نوسوسيال

بقلم:دجوا ر أحمد أغا/ فلاسفة عصرهم بين االإنتماء والانعزال

818

 

نُشاهده بيننا؛ غير مبالي بما يدور حوله, لا يكترث لأي شيء, يعبرعن حالة من الضياع والإحباط واليأس من كل شيء, يرى الحياة عبثية, فوضوي, غير منضبط, وغير ملتزم, يعيش فراغا هائلا في داخله دون أن يظهره للعلن, لكن الامر مختلف من الداخل, قهو يكتوي بالنار, وهو يشاهد ما يدور حوله وليس لديه القدرة على التغير ورفض هذا الواقع المرير, لذا نراه يلجأ الى اللامبالات وعدم الاكتراث وكأنه غير منتمي الى هذا الوسط الذي يعيش فيه …دعونا نتعرف في هذه المقالة ولو بشكل مختصر الى ماهية اللامنتمي واللامبالي والذي لا يكترث لأمور مهمة تجري من حوله وكأنها لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد . “إنني ربما لم أكن واثًقا مما يھمني حقيقة، ولكنني على تمام الثقة مما لا يھمني، وأن ما تحدثني عنه -ھوبالتحديد- مما لا يھمني”.

– الكاتب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو 1913 – 1960

 

“لقد بلغتُ من شدة عدم اكتراثي أني تمنيتُ في النهاية أن أقبض على دقيقة واحدة أحسُ فيها أن شيئا ما يستحق الاهتمام”.
-الأديب والروائي الروسي فيودور دوستويفسكي 1811 – 1881
” هوالإنسان الذي يُدرك ما تنهض عليه الحياة الانسانية من أساس واه, والذي يشعر بأن الاضطراب والفوضوية هما أعمق تجذرا من النظام الذي يؤمن به قومه”.

-الكاتب و الفيلسوف الانكليزي كولن ولسون 1931 – 2013

العالم الذي يعيش فيه اللامنتمي هو عالم مجرد من القيم والمبادئ الاخلاقية و لا يكترث للحياة, لا بل في الكثير من الاحيان يعاديها. أهم ما يشغل عقل اللامنتمي هو أن رغبته في أن لا يكون لا منتميا. مشكلة اللامنتمي في جوهرها هي تكمن في الحرية فهو يُريد أن يكون حرا لكن العقل ليس حرا له حدود لا يمكن تجاوزها وإلا تحول الى الجنون وهو ما جرى مع الكثيرين الذين حاولوا أن يصلوا الى حقيقة العقل . يلجأ اللامنتمي الى الدين لحل مشكلته لكنه يجد هناك قيودا كثيرة على حدود حرية عقله لذا نراه يٌشهرعلنا بفساد العالم وضلاله وخروجه عن المبادئ الإنسانية التي هو في مخيلاته يؤمن بها.هو يرى أكثر وأعمق من اللازم, لكنه يُفضل الصمت وعدم الاكتراث حتى لمسائل الشعور والاحساس . من أهم الصفات التي توجد في اللامنتمي هي

-الانعزال
الانعزال بالنسبة لللامنتمي ضرورة حتمية! فهو لا يمانع الاختلاط مع الناس أو التعامل مع الأصدقاء والأقارب, لكن راحته وسلامته النفسية لا تظهران إلا في لحظات السكون والانعزال، فتتملكه رغبة قوية للمكوث وحيدا رغم الازدحام من حوله.. لتكون متعته الحقيقية في ان يكون متواجدا في اماكن لا يعرفه فيها احد, يعشق الفن و الموسيقى و التأمل, يقضي ساعات في الشوارع ًوفي المكتبات وعلى صفحات الإنترنت، ممتن لأي شيء يشجعه في استغنائه عن التواصل البشري! فكما يوجد عالم كامل حول ھذا الشخص، يوجد ايضا عالم أضخم وأوسع من الأفكار والأسرار والصراعات بداخله, بداخله هو فقط ولا يسمح لاحد بمشاركته.

-يتحدث عن ذلك الكاتب الساخر محمد عفيفي :
“في علاقتي بالآخرين.. أحب على الدوام أن يظلوا آخرين..”

-الصدق
أزمة ھذا الزمن أنه تم إقناع الناس أن الھدف ھو الكمال ولیس الصدق! فأصبح مراد العامة ھو المثالية والمقاييس المنضبطة وإن كانت مبنية على غش أو كذب؛ فالحب المطلوب أصبح الحب القياسي المتعارف علیه في الأفلام والروايات، النمط السلوكي للفرد المطلوب اجتماعي ذا السمعة الطیبة والصورة المألوفة، سار النمط المقبول ا̒ حتى الأحلام والطموحات باتت المتقنة منعدمة الانحراف حتى وإن كانت غبر متناسقة مع ذات الشخص أو لا تمثل حقيقة جوھره.. ولكن كل ذلك لا تعني لللامنتمي في شيء.. فھو صادق لدرجة صادمة.. مسعاه الأبدي والوحيد ھو الحقيقة حتى وان كانت مرة و قاسية ولا تسير وفق هواه.

-متفرد الشعور
كلنا ندرك قیمة الأشیاء بشكل متقارب، فھناك “بديھي” أو “سائد” لكن “اللا منتمي” لا يعترف بمثل ھذا البديھي السائد بل يمقت تلك النظرة القامعة لأي متفاوت من الأساس! فھو يعاني من انحراف بسیط في إدراك قیمة الأشیاء ولا يخجل من الإعلان بمثل ھذا الانحراف.. حتى ذوقه في الموسيقى أو الفن أو الأدب.. ذوق ممیز أو على أقل تقدير شاذ عن البقیة.. تعامله مع الأوضاع المحیطة يكون بأن في ذلك صواب بصورة غیر معتادة أو نمطیة.. لا يستطیع أن يصرح لا ريب فیھا ولا يسمح لأي قرد كان أن يدخل على عقله أحاسیس وإدركات لا تعِبّر عنه.. فھو كیان قائم بذاته مناھض لأي نسخة أخرى مصنوعة بضوابط المجتمع والناس.

-يتألم داخليا دون اظهاره
إن ما تشعرون به من الألم ھو انكسار القشرة التي تغلف إدراككم! وكما أن القشرة الصلبة التي تحجب الثمرة يجب أن تتحطم حتى يبرز قلبھا من ظلمة الأرض إلى نور الشمس. لكي يعرف الانسان معنى الحياة عليه ان يحس و يشعر بالألم لأنه لو استطاع ان يبدي اهتماما من خلال التأمل في مجرى حياته اليومية, لما شعر بأي فرق بين آلامه. وافراحه, الالم ھو نتاج الانعزال.. لكونه صاد ٌق في إدراكه، فھو يلمس بروحه أقسى درجات الألم ويملأ بھا خبايا ضمیره ونفسه.. فيتشكل لديه الإحساس المختلف والشعور الممیَّز.. فتكون ولادته من جديد من رحم الألم.. ففي الوقت الذي يحاول الكل الھروب من الألم للاستمتاع براحة مزيفة مؤقتة، يكون “اللا مكترث” منغمًسا في نار الألم، يزيدھا –

نقاًء من شوائب الواقع و الحیاة.
“قد تقضي عمرك وأنت تعتقد بأنك تدافع عن أفكارك، ثم تكتشف أنك في الحقيقة تدافع عن أفكارهم التي زرعوها في عقلك.”   (المفكر و الفيلسوف الانجليزي بیرتراند راسل 1872 – 1970)