الكاتب السوري عبد الله رحيل
ثمة اجماع عامٌّ من المؤرخين والمفكرين العرب، إنّ الحياة العربيّة الحديثة بدأت في مستهلّ القرن التاسع عشر، أيّ من خلال الاحتكاك الواقعي الأول بين أوروبا، والعالم العربي، الذي نجم عن رُسو جيش بونابرت في الإسكندرية سنة 1798م، حيث كان لهذه الحملة أثرٌ في إحياء الأدب العربي، وازدهاره، وبعد جلاء الفرنسيين عن مصرَ، في العام 1801م، اعتلى السلطة محمد علي، وهو جنديٌّ في الجيش العثماني، الذي أُرسل لمحاربة الفرنسيين في مصر، فكان لمحمد علي في العام 1805م، أثر كبير في إحياء الثقافة العربية بشكل عام، فقد أرسل البعثات إلى أوروبا، وأسّس المدارس التقنية في مصر، لا سيما المدارس الهندسية والطبية، وأمر بترجمة الكتب العلمية إلى العربية، وأصدر جريدة رسمية، وأسّس دارًا للنشر، ذلك كلّه لم يكن معروفا في العالم العربي، الذي كان يعاني من الجهل واللا مبالاة، وهكذا فإن اليقظة العربية قد بدأت في الحقول التقنية، ولكن سرعان ما وجدت التأثرات الأدبية، والثقافية أيضا طريقها للتطوّر، واحتلّت المشهد، حيث كان لسوريا ومصر الانغماس الشديد في تتبّع، وفي محاكاة الثقافة الغربية، بينما كانت في البلدان العربية الأخرى تسير ببطء شديد.
وهكذا أعطى الاتصال بأوروبا، عبر الاحتلال لمناطق من العالم العربي فرصة تنفّس فكريٍّ، وحضاريٍّ للمثقّفين والمؤلّفين العرب، وللمجتمع العربي عامّة، فقد لُفِتت الأنظار إلى إحداث يقظة عامة، ناتجة عن تنبُّه الناس إلى وجود طراز من الحياة متطوّر، ومختلف عن الطراز، الذي كان يعيشه الشرق آنئذٍ، وإثر هذه الاتصالات، والتأثّرات بالجوانب الثقافيّة، ومنها الأدب كان التأثّر في الرواية والقصّة، والشعر الوجدانيّ “الرومنتي” الأثر الكبير في محاكاة الغرب للفنون الأدبيّة، التي كانت سائدة هناك، ما جعل الكاتب جورج سالم، يؤلّف رواية العصاة على غرار رواية المحاكمة، لفرانز كافكا، تلك الروايتان اللتان تعدان بداءة عصر الاحتكاك، والتأثّر بالآداب العالمية، حيث اطّلع الرواة والقاصُّون إلى العالم الأوروبي، الذي كان في تلك الآونة قبلة الأدباء والشعراء، محاكين فكرا وموضوعاتٍ جديدةً تدور في الوجدانيّة والإبداعية في رموز فنية جديدة، حتى خلق هذا التأثّر عالما جديدا بارعا في فن القصّة والمسرحيّة، وتالياً في عالم الشعر الوجدانيّ، وفي ترجمة قصيرة عن الروائيين، فإنَّ جورج سالم وُلد في حلبَ، عام 1933، تلقّى تعليمه في حلب، وتخرّج من جامعة دمشق، حاملاً الإجازة في اللغة العربيّة عام 1955، ودبلوم التربية عام 1956،عمل في التدريس ، وفي إدارة المركز الثقافيّ، ورأس فرع اتحاد الكتّاب بحلب.
أما فرانس كافكا (3 يوليو 1883 -3 يونيو 1924) (بالألمانية: Franz Kafka) كاتبٌ تشيكيّ، يهوديّ كتب بالألمانية، رائد الكتابة الكابوسيّة، يُعدّ أحد أفضل أدباء الألمان في فنِّ الرواية، والقصّة القصيرة، تُصنّف أعماله بكونها واقعيّة عجائبية.
فمن خلال قراءتنا، وتحليننا لقصّة هذين الروائيين، نرى تشابها كبيرا، وتأثّرا واضحا ملموسا في رواية” في المنفى” لجورج سالم، برواية” المحاكمة لفرانز كافكا” في طريقة السرد، وفي المضمون.
في المنفى، رواية لجورج سالم، رواية قصيرة رمزيّة، تعالج مشكلة الغربة الروحيّة للإنسان في مفهوم البراءة، والخطيئة الأصليّة، وتشابهها القويّ مع رواية، المحاكمة، لفرانز كافكا، حيث يقدّم جورج سالم في رواية” في المنفى” قصة معلّم المدرسة، الذي يَفِدُ إلى بلدة غريبة، لا يتكلّم فيها الناس مع بعضهم، ولا يتعاطفون، وتقع هذه البلدة الصغيرة تحت نفوذ حاكم خفيّ، لا يراه الناس، وتلتفّ حول هذا الحاكم طبقة مترفة من الأعيان، الذين كعادتهم يسهرون في ملهى بسيط، تُحي أمسياتِه مغنيةٌ غامضةٌ، ويقتحم معلّم المدرسة هذا الملهى المحرّم على غير الأعيان، ويُحدث أن تقع المغنية في حبّه، وتتطوّر أحداث الرواية، حتّى يقع أحد تلامذة المدرسة غرقا في النهر، ويتّهم المعلّم بقتله؛ لأنّه سار معه بمحاذاة النهر في إحدى المرات، وتحاول المغنية إنقاذ المعلّم، وتبذل قصارى جهدها مع الحاكم، ومع القاضي، ولكن دون جدوى؛ إذ يُقاد المعلّم إلى مكان مهجور، ويُرجم بالصخور، حتّى يقضيَ نحبَه.