نوسوسيال

حزب الحداثة والديمقراطية لسوريا : يقيم محاضرة عن اللامركزية بالقامشلي

528

 

إحياء ليوم الحوار السياسي أقام حزب الحداثة والديمقراطية لسوريا في مكتبه بمدينة القامشلي فعالية حوارية بعنوان ( اللامركزية ) ألقاها السيد باقي حمزة عضو لجنة علاقات مسد
بحضور نشطاء سياسيين ومدنيين ومثقفين ومهتمين بالشأن العام وممثلين من  بعض الاحزاب السياسية, وبداية وقف الحضور دقيقة صمت بكل إجلال وتقدير واحترام لشهداء الحرية والكرامة في سوريا,وروج أفا شمال شرق سوريا,ثم تحدث المحاضر باقي حمزة عضو مكتب العلاقات في مجلس سوريا الديمقراطية عن ((اللامركزية )) موضحا فيها 

بغض النظر عن التجارب الأممية المختلفة في تطبيق اللامركزية كنظام لإدارة الدولة وما يرافقها من تدرج في السلطات فإن أغلبها عملت بالمبادئ الديمقراطية والتشاركية الأساسية، ورفعت من مستوى الحالة المعيشية والاقتصادية وحققت بشكل مقبول العدالة الاجتماعية لمواطنيها ومجتمعاتها المحلية.

وبالرغم من كل التحولات والتطورات الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شكلت مفاهيم اللامركزية في العصر الحديث، فإن سوريا الدولة لها تجربة ريادية مختلفة. إذ أن أول دستور لامركزي في الشرق الأوسط؛ كان دستور سوريا عام 1920، حيث نصت المادة الثانية على أن “المملكة السورية تتألف من مقاطعات تشكل وحدة سياسية لا تقبل التجزئة”. وعليه، فإن اللامركزية ليست بدعة أو حالة طارئة في سوريا بل كانت دائماً ومنذ تأسيس المملكة السورية إلى اللحظة الحالية قضية مطروحة ومتداولة لها الأسانيد القانونية والدستورية.     

    لمحة تاريخية عن اللا مركزية في سوريا


إن اللامركزية في سوريا حالة متأصلة، إذ أنها اعتمدت في أول دستور للبلاد في مرحلة تأسيس المملكة السورية وعُرفت وقتها بدستور فيصل. ففي 8 آذار 1920 أعلن المؤتمر السوري قيام حكومة مدنية وتم صياغة دستور للمملكة من اثنتي عشر فصلاً و147 مادة. وبالإضافة للمادة الثانية التي نصت على لامركزية الدولة، ففي المادة السابعة والعشرون يتم الإشارة إلى أن “الحكومة العامة للمقاطعات السورية تتألف من هيئة الوزارة وهي المسؤولة أمام المجلس النيابي العام”. وتلاها دستور 1922، إذ تم الإعلان “القانون الأساسي للاتحاد السوري” الذي كان بمثابة الدستور الفيدرالي لمقاطعات/ دول دمشق وحلب وجبال العلويين.

 


ومن بعدها دستور 1950 الذي كان مؤلفاً من 166 مادة. زاد في هذا الدستور صلاحيات البرلمان وعزز من سلطة القضاء باستحداث المحكمة الدستورية العليا. إذ تنول الدستور في 6 مواد منه التقسيم الإداري في الجمهورية السورية، وتحدث عن توسيع صلاحيات الوحدات الإدارية في المحافظات. أما مواد الحقوق العامة في دستور 1950 فقد تم توسيعها وصونها حتى بلغت 28 مادة تختصّ وحدها بالحقوق والحريات.

وبعد فترة الجمهورية العربية المتحدة بين سوريا ومصر عام 1958، تم تغيير اسم الجمهورية السورية إلى الجمهورية العربية السورية، واُعتمد حتى بعد الانقلاب الذي قام به حزب البعث عام 1963. وفي العام 1971 أُصدر قانون الإدارة المحلية القاضي بتشكيل المجالس الشعبية المحلية للمحافظات. ولم تطبق هذه المواد وبقيت حبراً على ورق، وأُفرغت من محتواها.

