نوسوسيال

يقلم الكاتبة الصحفية سمية الجندي : ( بقعة حبر )

345

 

 

 

أيتها الطاولة الجهماء دعيني أتلوى وجعا وأنا أقرأ الأخبار

 دعيني أشاهد الأخبار وأنا أتلوى من الوجع

 فيما العتمة تغزو حجرتي الباردة

في السادس من شباط تقاطعنا أنا والوطن في ألم عظيم

 أنا تعرضت لزلزال صحي أحدثه أطباء سويديون كي ينقذوا حياتي

ووطني تعرض لزلزال أحدثته الطبيعة حتى ينفق الباقون على قيد الحياة فوق ظهرها

 الأطباء سددوا شعاعا ليزريا إلى حصاتي كي تتفتت وتريحني من ألوان الوجع

والأرض سددت ركلة للقاطنين فوقها كي يفرح قلب الحاكم الأرعن وهو يلهو مع أعوانه ضاحكين

ومع أن زلزال الأرض طال في تدميره شطرين واحد في تركيا والأخر في سوريا

 كنت يا وطني الأشد تضررا

إذ لم تكترث الدنيا لحالك وسدد حراس المعابر إلى قلبك الضربة القاضية

الألم الذي سببته لي الحصاة قد يزول بعد أن دمرها الليزر فتغادر بقاياها كليتي

أما الألم الذي سببه الزلزال فلن يزول بإزالة الردم ورفع القتلى وإنقاذ الجرحى

خارج النافذة أرى رافعة سويدية تركها العمال في ورشة لبناء محطة للترام

الرافعة جديدة عملاقة شغلوها وقتاَ وجيزاَ في النهار ثم تركوها وحيدة في الحقل ورحلوا إلى منازلهم الدافئة.

 ذراع الرافعة ممتدة إلى الأعلى كرقبة محكوم ينتظر النطق بالحكم

بينما النطق بالحكم في وطني قد تم… وعقوبة الموت قد أنزلت بالمنكوبين

 أذرعهم تلوح لملاك الموت تستجدي التريث

لا رافعة تخرج للأب طفلته، وللأخ أخته وللأم وليدها من تحت الأنقاض، والقر شديد, والأظافر من شدة النحت في إسمنت الأنقاض قد تكسرت واضمحلت حتى نز الدم من لحم الأصابع

 أين اختفت كل رافعات الدنيا والمعاول والشموع؟

 أضَرْبٌ من الجنون أن أطلب منك، يا بلدية المقاطعة الموقرة، يامن تبنين محطة لأقدام السابلة

أن تعيري وطني رافعة واحدة كي يرحل عنه ملاك الموت؟

 اسمعوا يا أعضاء مجلس البلدية الموقرين،

ريح الشمال الصرصر تئن في طريقها إلى الوطن بعد زوابع الرمل والمطر

اسمعوا صوت المستغيثين من تحت الأنقاض وهو يكف الآن عن التأوه

واشهدوا كيف المعابر لم تفتح إلا لقوافل الجنازات القادمة من شطر الشمال

تتهادى على إسفلت الطريق كهدايا ممهورة بتواقيع علاة المقام.

 هذا كل ما يهدى إليك ياوطني. قوافل من الموت والجنازات.

 ياوردة قطفها أرعن مجنون وبعثر بلاتها في بقاع الأرض

 أنت الآن ياوطني مهمة مشطوبة من دفتر المهمات

ما عاد فيك ياسمين، ما عاد فيك بردى بغياض غناء

لا يد ترد إليك القلب والعصبا، لا شهب تنثر مجدا في مرابعك…

قاسيونك صار وجرا لمُتأتئٍ أحمق لا تطاله الزلازل…

ما الذي بات منك بعد أن عصَّك القهر وعضَّك الفقر وسحنتك عصابات اللصوص… ؟

ماالذي بقي فيك الآن؟

 سيافون باسم الدين، حاكم أحمق مع عصبة من المافيا وذوي العمائم، وعملاء أجندات غازية

 رابضون على صدرك كأقانيم ثلاثة لشيطان واحد

ألمي إليك يا وطني

أيها المحشور في كفن الدم بين فضاء المجهول وهاوية القبر

ليت لي بسعفة عملاقة أكنس بها آثارهم عن جسدك.

بقعة من حبر

 أسفحها على كل ما عصف بك من حملات وغزوات ومعاهدات ومخططات وأجندات

 فلا يبقى أبو عبيدة ولا عكرمة ولا يزيد ولا ابن العاص ولا أي من الألوية التي سبقت ألوية هؤلاء

 ولا أي من الألوية التي تلت ألوية هؤلاء

بقعة من الحبر يختفي معها كل من وسموا جسمك برعب الرزايا

بقعة من الحبر أسفحها على سليم الأول وآمورو وتيمورلنك وأسفار يشوع ووثائق إلبا ووثائق سايكس بيكو، وبيانات الثورات المزيفة وكل البيانات رقم واحد

 لعل العالم يراك مجردا من كل ما ألبسك التاريخ من تواقيع الغزاة والأوباش

نظيفا من وسخ الأحكام المسبقة والأفكار المسممة والدمغات القاتلة

عاريا كطفل ولدته للتو امرأة البداءة الأولى في بواكير العصر الحجري

 عندما لم يكن شرق ولم يكن غرب

ليت لي حبرا أريقه على كل ما كنته يا وطني، أو على ما كل ما أرادوك أن تكونه

علَّ الدنيا تسمع أنينك الآن

علَّ يداَ حانية تمسح على جرحك الآن

 فقد أثقلَتْ ظهرك الرزايا وطال بكَ انتظار المعجزات

ستوكهولم