نوسوسيال

عسل النحل الكردي… فرصة كبيرة للاستثمار في كردستان

715
ملف نوس سوسيال
العسل الكردي يزين بأنواعه المختلفة جزءاً كبيراً من محلات بيع المكسرات والحلويات في أربيل عاصمة إقليم كردستان

على الرغم من أن غالبية نحاليه هم الهواة فإن إقليم كردستان ينتج سنوياً مئات الأطنان من العسل الصافي ذي المذاقات المتعددة والمتنوعة كتنوع الطبيعة في الإقليم، فبحسب آخر الإحصائيات

الرسمية، بلغ إنتاج العام الماضي من العسل في الإقليم 850 طناً، بينما تعمل الجهات المعنية على زيادة هذا الإنتاج، وتخطط لإنشاء مشاريع كبيرة للاستفادة الطبية من هذه المادة الغذائية.
«الشرق الأوسط» تجولت برفقة عدد من النحالين الأكراد في المناحل التي اتخذ أصحابها من الجبال الشاهقة مراكز لتربيتها وإنتاج العسل الخالص.سيد حسين (55 عاماً) نحال كردي يواصل منذ 20 عاماً

تربية النحل وإنتاج العسل في منطقة خوشناوتي في كردستان، وقد شارك بعسله ومع زملائه النحالين في كثير من المهرجانات الدولية للعسل، يقول حسين لـ«الشرق الأوسط»: «يمتاز العسل الكردي بأنه من أجود أنواع العسل في العالم، وقد نال خلال السنوات الماضي المرتبة الأولى على مستوى دول العالم في مهرجانات العسل العالمية، لأن النحل في كردستان يعتمد في إنتاجه على

الأعشاب والورود والأشجار الطبيعية في الجبال».ويُحدد هذا النحال أهم صفات العسل الكردي: «يمتاز العسل الكردي بتنوع طعمه ورائحته، فلكل نوع منه وقت معين لإنتاجه، ومن أبرز أنواعه عسل الرمان والصنوبر والبلوط والورد والقزوان والكالبتوز والحمضيات، وأنواع أخرى متنوعة».ويردف حسين بالقول: «نحن نعتمد في إنتاج النحل على النباتات البرية وننشئ المناحل في المناطق الجبلية لنقاء الجو

فيها وخلو هوائها من التلوث، نرتب المكان الملائم للنحل كي يُنجز عمله ويزودنا بالعسل، فكلما ازداد الاهتمام به ازداد إنتاجه من العسل».وتشهد الأسواق في إقليم كردستان إقبالاً كبيراً على العسل الذي يباع مصفى أو مع الشمع، ولأهميته ونظافة البيئة الخالية من التلوث الذي تُنتج فيه، يلعب العسل الكردي دوراً بارزاً في علاج كثير من الأمراض المستعصية، حتى أن الإقليم يصدر منه سنوياً

كميات كبيرة إلى الخارج ومناطق العراق الأخرى.من جانبه، شدد رئيس شبكة النحالين في إقليم كردستان عارف شيرواني، لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نعمل على تشجيع إنتاج النحل وزيادته في كردستان، العسل الذي يُنتج في الإقليم حاز على المرتبة الأولى على مستوى العالم في مهرجان فرنسا الذي نُظم عام 2009، وبلغ إنتاجنا من النحل العام الماضي نحو 850 طناً من العسل، صُدرت منه كميات كبيرة إلى خارج البلد، وقد استوردت الإمارات العربية المتحدة 8 أطنان من عسل إقليم

كردستان».وينتظر شيرواني أن ينتهي القصف الإيراني والتركي للمناطق الجبلية في كردستان كي يرفع عدد خلايا النحل إلى أكثر من ضعف الموجودة حالياً، ويوضح بالقول: «هناك كثير من المشكلات التي تقف في طريقنا، أبرزها المشكلات العسكرية على الحدود والقصف الإيراني والتركي لمناطقنا الجبلية، الآن هناك نحو 450 ألف خلية نحل في الإقليم، لكن إذا استقرت الأوضاع فإن هذا العدد مرشح

للارتفاع ليصل إلى مليون خلية».ويؤكد الدكتور عبد الرحيم عمر مصطفى المدير العام للزراعة في مدينة أربيل والمختص في مجال العسل، لـ«الشرق الأوسط»: «ليست لدينا مشكلة كبيرة في مجال تربية النحل وإنتاج العسل في إقليم كردستان، لأننا تمكنا خلال السنوات الماضية قبل أن يواجه الإقليم الأزمة الاقتصادية من أن نحل هذه المشكلات»، وأضاف مصطفى أن أكثر العاملين في مجال النحل

 

في الإقليم ليسوا مختصين في هذا المجال، بل غالبيتهم من الهواة، فالشخص المتخصص في مجال النحل يمكنه أن يدير المنحل بشكل جيد.وكشف عن أهم مميزات النحلة في كردستان: «لكل سلالة من النحل صفاتها الخاصة بها، فنحل كردستان يتميز بعدة صفات جيدة، فهي متأقلمة مع الجو

وتتحمل قساوته، وتمتاز بفعاليتها في مجال جمع الرحيق وغيرها من الصفات الجيدة».ويكشف مصطفى عن حاجة الإقليم إلى استثمارات كبيرة في مجال النحل للاستفادة من فوائده العلاجية، لافتاً

بالقول: «العسل له كثير من الاستخدامات الطبية، لذا ينبغي علينا تطوير هذا المجال وتشجيع ذوي الخبرة من النحالين في الإقليم وتوفير ما يحتاجونه من مستلزمات لتطوير إنتاجهم، ومن ثم إنشاء مشروع كبير للاستفادة من النحل والعسل في الإقليم للأغراض الطبية من خلال عرضه للاستثمار».