 

طُرح قانون الإدارة المحلية 107 بمرسوم تشريعي في 23 أغسطس/آب عام 2011 ويتألف من 161 مادة. يهدف القانون لتطبيق اللامركزية من خلال نقل السلطات والمسؤوليات من المركز إلى الأطراف بناء على الخطة الوطنية لتطبيق اللامركزية. وتم اختزال مفهوم “اللامركزية” في هذا القانون في البعد الإداري فقط. واقتصار الصلاحيات والسلطات بيد المحافظ المُعين من قبل رئيس الدولة مع تقويض صلاحيات المجالس المحلية مما يخلق لامركزية مشوهة تقتدي بالأوامر الصادرة عن المركز. ولا يتناسب قانون الإدارة المحلية 107 مع الحقائق الموضوعية والواقع الراهن في سوري

 

                               الوضع الراهن في سوريا

إن المركزية الاستبدادية الحاكمة في سوريا هي سبب الأزمة البنيوية، وهي التي أوصلت البلاد إلى حالة يرثى لها من الناحية الاقتصادية والسياسية والإدارية والاجتماعية والثقافية. وبعد كل الدمار الذي حل بالبلد على كافة الأصعدة والمآسي الإنسانية المستمرة، سوريا بحاجة ملحة إلى حل وطني ينهي الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وكون سوريا دولة متعددة الثقافات والاثنيات والأعراق والديانات والمذاهب والطوائف، فإن النظام اللامركزي يشكل الحل الأمثل لإدارة الدولة. إذ أثبتت تجارب الأمم والدول المماثلة أن الأنظمة اللامركزية تحقق التنمية المستدامة في إدارة الموارد وتحافظ على السلم الأهلي والوحدة الوطنية.

 

اللامركزية تعني نقل السلطات والمسؤوليات والصلاحيات والموارد من المركز إلى الأطراف وفق آليات دستورية معينة. حيث يتم توزيع السلطات على مستويات عدة لتعزيز مشاركة المجتمع المحلي في إدارة نفسه بنفسه وتسهيل الاجراءات

البيروقراطية والسرعة في الإنجاز الإداري وتقديم خدمات فعالة وتقويض الفساد وتطبيق الحوكمة المالية وصرف الموارد بما يلبي الاحتياجات المحلية. بحيث ينتخب المجتمع المحلي إدارته المحلية عبر الاقتراع المباشر والسري والشفاف وتشارك مختلف شرائح المجتمع في عملية اتخاذ القرار ومساءلة الإدارة المنتخبة وصياغة السياسات العامة وتنفيذها. وتكون هذه الإدارة قادرة على ممارسة وظائفها الإدارية ووضع الخطط وتنفيذها في مختلف المجالات الإدارية والاقتصادية والاستثمارية والتعليمية والصحية والتنموية والثقافية والعمرانية بشكل مستقل، وجمع وتحصيل الرسوم والضرائب على المستوى المحلي ويخصص لها جزء من الموارد الوطنية، ولها استقلالية استخدام الموارد وتخصيصها وآليات إنفاقها.

ضرورة اللامركزية في سوريا

في ظل ما يعيشه المجتمع السوري من انقسام وتمزق واستقطاب سياسي واجتماعي وجغرافي وثقافي، اللامركزية هي مدخل للحل وضمان وحدة الأراضي السورية. سوريا بوضعها الحالي، مقسمة بين ثلاث مناطق نفوذ، التواصل بينها يكاد يكون غير موجود. رسخ الاستبداد المركزي والمشاريع غير الوطنية التي تتبع لأجندات الدول الإقليمية حالة الانقسام الجغرافي والمجتمعي والسياسي في سوريا. إن اللامركزية ضرورة وضمان لوحدة الجغرافية السورية.

