نوسوسيال

بقلم المفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان : الدور الذي ستلعبه منطقة الشرق الأوسط

495

 

 

 

 

الدور الذي ستلعبه منطقة الشرق الاوسط في هذه الحقبة المتسارعة من تاريخيها

مرافعة اثينا – الفصل الخامس

 

هـ) سيحدِّد الدورُ الذي ستلعبه منطقة الشرق الأوسط في هذه الحقبة المتسارعة من تاريخيها، وِجْهَةَ المنحى

الذي سيؤول إليه التموقع الاستراتيجي للقوى اللازمة. وتتمثل القوى الاستراتيجية الأساسية في: التحالف

الأمريكي – الانكليزي وبعض القوى غير المهمة خارج المنطقة على الصعيد الخارجي، وتركيا وإيران والقوى العربية

المتبعثرة على الصعيد الداخلي. وسيكون من الأصح ربط اسرائيل بأمريكا وإدراجها فيها. يتجسد الموقف العربي

في السعي للحفاظ على الوضع السائد في القرن الأخير بكل ما أوتي من قوة. وما من دور تاريخي بمستطاع

القومية العربية لعبه، ذلك أنها تنظر بعين باردة وخامدة للدمقرطة. علاوة على أنها، ومثلما لوحظ في مثل صدام، لا

تبدي القدرة على التحليل والتفسير الصائب للعصر والحاضر، ولا تمتلك مهارة القيام بالإصلاحات اللازمة في الزمان

المناسب. أما التعصب الإسلامي التقليدي، فقد أصبح راديكالياً وبالتالي أكثر رجعية وتخلفاً، ولايتمتع بمهارات أو

قُدُرات تُذكر لتؤهله لتفهُّم فحوى تناقضاته القائمة مع اسرائيل وتحويلها إلى مرحلة إيجاد الحل السياسي.

وفي هذه الحالة، تبقى المداخلات الخارجية وحدها هي المؤثرة. إذ أن قيام التجمعات العربية بصياغة برنامج

ديمقراطي واضح، احتمال ضعيف. وإيران يهزل تأثيرها تصاعدياً بسبب التوترات والحزازيات المتزايدة بينها وبين أمريكا

والمنادين بالاصلاح في داخلها. لذا فَهَمُّها الشاغل هو الحفاظ على وجودها بوضعيته الحالية، وحديث الساعة لديها

يتمثل اولاً في التأهب والاستعداد كي لا تتعبثر على شاكلة العراق. وتبقى تركيا في الساحة. إذ، ورغم كونها

حليفاً قوياً على نهج امريكا – اسرائيل التقليدي، إلا أن هذا التحالف يهتز من الأساس. أما السبب الرئيسي في

ذلك فهو القضية الكردية التي تثير مخاوف تركيا وتزيد من شكوكها من الأعماق وبما لا يمكن قياسه بأية مرحلة

أخرى. فتحديد نشوء هذه النقطة وإدراك محتوياتها، يستلزم تقرباً دقيقاً ومفصلاً.

تنظر إسرائيل إلى الحملة المدبرة ضد العراق، والتي أجرت استعداداتها منذ مدة طويلة بالتعاون مع اللوبي

اليهودي الموجود في أمريكا، على أنها حدثت في مرحلة حساسة وتاريخية ومصيرية. حيث تولي أهمية

استراتيجية لمسألة التجريد والعزلة المتواجدة بين الملايين من العرب والقوى الإسلامية، وتحطيم دوامة العنف

والشدة. وهي غير مؤهلة لرسم استراتيجية دائمة وموثوق بها مع أية قوة عربية – إسلامية، بما فيها مصر

والأردن، بل حتى أن العلاقات السائدة قد تنقلب ضدها في أية لحظة كانت. تبدو حاجة اسرائيل لتشكيل “اسرائيل

ثانية” كحاجة مطلقة لا مناص منها كي تحافظ على وجودها وتحصل على أمنها الاستراتيجي. وقد انتظرت قيام

شاه إيران بهذه المهمة في فترة سابقة، ووجَّهت تركيا وأدارتْها لمدة طويلة بموجب ذلك. إلا أنه لم يكن ممكناً

تحويل الإثنتين إلى “اسرائيل ثانية”، ويبدو أنه ليس من السهل تحقيق ذلك خلال مدة وجيزة. ولا يبقى في

الميدان سوى الخَيَار الكردي. وقد ركزّت اسرائيل جل اهتمامها على هذا الخيار إثر تأسيس كيانها مباشرة، وسعت

لتهيئة الزعيم البارزاني ومن بعده الطالباني لهذا الغرض. بل وبذلت جهوداً حثيثة ودؤوبة في هذا السبيل، وراحت

توليهم قيمة تفوق طاقاتهم بكثير، وقلَّدتهم الساعد وزوَّدتهم بالجناح ومَدَّتهْم بالمعونات السياسية – المادية.

