نوسوسيال

العدوان التركى على سوريا وحقد أوردغان على الشعبين الكردي والعربي

599

عد إدراكه الفشل التركى فى الالتحاق بالاتحاد الأوروبى رغم المحاولات المستميتة منذ 1987، بدأ رجب طيب أردوغان محاولاته لإعادة إنتاج الإمبراطورية العثمانية البائدة على حساب المنطقة العربية وشعوبها، متخذًا من أموال قطر التى تبحث لنفسها عن دور، وأيديولوجية التنظيم الدولى للإخوان والعاطفة الدينية مطيته للوصول إلى أغراضه السلطوية

ومنذ عام 2002، ظهرت التطلعات الأردوغانية نحو العالم العربى للعلن، وبدت الأجندة الخارجية للرئيس التركى تعبر عن مخططاته، فاعتمد على تحالفاته مع الإسلام السياسى، بترتيبات مع إيران وقطر وجماعة الإخوان للوصول إلى أحلامه بإحياء السلطنة العثمانية من جديد.

سوريا.. لدغة الجار الأقرب

وبطبيعة موقعها الجغرافى كأقرب الجيران لتركيا، باتت سوريا تشكل بوابة العثمانلى الجديد لوضع موطئ قدم له فى المنطقة العربية، وذلك منذ وقوعها تحت وطأة “الربيع العربى”، لتشكل سوريا معبرًا تركيًا إلى الوطن العربى وشعوبه؛ واستغلال القضية سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا للترويج للخليفة الإخوانى المزعوم أردوغان.

فى ذلك الوقت كان الصراع بين الدب الروسى والقطب الأمريكى على أوجه، وكل منهما يسعى للبحث عن دور ونفوذ فى المنطقة، وبطبيعة التحالف بين الدب الروسى والنظام السورى، كانت أمريكا تعقد اتفاقًا مع الأتراك فى 29 يوليو 2012، ليكونوا بمثابة وكلاء لها فى سوريا فى مواجهة نفوذ الروس، وتركت لتركيا وأردوغان دورًا فعليًا على الأرض، تتحكم فى الحدود مع سوريا، وتقيم مناطق عازلة بينها وبين سوريا لاحقًا، وبطبيعة المصالح شهد الاتفاق التركى الأمريكى مراحل عثرة بسبب تضارب المصالح بين أمريكا وتركيا وتقاطع الأطماع النفطية بينهما، إلا أن الحقيقة التى يمكن التسليم بها فى النهاية أن أمريكا حاولت استخدام تركيا وكيلاً لها فى الصراع مع بوتين، حتى لا تتورط بيدها التى لم تنفضها من العراق وأفغانستان بعد، وهو مع اتضح فى الأحداث

«نبع الكراهية والأطماع التركية»

على عكس العمليات التى شنتها تركيا ضد الأكراد منذ عام 1995، جاءت العملية العسكرية التى تستهدف أكراد سوريا هذه المرة تحمل اسمًا تسويقيًا أكثر منه اسم عملية عسكرية، ما يؤكد مساعى أنقرة لتسويغ عدوانها العسكرى أمام العالم، لاسيما وأنها رفعت شعارات هذه المرة مثل “القضاء على الإرهابيين”، وتوطين اللاجئين فى منطقة آمنة، فى منافاة تامة لحقيقة العملية التركية، وهنا نذكر أسماء العمليات العسكرية التى حركتها تركيا ضد الأكراد فى العراق وسوريا وتركيا، والتى كان معظمها فى فترة حكم أردوغان، وكانت تحمل فى العادة مسميات عسكرية، مثل “عملية فولاذ، والمطرقة، والفجر، والشمس، وشاه الفرات، ودرع الفرات”، إلى أن تنبه المجتمع الدولى للدور الكبير الذى لعبه أكراد سوريا والعراق فى مواجهة خطر “داعش” الإرهابى، وهنا أدرك أردوغان أن مسألة إصراره على إبادة الأكراد تحتاج لذرائع جديدة غير اتهامهم بإثارة مخاوف لتركيا، فبدأ يستخدم مسميات رقيقة لعملياته العسكرية على عكس مضمونها تمامًا مثل “غصن الزيتون” التى أباد فيها المئات وشرد الآلاف من أكراد وعرب عفرين حتى تكون المدينة تحت وطأته وعناصر الجيش السورى الحر، وهم عناصر إرهابية فرت من النصرة وداعش وأعادت تركيا استخدامهم لضرب بلدهم الأساسى سوريا.