 

اللامركزية حاجة إدارية لمعالجة الإقصاء والتهميش والحرمان الواسع الذي عانت منه مناطق عدّة خلال حكم النظام المركزي في سوريا. فعلى الرغم من احتواء هذه المناطق على الكثير من الثروات؛ إلا أنها لم تنتفع بها، بل اسُتخدمت بأساليب خاطئة وبشكل سلبي في سير الحكم وتشديد قبضته على حساب الخدمات والمنافع الاجتماعية. وتساعد اللامركزية على منع الصراعات أو الحد منها لأنها تقلل من أوجه عدم المساواة الفعلية أو المتصورة بين مختلف المناطق. وتعزز اللامركزية السلام بحيث تشجع الأطراف على مستوى الأقاليم والمحافظات بالتعبير عن إرادتها في إدارة مناطقها بعيداً عن هيمنة المركز.

تعد اللامركزية ضرورة ديمقراطية وهي الوسيلة القانونية والعملية في تجسيد التشاركية المجتمعية، حيث تعالج قضايا عدم المساواة والتمثيل والمشاركة في الإدارة. وتؤدي إلى الكفاءة المحلية (الاستجابة السريعة للمشاكل، وتحسين القدرة على تقديم الخدمات) والإنصاف وزيادة مشاركة المجتمعات المحلية في إدارة شؤونهم، مع أشكال جديدة من المشاركة السياسية والتشاور والشراكات. وتحقق الاستقرار والتنمية المستدامة على المستويات المحلية مثل معالجة قضايا الاقتصاد والبنية التحتية والتعليم والصحة والخ.

مبادئ أساسية للامركزية في سوريا

وبناء على ما سبق، لابد أن تبنى اللامركزية على مبادئ أساسية، تؤسس للحل الشامل في سوريا.

أولاً: سوريا بحاجة للامركزية جغرافية تعتمد نظام الأقاليم والمحافظات. إذ تفرض الحالة السورية توزيع السلطة على مستويات محلية أدنى لتحقيق التنمية المستدامة في كافة المناطق بالتساوي وعدم حصر النفوذ والثروات والمسؤوليات في مناطق معينة فقط.

ثانياً: ضرورة تطبيق اللامركزية بأبعادها الثلاث في سوريا، السياسية والإدارية والمالية وفق خطة إصلاح محلية ووطنية شاملة.

ثالثا: ضرورة تطبيق اللامركزية في السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية واتخاذ مبدأ فصل السلطات أساساً. وبناء عليه، من الضروري أن يكون لكل إقليم جغرافي لامركزي سلطاتها الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ويحق لها تشكيل السلطات الثلاث على مستويات أدنى (المقاطعات). ويتم انتخاب هذه السلطات بشكل مباشر من قبل الشعب ضمن حدوده الإدارية.

رابعاً: سوريا بحاجة لعقد اجتماعي على المستويات المحلية والوطنية، يتخذ من قيم المواطنة والديمقراطية والوطن المشترك والهوية الوطنية المتنوعة والحقوق أساساً. ومن المهم أن يكون لكل إقليم جغرافي لامركزي أو محافظة (مقاطعة) عقده الاجتماعي الخاص بما لا يتعارض مع الدستور العام للبلاد.

خامساً: يفرض علينا روح العصر القائم على التواصل والسرعة والعولمة على تطوير العلاقات على مستوى المجتمعات والدول. لذا، لكل إقليم أو محافظة (لامركزية) الحق في تأسيس العلاقات المجتمعية والثقافية مع مختلف شعوب العالم على أساس التضامن، بما لا يتعارض مع السياسات العامة للدولة.

سادساً: لكل إقليم أو محافظة قواته الأمنية المحلية تتبع لقوات الأمن والجيش على المستوى الوطني العام.

أمام جميع هذه الحقائق والتحديات، فإنه ليس هناك أية حلول سحرية للأزمة السورية، ولا مناص للقوى الوطنية الديمقراطية إلا في خيارين:

إما أن ترضى بواقعها الحالي وتبقى مهزومة أمام المشاريع غير الوطنية والديمقراطية، وبالتالي تتحمل عبء مسؤولية المخاطر المحدقة وتداعياتها على سوريا.

أو أن تتكاتف وتعمل على رؤية وبرنامج موحد، تأخذ اللامركزية كمدخل للحل، ويضع حلولها على طاولة مجالس الأمم، وتتحول إلى رافعة وأداة حقيقية تتكفل بنفسها مسؤولية اجراء عملية التحول والتغيير الديمقراطي الجذري والشامل في سوريا.