نوسوسيال

بقلم هشام ملحم: الصفقة الغريبة بين بوتين ونتانياهو والأسد 

451
نتانياهو شكر بوتين على إبرام الصفقة.
نتانياهو شكر بوتين على إبرام الصفقة.

الصفقة الثلاثية الروسية-الإسرائيلية-السورية الذي أطلقت بموجبها سوريا عن سراح امرأة إسرائيلية عبرت الحدود السورية، لقاء قيام إسرائيل بشراء كمية من لقاح Sputnik V المضاد لفيروس كورونا من روسيا بقيمة 1.2 مليون دولار للنظام السوري، تعكس من جملة ما تعكسه الأهمية المتزايدة للّقاحات المضادة للفيروس في العلاقات الدولية، والتفاوت الكبير في مكافحة الفيروس بين الدول الغنية والصناعية ذات الأنظمة الطبية المتطورة، والدول النامية غير القادرة على شراء اللقاحات لشعوبها والتي تفتقر إلى البنية التحتية الطبية والصحية الضرورية لمكافحة الفيروس بفعالية.

هناك فرق شاسع بين إسرائيل وسوريا في مكافحة فيروس كورونا. النظام الصحي الإسرائيلي لّقح حوالي نصف سكان إسرائيل، على الأقل بالجرعة الأولى من اللقاح، وهو إنجاز يعكس تقدم وفعالية هذا النظام. ولكن في سوريا، التي دخلت الحرب فيها سنتها الحادية عشرة، لم تبدأ بعد عمليات تلقيح السوريين. السوريون في بعض المناطق مشغولون بتأمين لقمة العيش، لأنهم يفتقرون إلى ما يسمى “بالأمن الغذائي”، أي أن هناك شريحة كبيرة من الشعب السوري تفتقر إلى الغذاء الكافي، وتقترب من الجوع، وفقا لتقارير صحفية وتقارير لمنظمات صحية دولية.

المقارنة بين دولة صناعية وغنية مثل إسرائيل، ودولة مثل سوريا أفقرتها الطبقة السياسية والاقتصادية المفترسة التي تحكمها منذ عقود، وأدخلتها أتون الحرب الأهلية وعرّضتها للاجتياحات والاحتلالات الخارجية، قد لا تكون منصفة كليا، ولكنها تعطينا الفرصة للتمعن واستيعاب معنى الكارثة التاريخية التي حّلت بسوريا منذ سيطرة زبانية وأوباش حزب البعث عليها في ستينات القرن الماضي، وتحديدا بعد وقوعها في مخالب عائلة الأسد لأكثر من نصف قرن.

ولكن للصفقة الثلاثية أبعاد سياسية وأخلاقية أخرى سافرة تعكس طبيعة قادة الدول الثلاثة، وغرابة العلاقات بينهم. طبعا الأبواق الإعلامية للنظام السوري نفت ما اسماه الإعلام الإسرائيلي “البند السري” في الصفقة المتعلق بلقاح Sputnik V الذي اشترته إسرائيل من روسيا لحساب النظام السوري، وادعت أن الاتفاق تمحور حول تسليم المرأة الإسرائيلية عبر الوسيط الروسي، وتسليم إسرائيل راعيين لسوريا عبروا حدودها. النظام السوري الذي يدعي أنه في حالة حرب مع إسرائيل، التي تحتل هضبة الجولان منذ حرب 1967، ويسيطر طيرانها الحربي على الأجواء السورية، ويقصف أراضيها دوريا، لا يتردد في استجداء أو ابتزاز إسرائيل للحصول على كميات محدودة من اللقاحات الروسية، ليس لتلقيح الشعب السوري، الذي يواصل النظام وحلفائه الروس والإيرانيون قتله وترويعه، بل لتلقيح أركان النظام.

وهذه حقائق تعرفها روسيا، التي لا يمانع رئيسها فلاديمير بوتين في بيع لقاحاتها والظهور بمظهر الطرف الخارجي القوي والقادر على التوسط بين بشار الأسد وبنيامين نتانياهو اللذين لجأ إليه لعقد الصفقة . كما يعرفها نتنياهو الذي يريد أن يقول للإسرائيليين وللعالم إن حكومته تعلق أهمية أخلاقية وسياسية كبيرة على إنقاذ رعاياها من الأسر أو الأذى، وأنها مستعدة لدفع الغالي والرخيص لتحقيق ذلك. رئيس وزراء إسرائيل يرحب بوساطة دولة كبيرة مثل روسيا لاستعادة حرية مواطنة إسرائيلية من قبضة النظام السوري، الذي ارتكب المجازر ضد شعبه ولم يتردد في استخدام أي منظومة عسكرية في ترسانته بما في ذلك الأسلحة الكيماوية.

رئيس الوزراء الإسرائيلي قال إنه لم يعط النظام السوري أي لقاحات من إسرائيل، وهو كلام صحيح تقنيا، لأنه اشترى اللقاحات مباشرة من روسيا ولم يفّرط بمخزون إسرائيل من اللقاحات. الصفقة الغريبة عرّضت نتانياهو لانتقادات إسرائيلية شرعية من المواطنين اليهود والعرب، لأنه دفع فدية بشكل كمية من اللقاحات للنظام السوري، بينما يتجاهل توفير اللقاحات للفلسطينيين الخاضعين للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية. وبصفتها دولة محتلة، وفقا لمؤتمر جنيف الرابع، يجب على إسرائيل أن توفر مقومات الصحة العامة للسكان الخاضعين لاحتلالها. ويتذرع نتانياهو بأن اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين يعفيه من الواجبات الواردة في مؤتمر جنيف الرابع.

الصفقة الثلاثية أبرزت بشكل سافر، وللمرة المليون نذالة نظام بشار الأسد الذي سيتبجح لزبانيته بأنه ابتز إسرائيل وحصل على اللقاح اللازم لتحصين مناعتهم ليواصلوا حربهم ضد الشعب السوري.