبة ولده لذبحه ونزل عليه رئيس الملائكة  والملك جبريل والملك عزرائيل واخبروه بأنه نجح في الاختبار الالهي وطلبوا منه ان يفدي ولده بذبح كبش قرباناً لله إلى نهاية القصة المعروفة والايزيدية هم اتباع النبي ابراهيم “ع” على هيئة طير الطاووس . ونستخلص من هذا البحث ايضا إلى ان طاووس ملك هو ليس صورة من صور تجسد الله لان الله هو الذي خلقه من نوره ,ومن ذاته مع بقية الملائكة

الستة الاخرين حسب النص الديني “تاووس مه له ك مليكته ” كما انه ليس ابليس خالق الاثام والشرور في الاديان الاخرى الذي يأس من دخول الجنة او الحية الذي وسوس لآدم ,ولا هو الملك جبريل ولا هو اله الشمس مثيرا الذي دعت إليه الديانات المجوسية …ولا هو الملك عزرائيل ملك الموت وقابض الارواح عند موتها ,وانما هو الملك عزازيل او الحارث رئيس الملائكة الله ,وهو الرأي الارجح والاقرب للمنطق طالما لا يوجد مرجع موثوق يقول بغير ذلك , وبهذا الصدد بان كل الاجتهادات ما تزال ناقصة

ومبتورة ولم تصل بعد إلى مرحلة النضج والاحاطة التامة بجوانب هذه الشخصية فهناك الكثير من الحقائق مازالت مجهولة ولا يمكن ادراكها لأن المسائل الدينية كما بينا تعد من الامور التي لا يجوز المساس بها خاصة ما يتعلق بالثوابت الدينية منها لانها تبقى خارج حدود العقل والادراك طالما لا تتوافر الادلة والشواهد الكافية على اثباتها ,لكن هذا لا يمنع من تشجيع الاجتهاد والابحاث النظرية

لتكوين صورة واضحة عن المقدسات الايزيدية بعيدا عن التبعية الفكرية ,لأن الاجتهاد لا يناقض الدين فهناك العديد من الفرق والطوائف الاسلامية …وهناك عدة فرق وطائف مسيحية ولكل فرقة وطائفة اجتهادها الخاص ,ففي الاسلام هناك الجبرية والاشعرية والقدرية والنقشبندية وغيرها العديد حتى ان عدد الفرق يصل الى اكثر من سبعين فرقة وطائفة …وفي المسيحية هناك فرق وطوائف كالارثوذكس

 

والكاثوليكية والبروتستانتية تؤمن بالسيد المسيح هو ابن الله بينما فرق اخرى ترفض هذا المبدأ فهل اثرت وجود هذه الفرق والطوائف والعقائد على الاركان الاساسية للدين بالتأكيد كلا فيجب ان تستثمر جميع مضامين البحوث والمناقشات الحرة من جميع الاتجاهات لخير الديانة الايزيدية وتطويرها بالاتجاه الامثل والالتزام بها والدفاع عنها للحفاظ على هذه الديانة الكردية العريقة المتجذرة في عمق التاريخ ,وعلى شعبنا الكردي الذي ترك ديانى ابائه واجداد مرتداً عنها عليه ان يعود لاعتناقها من جديد, وذلك للحفاظ على هويتنا القومية

المصادر

1-كتاب الطواسين للحلاج

2-تاريخ الرسل والملوك الجزء الاول للطبري

3-نقد الفكر الديني بيرو1969-صادق جلال العظم

4-ضحى الاسلام الجزئين 1و2 احمد امين

5-ابن الاثير “الكامل في التاريخ الجزء الاول

6-كتاب الايزيدية تأليف سامي سعيد الاحمد

7-كتاب تجديد الفكر الديني الدكتور نجيب محمود

8-برنيسلاف ينوفكسي “الاسطورة في علم الاجتماع البدائي “ترجمة سعيد احمد الحكيم مجلة اجنبية العدد الثاني 1991

9-تاريخ اداب اللغة العربية المجلد الاول –جرجي زيدان

10-تاريخ الافكار والمعتقدات الدينية تأليف مرسيا الياد ترجمة عبد الهادي عباس المحامي –ثلاثة اجزاء

11-الايزيدية ,تأليف اسماعيل جول بك, تحقيق قسطنطين زريق بيروت

12-مجلة لالش اعداد مختلفة

13-محاورة نقدية لكتاب زهير كاظم عبود “طاووس ملك “مجلة زهرة نيسان العددان الثامن والعشرون والتاسع والعشرون 2006

14-رأي المثقف الايزيدي في بعض ما كتب عن الايزيدية سلسلة مقالات منشورة في مجلة زهرة نيسان الصادرة عن الرابطة الايزيدية في اقليم كردستان منطقة بعشيقة عام 2006 للكاتب شمدين باراني