نوسوسيال

تقرير:نوس سوسيال/ الموقف الروسي الرافض لتصريحات ومواقف الأسد،

436

 تساؤلات حول حقيقة رأي موسكو تجاه حليفها السوري

ما إن ظهر رئيس النظام السوري بشار الأسد في مقابلة على قنواته الحكومية نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ليعبر عن تنصُّل نظامه من مسار العملية السياسية وحدّها الأدنى المتمثل باللجنة الدستورية، وتسخيف دورها المنتظر، إضافة إلى مهاجمته للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حتى أسالت الصحافة الروسية الكثير من الحبر في تقريعه وتذكيره بحجمه الحقيقي.

جاءت تصريحات الأسد التي يبدو أنها صدمت حليفه الروسي غير خصومه، غداة مواجهته لاستحقاقين كبيرين، أحدهما ميداني يتمثل بعملية “نبع السلام” التركية شمال سوريا، التي تكللت باتفاق تركي-روسي، وآخر تركي-أمريكي، والآخر سياسي، جسّده انطلاق عمل اللجنة الدستورية وبدء اجتماعاتها في جنيف بمقر الأمم المتحدة.

الموقف الروسي غير المباشر الرافض لتصريحات ومواقف الأسد، جاء على لسان وسائل إعلام بعضها رسمي والآخر مقرب من الكرملين، ليطرح تساؤلات حول حقيقة نظرة موسكو تجاه حليفها السوري، ومدى إمكانية تخليها عنه، وجدية التزامها اتفاقيات سوتشي.

الأسد، في مقابلة مع قناتَي السورية والإخبارية السورية الرسميتين، قلّل أهمية اللجنة الدستورية، واعتبر أن نظامه ليس جزءاً من المفاوضات التي يُجرِيها الأطراف الثلاثة المشكِّلة للجنة، وهي النظام والمعارضة والمجتمع المدني، مشيراً إلى أن وفد النظام في اللجنة يمثل وجهة نظره فقط، مما دفع جميع وسائل إعلام النظام إلى تسمية وفده في اللجنة الدستورية بالوفد “المدعوم من الحكومة”.

من ناحية أخرى، كرّر الأسد هجومه على الرئيس التركي، مستعملاً أوصافاً لا تصدر عن مسؤول صغير، فضلاً عن شخص يدّعي أنه رئيس دولة.

الصحافة الروسية توبّخ الأسد

وبعد هذه التصريحات بأيام، انتقدت وكالة الأنباء الروسية الحكومية “تاس” الأسد صراحةً، لموقفه المتنصل من اللجنة الدستورية، واتهمت النظام بعرقلة أعمال اللجنة، لأنه “لا يريد أن تحقق اللجنة نجاحاً وتصل إلى غايتها في إجراء انتخابات رئاسية حرة بإشراف أممي”.

من جهتها، وجهت صحيفة “زافترا” الروسية، في مقال ترجمته روسيا اليوم النسخة العربية وأعادت نشره، انتقادات لاذعة وأكثر صراحة إلى رئيس النظام السوري، الذي اعتبرت تصريحاته “غير مقبولة” في ما يتعلق باللجنة الدستورية والرئيس التركي.

وذكّرَت الصحيفة الأسد بأن روسيا لعبت دوراً رئيسيّاً في تثبيته بالحكم، وأن روسيا، في نفس الوقت، لا يمكنها أن تضمن بقاءه في منصب الرئاسة إذا ما جرت انتخابات رئاسية جديدة تتمتع بالشفافية وتحت إشراف أممي، لأن الأسد لن يتمكن هذه المرة من الفوز بالانتخابات بنسبة عالية كما في السابق، وذهب إلى القول بأنه “قد لا يفوز إطلاقاً”، مؤكّدة أن غالبية السوريين يريدون تغييراً كاملاً في شكل النظام في سوريا.

أما صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” المقربة من الكرملين، فقد وجهت نقداً مزودجاً، شمل نظام الأسد وإيران، التي رأت الصحيفة أن الأسد سمح لها بإجراء تغييرات ديموغرافية عديدة في عدة مناطق ذات غالبية سنية، فيما مارس النظام جميع أشكال القمع بحقّ بعض القبائل المحلية، كما أهمل سلطة شيوخ العشائر.

وحذّرَت الصحيفة من أن النظام السوري في حال لم يغيّر سياسته هذه، فإن روسيا لا يمكنها حمايته من جميع الأخطار المحدقة به في كل مرة.

وتكشف ردة الفعل الروسية غير المباشرة على تصريحاته التي تضع مصالح موسكو وحساباتها على المحك، عن الميزان الدقيق الذي تزن به علاقاتها الخارجية في ما يتعلق بالملف السوري. فعلاقاتها الاستراتيجية مع تركيا والرئيس أردوغان لا يمكن أن توضح بكفة تقابل علاقتها بالأسد، الذي لا تقيم له وزناً بعدما باعها قراره منذ أمد طويل ويدين لها ببقائه في السلطة.

