نوسوسيال

باريس – ايمن بيازيد : النزاع على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل

269

 

 

 

 

/   باريس –  تقرير : نوس سوسيال الدولية  /

                              ,,,,,,,,,,,,,

منازعات حدودية دولية ما زالت قائمة حتى الآن في معظم أنحاء العالم (أ ف ب)

أعاد اكتشاف النفط في شرق المتوسط مسألتي تعيين الحدود وترسيمها بين الدول إلى الواجهة، خصوصاً في الخلاف المباشر بين لبنان وإسرائيل حول حقل كاريش المتنازع عليه.

إسرائيل تعمل على بدء إنتاج النفط من حقل كاريش بعد انتهاء عمليات التنقيب، وقد وصلت سفينة الإنتاج النفطية اليونانية، التي تستعين بها تل أبيب، إلى الحقل قبل أيام قليلة.

الخطوة فتحت النقاش على مصراعيه، سواء في الداخل اللبناني أو بين بيروت وتل أبيب، حول حق سحب النفط والغاز من هذا الحقل قبل أن يتم الاتفاق على الحدود الفاصلة بين البلدين برعاية دولية وبموافقة الأمم المتحدة.

منذ عام 2013 أجريت جولات مفاوضات طويلة بين الطرفين المتنازعين في لجنة تضم ضباطاً من الجيشين اللبناني والإسرائيلي والولايات المتحدة وفريق الأمم المتحدة، إلا أن الخلاف لم يصل إلى حل.

مشكلات حدودية في كل مكان

هذه المشكلة الحدودية المستجدة بين لبنان وإسرائيل ليست الوحيدة على مستوى العالم، فهناك مشكلات لا تنتهي، على الرغم من مرور عقود كثيرة على نهاية الاستعمار والانتدابات ونيل الدول استقلالها.

أما أسباب هذه الخلافات فتعود إما إلى عدم ترسيم الحدود أو تعيينها قبل ترسيمها، أو ترسيمها من قبل طرف من دون موافقة الآخر، أو عدم وصول الطرفين إلى اتفاق منصف حول الأراضي المتنازع عليها، وإما تترك الحدود المتنازع عليها على هذه الحال كي يتم استخدامها سياسياً في الظروف المختلفة، كأداة ضغط سياسية وعسكرية.

وعليه فإن أي عملية حل للنزاع الحدودي يجب أن تبدأ بعملية تعيين الحدود بين الدولتين بالتوافق، ومن ثم يتم ترسيمها لجعلها واقعية ومحددة على الأرض بأدوات معينة.

وتشير الممارسات الدولية إلى أن عملية تعيين الحدود السياسية بين الدول المتجاورة تتم بوسائل متعددة، منها المعاهدات والقرارات التحكيمية أو القضائية الصادرة عن المحاكم الدولية، وغيرها من الوثائق والمستندات القانونية الأخرى.

غير أن مجرد تعيين الحدود الدولية لا يكفي لأن يضفي على هذه الحدود طابع الثبات والاستمرارية، إلا إذا ترجمت عملية التعيين هذه من مجرد تصور نظري خالص إلى واقع مادي. ولا يكون ذلك إلا من خلال ما يطلق عليه فقهاء القانون الدولي بعملية الترسيم، التي يقوم بها خبراء بهذا الشأن تضمهم في الغالب لجان ترسيم مشتركة بين الأطراف المعنية، أو تقوم بها شركات عالمية متخصصة تستخدم أحدث التقنيات وتكتفي الأطراف المعنية بالإشراف على أعمال هذه الشركات.

وعلى الرغم من أهمية الدور الذي تلعبه عملية الترسيم، فإنها قد تكون مصدراً لكثير من المنازعات الحدودية، وهو ما يؤيده واقع المجتمع الدولي، كأن ينفرد أحد الأطراف بعملية الترسيم، أو تتجاوز الجهة المتخصصة بالعملية السلطات الممنوحة لها، أو أن العملية لا تتسم بالدقة المطلوبة.

وتعد عملية ترسيم الحدود الدولية عملية في غاية الأهمية، إذ بإتمامها تصبح تلك الحدود كاملة تمتاز بصفة الثبات والنهائية، ولا يجوز المساس بها أو تعديلها بعد ذلك إلا بموافقة الأطراف المعنية.