واليوم يواصل أردوغان عملياته العسكرية وعدوانه على بلاد عربية مستخدمًا مصطلحات منافية للواقع، مثل “نبع السلام” التى يقوم بها قوات العدوان التركى حاليًا فى شمال وشرق سوريا، بينما الحقيقة هى “نبع للكراهية والأطماع التركية”.

رسالة توبيخ لأوروبا

وكانت رسالة هيئة تحرير “نيويورك بوست” التى وجهت فيه الصحيفة رسالة توبيخ عنيفة لأردوغان والاتحاد الأوروبى على حد سواء هى سؤال صريح للاتحاد الأوروبى: “لماذا الصمت على ممارسات أردوغان وابتزازه لدول أوروبا؟”

وقد حذرت الصحيفة فى رسالتها من إعادة إنتاج خطر داعش، وإبادة الأكراد حلفاء التحالف الدولى فى القضاء على الإرهاب وخطره بالأمس القريب، ما يعنى أن أوروبا ستصبح تحت تهديد إرهاب أردوغان وحكومته التى تجيد استخدام الإرهابيين فى فرض عدوانها بالأمر الواقع.

طبعًا خرجت تصريحات الاتحاد الأوروبى وعدد من دوله تؤكد رفض ابتزاز أردوغان، إلا أن التعويل على عقوبات الاتحاد الأوروبى على تركيا قد يكون موعدها بعد فوات الأوان، فلازال موعد القمة الأسبوع المقبل، أى سيكون العدوان التركى انتهى من قتل وتشريد الآلاف فى شمال سوريا، سواء من الأكراد أو عرب المنطقة، وستكون عناصر داعش قد تحررت وأعاد أردوغان توطينها لاستخدامها فى ترويع دول العالم، لا سيما أوروبا التى لم تتوصل إلى استراتيجيات أمنية تجابه بها هذا الخطر على الأرض.

ووسط مخاوف من مساعى العدوان التركى لضرب العمق الديموغرافى لسوريا ومحاولات تغيير التركيبة السكانية للشمال السورى، تبقى مخاوف أكبر من إعادة إنتاج التوتر وعدم الاستقرار من أجل تحقيق مطامع بعيدة الأمد، وعلى رأسها السيطرة على معادن ونفط شرق الفرات السورى، لذا ستكون عناصر الجيش السورى الحر، وهى عناصر إرهابية تدربت على أيدى المخابرات التركية ومنظمة الذئاب المنفردة العنصرية، مجتمعة لأجل هدف واحد وهو زعزعة الأمن والسلم فى سوريا بصورة مستمرة، وهو ما قد يقوض ما أنجزته الحكومة السورية من إنجازات فى استعادة الأرض.

الأوروبيون يدركون تمامًا كذب مزاعم أردوغان بشأن توطين لاجئين، فهناك تجربة فى الأمس القريب، عندما سيطر بنفس المزاعم على مناطق سورية بدءًا من جرابلس حتى الباب، ولم يعمل إلا على توطين الفصائل الإرهابية فيها، وبقى يحاربهم بنفس ورقة اللاجئين.

الإطار المعلن، للهجوم التركى يزعم استهداف السيطرة تماماً على كامل الشريط الحدودى شرق الفرات، مستهدفاً قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وحزب العمال الكردستانى وكذلك تنظيم داعش الإرهابى، كما صرحت تركيا رسميًا، بينما الحقيقة على الأرض أن الهجوم أخذ طابعا عنيفا؛ حيث طال القصف المدفعى والجوى مساحةً كبيرة من شمال غرب سوريا امتدادا من ديريك ورأس العين فى محيط الحسكة وحتى  القامشلى وتل أبيض التابعة إدارياً لمحافظ الرقة السورية، حيث تعرضت للقصف ونزح سكانها بعد وقوع إصابات وقتلى بين المدنيين.

وبينما تزعم تركيا أنها تركز على ضرب الأهداف العسكرية (181 هدفا منذ بدء العدوان) إلا أن عملياتها طالت المدنيين، لأجل تفريغ المنطقة من أهلها، حيث نزح بالفعل قرابة 200 ألف مواطن كردى وعربى سورى منذ الساعات الأولى للهجوم، بعدما وصل قصف الجيش التركى لأحياء عدة داخل مدينة القامشلى وتل أبيض ورأس العين وأدت لمقتل العشرات من المدنيين وإصابة المئات.

وبمجرد وصول فصائل الجيش السورى الحر الإرهابى برا إلى داخل بعض المناطق، فقد تعمد القصف التركى تغطية تحركاتهم حتى يتمكنوا من فتح أبواب المعتقلات للدواعش المسجونين لدى قوات سوريا الديمقراطية،