نوسوسيال

بقلم رفيق إبراهيم : الاستدارة نحو دمشق.. موت أردوغان

469

هذا المقال التحليلي الهام حول الإفلاس السياسي للر ئيس التركي طيب رجب أردوغان في الداخل التركي والسياسة التركية الخارجية التي فشلت فشلاذريعا في تحقيق الحلم الأردوغاني الهادف إلى إحياء الخلافة الإسلامية العثمانية,التي استعمرت بلاد الكرد والعرب والبلغار ودول البلقان أكثر من 450 سنة تحت شعارات اسلامية كاذبة لاتمت بصلة إلى الدين الاسلامي, تركيا اليوم يحكمها حزب العدالة والتنمية الإسلامي برئاسةأردوغان المغرور المتغطرس والداعم للمجموعات الارهابيةالتي مارست أبشع الجرائم في تاريخ البشرية في شمال شرق سوريا ونظرا لأهميته هيئة نوس سوسيال تنشره نقلا عن جريدة روناهي الصادرة في شمال شرق سوريا للكاتب الصحفي رفيق ابراهيم المحرر السياسي في روناهي

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

منذ أحد عشر عاماً، والصراع في سوريا على أشده، وفي بداية الأحداث، وقفت تركيا جانب ما سمي “بالمعارضة” التي تصدرها الإخوان المسلمون، ولعبت دوراً حاسماً في توجه الصراع السوري نحو العسكرة والراديكالية؛ ما أدى إلى توتر كبير في علاقاتها مع دمشق، فقد وصل إلى القطيعة التامة في الكثير من المراحل، ولكن ما لم يكن متوقعاً تلك الاستدارة المفاجئة، في موقف أردوغان وحكومته، إلى حكومة دمشق في الآونة الأخيرة؛ نتيجة الأوضاع الداخلية المزرية، التي تعيشها تركيا، وسوء العلاقات المتوترة مع أمريكا وأوروبا، وأيضاً مع دول الجوار، بالإضافة إلى قرب الانتخابات التركية.

مراوغة تركيا وخداعها الشعب السوري

الأتراك، وخاصة الرئيس أردوغان، ومنذ بداية الأحداث في سوريا، اتخذ أسلوب المراوغة والخداع والتضليل تجاه الشعب السوري، وخطط من أجل احتلال كامل التراب السوري، فساهم في تغيير مسار ثورة السوريين وتسليحها، وقال وقتذاك: ما هي إلا أيام أو شهور قلائل، سنطيح بالأسد، وسنصلي معاً في الجامع الأموي بدمشق، وكان كلامه بمثابة وضع الملح على الجرح؛ ليثور البركان السوري، ويصبح المشهد أكثر دمويةً ودماراً، في معظم المناطق السورية، في مشهد مروع قل نظيرة في التاريخ، والسبب في ذلك تصريحات أروغان النارية تلك، التي أججت الصراع في سوريا، وعقدت سبل حلها حتى الآن.

كان النهج التركي تجاه حكومة دمشق، يهدف حسب التصريحات التركية للإطاحة بالأسد، حتى عام 2015 ومن خلال دعم، وتمويل، وتسليح المجموعات المرتزقة المرتبطة بالإخوان المسلمين، بهدف السيطرة على سوريا من خلال هؤلاء، الذين خذلوا الشعب السوري، ولكن بعد التدخل الروسي العسكري في سوريا، الذي أدى إلى تغيير موازين القوى، تتلقى تركيا ومرتزقتها الصفعة تلو الأخرى، حيث عادت معظم المناطق، التي تسيطر عليها مرتزقتها إلى حضن حكومة دمشق.

مناورة دمشق معاداة لشعوب شمال وشرق سوريا

 

ومن جانب آخر، حققت شعوب شمال وشرق سوريا مكاسب كبيرة في ثلث مساحة سوريا، بعدما هزمت داعش، وتم الإعلان عن الإدارة الذاتية بمشاركة الشعوب في شمال وشرق سوريا، وهي تدير الآن مناطقها بكل اقتدار، هذان الأمران دفعا أنقرة إلى تغيير موقفها جذرياً من حكومة دمشق، لتتخلى في البداية عن فكرة إسقاط الأسد، كبداية لمرحلة جديدة في العلاقات السورية التركية، ولينصب تركيزها على إفشال المشروع الديمقراطي لشعوب شمال وشرق سوريا.

فتركت تركيا كل ما يتعلق بمحاربة النظام في سوريا، وصارت تخطط وتنفذ هجمات ضد مناطق شمال وشرق سوريا الآمنة، مدعيةً بذلك محاربة الإرهاب نفاقاً وكذباً، والكل يعلم أنها من تدعم الإرهاب، وتخطط لاحتلال الأراضي السورية، وتشارك الحرب على الشعب السوري، منذ عام 2016، تقوم باحتلال المدن السورية الواحدة تلو الأخرى، وكان آخر تلك الهجمات، احتلال سري كانيه وكري سبي، والهدف التركي جلي، وهو معاداة المشروع الديمقراطي لشعوب شمال وشرق سوريا، وإفشاله.