مرحلتان أساسيتان

تمر الحدود الدولية عند إنشائها بمرحلتين أساسيتين، هما مرحلة التحديد أو التعيين (Delimitation)، ومرحلة الترسيم أو التخطيط (Demarcation). والتحديد عملية قانونية يتم بموجبها بيان الوصف الدقيق لخط الحدود في السند القانوني المنشئ له، الذي قد يتخذ شكل معاهدة حدودية أو بروتوكول يعقد بين الدولتين المعنيتين، أو قرار تحكيمي أو قضائي صادر عن محكمة تحكيم أو محكمة عدل دولية، أو قرار صادر من لجنة مشتركة لتعيين الحدود أو قرار إداري صادر عن السلطة الاستعمارية.

وبما أن عملية التحديد هي عملية قانونية بالدرجة الأولى، فيختص بها خبراء القانون الدولي العام. أما الترسيم فهو عملية فنية خالصة تعقب عملية التحديد، يتم من خلالها وضع خط الحدود الذي تم وصفه في السند القانوني المنشئ له على الطبيعة وتعريفه بواسطة العلامات الحدودية المادية، أو أي علامات أخرى تدل عليه.

إلا أن المشكلة الأولى في عملية الترسيم أنها اختيارية للدول المعنية لتحدد الوقت المناسب للقيام بها، مهما طال هذا الوقت بين عمليتي التحديد والترسيم، وذلك لأن الالتزام الذي يفرضه القانون الدولي على الدول للقيام بعملية تحديد حدودها الدولية، لا يقابله أي التزام قانوني يفرض عليها القيام بعملية ترسيم تلك الحدود. ولذلك قد تتراخى الدول المعنية عن القيام بعملية الترسيم لفترات طويلة جداً، ما يسبب كثيراً من المنازعات الحدودية في المستقبل.

التحديد عمل فني وليس هندسياً

يقول اللورد كيرزون، إن عملية التحديد ليست عملية سياسية أو جغرافية أو هندسية، بل عملية فنية”. والطبيعة الفنية أو التقنية لأعمال لجان الترسيم أكدها مجلس الأمن في عام 1992 بشأن عمل لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بين العراق والكويت، حيث جاء في ديباجة هذا القرار أن “اللجنة من خلال عملية تخطيط الحدود لا تقوم بإعادة توزيع الأراضي على العراق والكويت، بل مجرد إنجاز العمل التقني الضروري للقيام لأول مرة بوضع تحديد دقيق لإحداثيات الحدود الواردة في المحضر المتفق عليه بين دولة الكويت وجمهورية العراق بشأن إعادة علاقات الصداقة والاعتراف والمسائل ذات الصلة الموقع عليه من الطرفين في عام 1963”.

تنشأ لجان الترسيم المشتركة بطرق مختلفة، إما بالنص عليها في معاهدات تعيين الحدود، مثال معاهدة “أرضروم” المعقودة عام 1847 بين الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية، والمادة (2 من معاهدة الحدود المعقودة عام 1902 بين إثيوبيا وبريطانيا، التي كانت حينذاك الدولة الحامية للسودان.

وقد يتم إنشاء لجان الترسيم من طريق اتفاق يعقد بين الأطراف المعنية في فترة لاحقة لاتفاق تعيين الحدود، ومثال ذلك البروتوكول الملحق بمعاهدة الحدود المعقودة عام 1937 بين العراق وإيران. واتفاقية ترسيم الحدود المعقودة عام 2005 بين الأردن وسوريا.

وقد تنشأ لجان الترسيم بقرار من المحكمة الدولية المكلفة الفصل في نزاع تعين الحدود، بناءً على طلب الطرفين. ويتم تعين هذه اللجان بقرار من مجلس الأمن وقد يضاف إليها لجنة من الأمم المتحدة كتلك التي شكلها مجلس الأمن عقب الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، التي قامت بترسيم خط الحدود الدولية الذي يسمى الخط الأزرق.