الكاتب والمحلل السياسي محمود عثمان، يرى أن “الأسد يدرك جيداً أن الروس قد باعوه وعرضوه سلعة منذ كانوا يستدعونه إلى موسكو بطريقة مهينة دون مرافقة أو استقبال رسمي، مجرداً من كل شيء” مستطرداً: “أيضاً لا أحد ينسى مظهره في قاعدة حميميم عندما يوقفه ضابط روسي ويمنعه من التقدم والذهاب إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.

ويضيف عثمان في حديث لـTRT عربي، أن “كل هذه الصور علمها العالم ورآها من خلال تسريبات روسيا نفسها، وقُرِئَت على أنها عرض روسيا بشار الأسد للبيع مقابل ثمن سياسي، لكن الأمريكيين لم يُبدُوا أي حماسة لشراء هذه البضاعة البائرة، فأبقى الروس على الأسد، وهكذا يستخدمونه ورقة للضغط وللوجود على الطاولة السورية”.

وحول طبيعة الخلاف بين روسيا والنظام السوري، الذي تَكشَّف في مهاجمة الصحف الروسي للأسد بعد تصريحاته الصادمة، أشار عثمان إلى أن النظام السوري “ذهب إلى سوتشي مرغماً، فهو لا يريد أي عملية سياسية ولا يريد أي تنسيق مع أحد، ولديه سيناريو واحد هو خوض الحرب حتى النهاية، فهو يعلم أن المجتمع الدولي لا يريد إسقاطه عسكريّاً، وبالتالي يلعب هذه الورقة ويناور في هذه الساحة”.

ويضيف: “لكن هذه الحقيقة وهذا الوضع لا يمنحه أي ميزة سياسية أخرى سوى إتاحة مزيد من الوقت للبقاء على سدة حكم منهار وبلد فقد أكثر من 80 من بنيته التحتية ودولة مفلسة وجيش تحول إلى مليشيات وعصابات”.

الخلاف أعمق

ويبدو أن الخلاف بين الأسد وروسيا يتعدى مسألة اللجنة الدستورية ومسار العملية السياسية برمتها إلى ما هو أعمق وأكثر مساساً بمصالحها، إذ يحاول الأسد تجاوز روسيا أحياناً مستنداً إلى الأجندة الإيرانية.

فالهجوم الإعلامي الروسي الأخير على الأسد مرَدُّه “إدراك روسيا نقطة مهمة، هي سيطرة إيران على قرار بشار الأسد، بخاصة أن الحرس الثوري الإيراني دخل مؤخراً على خط المعارك في ريف اللاذقية، في حين تعمل روسيا على التزام بتفاهماتها مع تركيا حول شمال غرب سوريا”، كما يقول المحلل السياسي السوري فراس فحام.

ويوضح “فحام”، ذلك في حديث لـTRT عربي بقوله: “نظام الأسد يعمل على اللعب على التناقضات بين روسيا وإيران من أجل الاستمرار في الحكم، وروسيا تدرك أنها أمام استحقاقات لا يمكن تجاوزها، لأن المجتمع الدولي يطلب الانتقال السياسي من أجل تمويل إعادة الإعمار في سوريا، ودون هذا التمويل لن تتمكن موسكو من جني أرباح تدخُّلها العسكري في الصراع السوري”.

ويرى “فحام” أن “الأسد ومصيره تفصيل صغير في الصراع السوري، وباعتقادي أن روسيا ستضحي به في لحظة فارقة، لكن بعد أن تستخدمه في إرساء نفوذها بسوريا تحت ستار العقود مع الحكومة الشرعية من أجل شرعنة هذا النفوذ وجعله مُلزِماً للحكومات التالية التي ستأتي بعد الإطاحة بالأسد”.

وحول علاقة كل ذلك بتصريحات الأسد بخصوص تركيا والرئيس أردوغان، فقد اعتبر المحلل السياسي السوري أن “الأسد أكَّد المؤكَّد، أن من الصعب عودة المياه إلى مجاريها بينه وبين الحكومة التركية، فالأسد غير راغب بذلك لأنه يميل إلى الطرح الإيراني بخصوص الدور التركي في سوريا، وأعتقد هذا ما أغضب الروس وتجسد غضبهم في التقارير الإعلامية الرسمية التي هاجمت الأسد”.

ويبدو أن روسيا لم تكتفِ بتوبيخ الأسد عبر صحافتها، فرتّبَت مقابلة له مع تليفزيون روسيا اليوم الإنجليزي، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لم يوجه المذيع إليه خلالها سوى الأسئلة التي تتضمن أصعب الاتهامات وأكثرها إحراجاً لنظامه، في رسالة أخرى لشركاء روسيا مفادها أن تصريحات الأسد خارج الالتزامات والمصالح الروسية لا تعبر عن موقفه العملي الذي يمكن جلبه إليه قسراً عند الضرورة.