التدخل الروسي قلب الموازين لصالح حكومة دمشق

 

بعدما تدخلت روسيا في عام 2015 تبدلت موازين القوى الداخلية والخارجية؛ لتتجه لصالح دمشق، ما أدى إلى تخلي الدول العربية، وحتى الحكومات الغربية عن تقديم الدعم لما يسمى” المعارضة” التي كانت تتخذ من تركيا مركز ثقل لها، ما حدا بتركيا التفكير بإعادة البحث عن تموضع جديد لدورها، وعملها للحصول على ما هو ممكن من الكعكة السورية، وضرب أي مشروع بإمكانه أن يؤسس لحل مستدام في سوريا، وهو ما لا تحبذه تركيا.

في عام 215 كانت العلاقات بين الروس والأتراك سيئة للغاية، وصلت لحد الاصطدام والحرب، فقتل السفير الروسي، وإسقاط الطائرة الحربية الروسية شكل منعطفاً خطيراً، كاد أن يؤدي لحرب بين الجانبين، لولا التنازل التركي المهين لروسيا، لتجنب أي مواجهة عسكرية يكون الطرف التركي هو الخاسر فيها حتماً، وبعد التخلص من الكابوس الروسي، فكر أردوغان بإيجاد البدائل، وهمه الوحيد هو احتلال المزيد من الأراضي السورية، وإيقاف دعم دول التحالف، وعلى رأسه الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية للاستمرار في محاربة الإرهاب، والقضاء على فكره المتطرف، لكن محاولاته باءت بالفشل، لذلك كان البديل عن الغرب، هو روسيا لتحقيق مصالحها في سوريا، وعلى حساب الشعب السوري، وتطلعاته.

الأزمات التركية عِلل الاستدارة نحو دمشق

الوضع التركي الداخلي المتأزم، والهبوط المريع لليرة التركية، أيضاً ساهم في تغير النمطية التركية في الاستدارة تجاه دمشق، وقضية اللاجئين، التي باتت من الأوراق الهامة، التي اتخذتها المعارضة التركية لمواجهة أردوغان وحزبه في الانتخابات التركية، التي باتت على الأبواب، وبعدما لم ينجح في الحصول على الضوء الأخضر للهجوم على شمال وشرق سوريا، أراد أردوغان إعادة فتح العلاقات مع حكومة دمشق؛ لضرب عدة عصافير بحجر واحد، من جهة يتخلص من اللاجئين والمرتزقة، بعد تسليمهم لدمشق، ومن جهة أخرى يحاول الضغط من خلال حكومة دمشق والروس على الإدارة الذاتية؛ لإعادة الأمور إلى ما قبل عام 2011.

حاول أردوغان وعبر اجتماعات آستانا الخروج برؤية مشتركة روسية تركية إيرانية، لمعاداة الإدارة الذاتية، ولكنه فشل؛ نتيجة تضارب المصالح للدول الثلاث، وأيضاً وجود القوات الأمريكية في المنطقة، وفي قمة طهران الأخيرة بين روسيا وتركيا، وإيران تم الاتفاق على التعاون في ملف معاداة شعوب شمال وشرق سوريا والإدارة الذاتية، وأيضاً توحدت الآراء حول إخراج القوات الأمريكية من سوريا، أما بقية المواضيع الهامة الأخرى فباتت معلقة بين الدول الثلاث.

التفاهم السوري التركي منوط بحل الإشكاليات

هناك الكثير من الأمور والمواضيع، والإشكاليات المعقدة، التي تواجه وتحول حول تطبيع العلاقات في الفترة القليلة القادمة بين انقرة ودمشق، لكننا لا نستبعد اللقاءات، التي ستركز على معالجة بعض القضايا، التي تهم الجانبين بدرجة كبيرة، وعدم التوصل لطريق مسدود، وفي اللقاء الأخير بين أجهزة الاستخبارات لدى الطرفين لم تتطابق الآراء حتى في أدنى المطالب، فكل يغني على ليلاه، ومن الصعوبة بمكان التوافق بالسهولة، التي يمكن تخيلها، فكل طرف يشد الحبل لجانبه، لتحقيق الممكن من الطرف الآخر.

لدمشق دوافع وأولويات تريد تحقيقها، أولاً قبل الإقدام على أية خطوة قد تكون مكلفة، كما أن أنقرة التي توغلت حتى أخمص قدميها في بحر الدم السوري، وتحاول الخروج منه بأقل الخسائر الممكنة، فهل تركيا جاهزة مثلاً للخروج من المدن المحتلة؛ فتخسر حلمها العثماني، أو هل هي مستعدة لحل مشكلة إدلب العاصية عن الحلول؟ نحن نعلم أن راعي هذه التحولات هو الروس، ومع ذلك لن يكون التقارب تجاه الطرفين على السوية نفسها، تقارب روسيا مع دمشق، لن يكون مثل تقاربها مع أنقرة.

