نوسوسيال

المناضل الأرمني ميساك مانوشيان يدخل “مقبرة العظماء” في فرنسا

597

 

 

 

 

وسط مراسم رسمية تكريمية وبحضور الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، دخل أمس المقاوم الشيوعي من أصول أرمنية ميساك مانوشيان “مقبرة العظماء” (البانتيون) في باريس برفقة زوجته ميليني سوكميان، بعد 80 عاما من إعدامه بالرصاص على يد النازيين في “مون فالريان” بالضاحية الباريسية، فيما خلد الرئيس ماكرون سيرة المقاوم ميساك بخطاب اختتم فيه المراسم التي عكست مراحل حياة الشاب الذي فرّ من المذبحة الأرمنية إلى لبنان قبل أن ينتقل إلى باريس وينخرط في المقاومة الشيوعية ضد النازية.

وخلال كلمة مؤثرة ذكر ماكرون بـ “شجاعة” مانوشيان و”بطولته الهادئة” وقال إنه يجسد “القيم العالمية للحرية والمساواة والأخوة التي دافع باسمها عن الجمهورية” الفرنسية.

وكان وقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في لحظة تأمل في موقع كليريير دي فوزيّ، حيث تم إعدام ميساك مانوشيان و21 من رفاقه في السلاح في 21 فبراير 1944.

وفي إشارة لا تخلو من التلميح إلى الجدل الذي اثاره حضور أو عدم حضور زعيمة اليمين المتطرف للمراسم قال ماكرون إن ميساك وميلينيه كانوا أحرار في فرنسا البلد الذي اختاره ميساك عندما كان مراهقا، فوفر له كلمات ليحلم وملجأ ليقف على قدميه وثقافة ليحرر نفسه، لذلك رفع ميساك علمنا عاليا عام تسعة وثلاثين في ذكرى الثورة، ومن أجل خدمة هذا العلم طلب مانوشيان مرتين ان يصبح فرنسيا، عبثا؛ لأن فرنسا نسيت رسالتها كملجأ للمضطهدين.

وولد ميساك مانوشيان في الأول من سبتمبر/أيلول 1906 في كنف عائلة مزارعة فقيرة بمدينة “أديمان” في جنوب شرق ما يعرف الآن بتركيا، أما زوجته ميليني سوكميان فلقد رأت النور في 1913. كلاهما ذاقا مرارة العذاب والقتل في الصغر. إذ فقد كل منهما عائلته أثناء الإبادة الجماعية للأرمن. ما جعل مانوشيان يغادر إلى لبنان وميليني إلى اليونان قبل أن ينتقلا إلى فرنسا.

بعد وصوله إلى باريس في 1924، التحق مانوشيان، الذي كان يتمتع بموهبة شعرية كبيرة، بما يسمى بـ”الأممية الشيوعية” (وهي رابطة للأحزاب السياسية الشيوعية من جميع أنحاء العالم تأسست في 1919 مكرسة للأممية البروليتارية وهدفها الإطاحة الثورية بالبرجوازية العالمية) قبل أن يشغل منصب مدير جريدة “زانغو”، وهي صحيفة تهتم بيوميات الأرمن في فرنسا وأرمينيا وتسعى إلى بناء جسور بين الجاليتين. تعرف مانوشيان على زوجته ميليني في هذه الجريدة حيث كانت تعمل كمحاسبة وكاتبة على آلة الطباعة.

وبدأ ميساك مانوشيان عمله السري من خلال المشاركة في الاجتماعات المناهضة للفاشية والنازية. فيما أظهر حماسا وانضباطا كبيرين، ما جعله يتولى بسرعة منصب مندوب في الحزب الشيوعي الفرنسي.

ورغم الحيطة والحذر، إلا أن الشرطة الألمانية ألقت القبض عليه للمرة الأولى في العام 1939، وذلك قبل أيام قليلة من إصدار الإدارة النازية مرسوم 26 سبتمبر/أيلول 1939 القرار الذي يقضي بحل جميع المنظمات الشيوعية التي كانت تنشط في فرنسا.

ولحسن حظه، تم إطلاق سراحه بسبب غياب الأدلة ليستمر بعد ذلك في عمله النضالي بالمقاومة الفرنسية لكن ليس لوقت طويل. إذ تم توقيفه مرة ثانية في العام 1941 حيث زج به في سجن “روياليو” بمدينة كمباينين بمنطقة “لواز” شمال فرنسا. وهو معسكر انتقال نازي افتتح من 1941 لغاية 1944 لإيواء سجناء سياسيين روس وأمريكيين فضلا عن اليهود.

وبعد قضائه عدة أسابيع في هذا السجن، تم إطلاق سراحه مرة أخرى. ورغم المراقبة التي فرضت عليه، إلا أنه واصل عمله في المقاومة وانخرط في جمعية تدعى “العمل الألماني” وهي جمعية معادية للفاشية كان دورها إقناع الجنود الألمان بالوقوف ضد النازية

وشاركت زوجة مانوشيان في هذا العمل السري بالتوازي مع عملها ككاتبة على آلة الطباعة.

انضم بعد ذلك إلى صفوف المقاومة المسلحة الشيوعية التي كانت تضم عددا كبيرا من المقاومين الشيوعيين من فرنسا ويهود من أوروبا الشرقية. تقلد عدة مناصب في هذه الحركة التي تضم قناصين ومناضلين أجانب إلى غاية شهر نوفمبر/ كانون الثاني 1943 وهو تاريخ توقيف 23 من أعضاء هذه الحركة من قبل الشرطة الألمانية النازية، من بينهم ميساك مانوشيان شخصيا. كان عمره 37 عاما.

وإثر محاكمة سريعة نظمت في مبنى كان يدعى بـ “المحكمة العسكرية الألمانية في باريس”، تم الحكم بالإعدام على 22 من المقاومين، ضمنهم مانوشيان وقتلوا رميا بالرصاص في 21 فبراير/شباط 1944 في موقع “مون فالريان” بالضاحية الباريسية.

وتعد أولغا بانشيس، المرأة الوحيدة التي كانت تنتمي إلى المنظمة والتي لم تعدم بالرصاص، بل قطع رأسها بالمقصلة في 10 مايو/أيار 1944 بمدينة شتوتغارت الألمانية.