 

– عبد لله نوري صياد العسل في جبال كردستان

يشق عبدالله نوري، صياد العسل الجبلي في كردستان العراق، طريقه بين المناطق الوعرة متسلقا الجبال بحثا عن بيوت النحل كي يجني منها العسل الجبلي متحديا الخطورة والخوف من أجل الحصول على لقمة العيش وتوفير العسل الصافي لمن يحتاجه. يمارس نوري الذي يسكن قرية “ديي گورَ”، ا
التابعة لناحية آغجلر ضمن قضاء جمجمال في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق، منذ أكثر

من ٢٧ عاما عمله في جني العسل الجبلي من بيوت النحل في أعالي الجبال والمرتفعات المحيطة بقريته واعتمادها مصدرا لتوفير لقمة العيش له ولعائلته ومازال يواصل هذه المهنة رغم ما يواجه من مخاطر يومية أثناء العمل.وتبدأ رحلة البحث عن العسل سنويا منذ حلول فصل الربيع مرورا بالصيف حتى الخريف، وتشمل تحديد مواقع بيوت النحل في الجبال ثم جني العسل المخزون منها صيفا.

يقول نوري الذي تجاوز العقد الرابع من عمره لـ”ارفع صوتك”: “أجني العسل سنويا، وكمية العسل ما أجنيه متذبذبة بين سنة وأخرى، أحيانا أحصل على ٥٠ كيلغ من العسل من بيت واحد للنحل وأحيانا تنخفض الكمية إلى ١٦ كلغ أو أقل (٥ كلغ) حسب موقع بيت النحل”.ويتابع “أبدأ البحث عن بيوت النحل

في المرتفعات والجبال في الربيع، فخبرتي الطويلة في هذا المجال تساعدني على متابعة النحل ومعرفة بيوتها وهذا البحث يستمر حتى شهر تموز أي منتصف الصيف، حينها آخذ قدرا من الراحة لمدة شهر، وأبدأ في نهاية آب بجني العسل”.ويستمر موسم جني العسل حتى أكتوبر، حسب نوري.

صورة
عبدالله نوري أثناء عمله

مخاطرة كبيرة!

يجني نوري العسل في بداية الموسم من الجبال والمرتفعات المحيطة بقريته ثم يبدأ جولته في المناطق الجبلية الأخرى في كردستان، خاصة محافظة السليمانية، وهو لا يتردد في التوجه الى أي
منطقة جبلية تحتضن العسل مهما كان ارتفاعها.يقول  “أعشق صعود المرتفعات، وأستخدم الوسائل القديمة والحبال في الصعود، لأنني لا أمتلك أي وسائل حديثة لتسلق الجبال من التي يستخدمها
المتسلقون “.وكان شقيق نوري الذي رافقه في بداية سنين عمله، تعرّض للسقوط أثناء جني العسل من أحد بيوت النحل، ما تسبب له بالشلل،  ورغم ذلك لم يترك نوري العمل.يوضح نوري لـ”رفع صوتك”: “لا يمكنني ترك ا العمل لأنه اختلط بروحي وأصبح جزءا رئيسيا من حياتي، عدا عن كونه مصدر دخل عائلتي، وسبيلاً لمساعدة الناس خاصة المرضى الذين يحتاجون لهذا العسل الجبلي الصافي، فالكثيرون تماثلوا للشفاء من أمراض مستعصية بعد تناولهم هذا العسل، الذي يصنعه النحل من الزهور في الجبال بعيدا عن المدن والإنسان والمزارع”.ورغم خطورة عمله خاصة أنه يستخدم وسائل تسلق قديمة جدا، إلا أن نوري اضطر إلى تدريب نجله على تسلق الجبل وجني العسل كي يكون مرافقا له، فجني العسل كما يقول عمل شاق جدا لا يمكن لشخص واحد أن ينجزه دون وجود مساعد له.

 

المدة الزمنية

عملية جني العسل تختلف من حيث الوقت الذي تستغرقه باختلاف نوع البيت، يقول نوري “مداخل بيوت النحل في الجبال تكون في بعض الأحيان صغيرة لذلك أحتاج نحو ثلاثة أيام لتوسيع مدخل البيت لأن النحل الجبلي يضيق من مدخل بيته كثيرا، وبعد إخراج العسل من البيت أعيد تضييق المدخل مجددا كي يتمكن النحل مجددا من صناعة العسل ولا تتمكن الحشرات والدبابير من مهاجمة البيت وأكل العسل”.ويؤكد أنه لا يخشى لسعات النحل، قائلاً “أتعرض دائما للعديد من اللسعات من النحل أثناء عملي، لأن النحل يكون شرسا في الدفاع عن بيته وعن العسل، لكن هذه اللسعات جعلت مناعتي قوية جدا وأعطت جسمي مقاومة جيدة حتى أصبح تلقي اللسعات أمراً عادياً”. ويستقبل نوري زبائنه في منزله رافضاً بيع العسل للتجار والباعة في السوق حفاظا على جودة العسل الذي يحصل عليه، فهو يخشى أن يتم العبث والغش في عسله، ويبيع الكيلوغرام الواحد من العسل بـ١٨٠ ألف دينار عراقي (١٥٠ دولار).