بطبيعة الحال، وعند الدخول في الحوارات الجادة سيرفع كل طرف من سقف طلباته وشروطه، وهذا ما قد يعقد الأمور والتوصل للتصالح على المدى القريب والمتوسط، وستكون المحادثات شاقة وطويلة هذا إن استمرت، هناك حاجة ملحة للطرفين للتوافق حول العديد من الأمور، لكنها لن تكون على حساب مصالح الطرفين بكل تأكيد، وهذا ما يحدد فرص التوصل لتفاهمات وتحديد المسار التفاوضي.

صعوبة التطبيع في ظل التفاهمات المعقدة

وقد يكون هناك رفع في مستوى التمثيل في الحوارات بين الجانبين، على مستوى الوزراء، وحتى لقاء الرئيسين التركي والسوري، وهذا ليس مستغرباً؛ لأن تركيا ليس لديها العديد من الخيارات؛ لأن أي يوم يمر عليها يكلفها خسارة المزيد من اقتصادها، وأيضاً يؤدي إلى خسارة أردوغان المزيد من الأصوات الانتخابية، ما لم يحدث تغير ما في سياسته، وكان وزير الخارجية التركية جاويش أوغلو، قد سبق ومهّد بكشفه عن لقاء جمعه بنظيره السوري فيصل المقداد قبل نحو عام على هامش اجتماع دول عدم الانحياز في العاصمة الصربية بلغراد في العام الماضي.

ومن الخطوات التي سيتخذها الجانبان في الفترة المقبلة، قد يكون هناك توقيع اتفاق حول قضية اللاجئين السوريين في تركيا، وإمكانية إعادتهم، ولكن ليس بالشكل، الذي تريده تركيا، أي بإحداث مناطق آمنة كما تدعي، ولكن إلى مناطقهم الأصلية، ولكن من يضمن عدم تعرض هؤلاء للمعاملة السيئة من حكومة دمشق، وقد يشمل الاتفاق بتحديث اتفاقية أضنة، والشروع في توقيع اتفاقية جديدة على حساب الكرد، وأيضاً تسليم المعابر، التي تسيطر عليها المجموعات المرتزقة الموالية لتركيا لحكومة دمشق، وأيضاً قد تكون هناك تفاهمات بشأن محافظة إدلب، بإدارة المدينة مدنياً من قبل حكومة دمشق.

أما بخصوص المسار السياسي للحل في سوريا، سيكون من الصعوبة دفع هذا المسار باتجاه التسوية السلمية، والوصول لاتفاق سلام ينهي الحرب في سوريا، لأن تركيا، التي تبنت ما يسمى المعارضة، لن تستطيع إجبارها العودة إلى حضن دمشق، وبخاصة أنها باعتهم من أجل تحقيق مصالحها.

أردوغان إما التنازل وإما الخسارة والرحيل المهين

الطريق طويل وشائك بما فيه الكفاية، للوصول إلى تفاهمات حول كل هذا القضايا المعقدة، التي بإمكان أية واحدة منها إفشال المسار التفاوضي بين حكومة دمشق وتركيا، وبخاصة أن حكومة دمشق كانت قد رفضت تقديم أية تنازلات، عندما كانت في أوج ضعفها، فكيف بها تقبل الآن، وهي التي استعادت الكثير، مما فقدته في بداية الأزمة وحتى عام 2015، ومن هنا سيبرز الدور الروسي الهام في لعب دور الراعي الرئيسي لأي تحول، لما لروسيا من أوراق ضغط على دمشق، وأيضاً على أنقرة للتوصل لتفاهمات ترضي الطرفين، في بعض المسائل، التي قد يتفقا حولها، كما أسلفنا سابقاً.

وفي الخلاصة يمكننا القول: إن أردوغان يمتلك فن المراوغة والكذب، وأيضاً تعود على التنازلات في الكثير من الأحيان، والمقايضات بينه وبين بوتين خير دليل على ذلك، ولكن محاولاته الآن محفوفة بالمخاطر، التي بإمكانها أن تنقلب عليه، وأسباب عدم النجاح أكثر بكثير من مسببات النجاح، لأن المصالح الدولية في سوريا ليست في مصلحة أردوغان ومشاريعه، فالدلائل كلها تشير بأن الأمس، ليس كاليوم، وأن الوضع الدولي والإقليمي سيكون حاسماً في تحديد مسار الأزمة السورية، لأن اللاعبين كثر، وماهرون، وأردوغان لن يستطيع اللعب وحده مع الكبار، الذين يدركون مصلحتهم جيداً في سوريا.