وأخيراً اقتطعت لذاتها نصيباً من وحدة العراق بتأثير من التدخل العسكري الكاسح لأمريكا، ولم يعد الشكل مهماً في ذلك كثيراً.

تتسم هذه الحادثة الأخيرة بكل الخصائص والمزايا المؤثرة بقوة الزلزال على سياسة تركيا بشأن القضية الكردية.

وتتمثل سياسة الجمهورية التقليدية في فرض النسيان على مسألة الكرد بكل ما في وسعها، وسحق أي مطلب

أو تمرد أو انتفاضة أو بحث عن حق بسيط لهم بأقسى الأشكال. بل وحتى أنها مورست كتحفيز مستمر على

التنكر للكرد بمواقف شوفينية متطرفة. وكان كل ما يخالفها أو يناقضها من تطورات، داخلية كانت أم خارجية، أو

على حد التعبير المستخدم كثيراً في الآونة الأخيرة في المجال الإعلامي: لدى تجاوز “الخط الأحمر”؛ يعد دافعاً وسبباً لنشوب الحرب.

إن الكيان الفيدارلي الكردي المتشكل في شمال العراق يشد الخناق على هذه السياسة مع مرور كل يوم بل

وكل ساعة. وثمة شيئان يمكن العمل بهما؛ إما تشتيته وتفتيته بالحملات والتمشيطات العسكرية، وإما القبول به.

التمشيط العسكري يعني الاشتباك مع إمريكا وقوات التحالف، أما القبول فليس إلا عبارة عن سياسة “انتظرْ وانظرْ”

التي لا تحتوي على أية خاصية ثابتة أو دائمة، ولا تؤدي إلى الحل. وإذا ما أضفنا إلى ذلك تموقع قوة PKK

المناضلية (الكادرية) المدربة، والتي يبلغ عددها ما يقارب عشرة آلاف شخصاً، في كافة المناطق الجبلية، كذلك

التأييد الجماهيري الواسع النطاق في الداخل والخارج؛ سيتضح بكل سطوع أن تركيا على عتبة مفترق طرق

تاريخي. وكل يوم يمر عليها ينقلب عكساً على تلك السياسة المذكورة، أي سياسة “انتظر وانظر”. ومثلما أن

نشوب حرب شاملة على كردستان ستؤدي إلى مساندة كل العالم للكرد من جانب، فستجد نفسها من جانب

آخر تخسر أقرب حليفين إليها – اللذين قد يقفا ضدها – ألا وهما أمريكا وإسرائيل.

تعود زيادة حدة تأثير المسألة الكردية إلى هذه المستجدات، إذ أن كل شيء يفرض على تركيا تحديد سياسة

جديدة بشأن الكرد. هذا ونود التنويه بأهمية بالغة إلى نقطة أخرى؛ ألا وهي أن مواقف كل من أمريكا واسرائيل

تجاه الكرد، بعيدة عن أن تكون تكتيكية. بل إنها مستجدات تتميز بأهمية تاريخية مصيرية، وتتسم بكونها دائمة

راسخة، استراتيجية، وتستهدف لَمّ شمل كل الكرد في أحضانها بالتدريج، حيث تنظر إليهم على أنهم القوة الأولى

الاستراتيجية التي ستلعب دورها في تغيير الشرق الأوسط وتعمل للاستعداد لذلك.

إن الدور المنوط بتركيا فيما بعد الخمسينات بمناهضة السوفييت وبلدان الشرق الأوسط (أي مناهضة العرب

وإيران)، تتم المحاولات للعبه على مسافة أطول وبنطاق أوسع مع الكرد. والهدف الأولي بالطبع، هو لعب دور “

اسرائيل ثانية”. وليس من المحتمل أن تتراجع أو تتخلى أمريكا واسرائيل عن هذا المقصد. وتعد خسارة الكرد في

الوضع الراهن خسارة للشرق الأوسط واسرائيل على السواء بالنسبة لأمريكا. المسألة أبعد من ذلك، حيث أنها

ستخطو خطوتها وترمي بصنارتها في كل من إيران وتركيا عن طريق الكرد، الذين تسعى للإبقاء عليهم تحت

قبضتها في البلدين المذكورين، في حال سعت أيّ منهما لمضايقتها أو إزعاجها. وهذا ما شاهدناه في العراق.

باقتضاب، ستتجسد “عصا التأديب” المسلّطة على الشرق الأوسط من الآن فصاعداً في الكرد. والتيارات القومية

البدائية لدى الكرد على وجه الخصوص جاهزة منذ القديم لهكذا دور، بل ومستعدة بلا جدال لتقديم كل شيء في

سبيله. ولن تزول مسألة دور الكرد في العراق عن الساحة، بل ستبقى الحديث الساخن في موضوع التحولات التي ستطرأ على الشرق الأوسط.