لكن على الرغم من كل هذه الطرق والقواعد الدولية المتبعة لترسيم وتعيين الحدود، فإن منازعات حدودية دولية ما زالت قائمة حتى الآن في معظم أنحاء العالم، ولكن ما يدعو إلى الأسف أن الخلافات الحدودية بين الدول العربية ما زالت قائمة حتى اليوم من دون أن تظهر أي نية بحسمها نهائياً.

وما يثير الاستغراب أن هذه المشكلات الحدودية ما زالت مستمرة منذ استقلال الدول العربية وترسيم حدودها بعد انهيار السلطنة العثمانية، ويمكن أن تكون أساساً للتعاون أو سبباً للنزاع، والمشكلة أنها في المنطقة العربية، كانت مصدراً للنزاع في الغالب، فلا توجد دولة عربية واحدة لم تكن لها هناك مشكلة حدودية أو أكثر، تتسبب في توتير الأجواء بينها وبين الدول المجاورة الأخرى، بحيث يمكن تعداد ما لا يقل عن 32 مشكلة حدودية بين الدول العربية، هي السبب الأول لظاهرة الصراعات العربية، التي وصلت في 16 حالة تقريباً إلى استخدام القوة العسكرية بين الدول، بأشكال تتراوح بين الاحتكاكات المسلحة والحروب المحدودة.

الخلافات الحدودية العربية

نبدأ بالخلاف الحدودي بين مصر والسودان في منطقة حلايب، التي تقع على الطرف الأفريقي للبحر الأحمر ومساحتها 20580 كيلو متراً مربعاً، وفيها ثلاث بلدات كبرى هي حلايب وأبو رماد وشلاتين، وتتبع إدارياً للحكومة المصرية، ويطلق عليها أحياناً المنطقة الإدارية لحكومة دولة السودان. ظهر النزاع إلى السطح في عام 1992 عندما اعترضت مصر على إعطاء حكومة السودان حقوق التنقيب عن البترول في المياه المقابلة لمثلث حلايب لشركة كندية.

كما يعاني السودان من مشكلات حدودية مع الدولة الوليدة جنوب السودان في منطقة “أبيي” أشهر مناطق النزاع بين الطرفين، وهي منطقة سودانية حصلت على وضع خاص ضمن اتفاقية السلام الشامل بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان. ولا تزال هذه القضية غير محسومة.

كما أن هناك مشكلة بين المغرب وجبهة البوليساريو في الصحراء الغربية، وهي منطقة ذات مناخ صحراوي مساحتها 266000 كيلو متر مربع تقع شمال غربي أفريقيا، تحدها الجزائر من الشرق وموريتانيا من الجنوب والمغرب من الشمال.

تأسست جبهة البوليساريو بدعم جزائري سنة 1973 أثناء استعداد إسبانيا للجلاء من الصحراء، لترفض السيادة المغربية على الصحراء، وتعلن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية المعلنة من طرف واحد.

أما الخلاف بين المغرب والجزائر نفسها فقد وصل إلى الصراع المسلح عام 1963، وبدأت المشكلة حين تم اكتشاف النفط والغاز، إذ إن الإدارة الفرنسية لم تكن تعطي أهمية لترسيم هذه الحدود إلا بعد أن وجدت فيها هذه الثروة وقررت ضمها إلى الدولة الجزائرية التي تخضع لسلطتها.

وطالب المغرب بالأراضي وفقاً لحقائق تاريخية ترجع إلى ما قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر، حينما كانت هذه الأخيرة تحت الحكم التركي. أما الجزائر فترى أن تلك الأراضي من مخلفات الاستعمار الفرنسي، وطالبت بعدم المساس بالحدود التي رسمها الاستعمار بالاستناد لمؤتمر “باندونغ” المنعقد في 1956.

أما الخلاف الحدودي بين العراق وإيران فما زال قائماً حتى اليوم، على الرغم من حرب دامت ثماني سنوات بين البلدين، وقد عاد إلى الواجهة أخيراً بعد أن سيطرت فرقة عسكرية إيرانية على الحقل الحدودي النفطي التابع للعراق، وانطلقت تصريحات السياسيين في كلا البلدين لتدعو إلى ترسيم الحدود قبل أن يتقاتل الجنود.

كما تعرضت الكويت لمناوشات حدودية كثيرة قبل غزوها على يد جيش صدام حسين، وبعد انسحاب الجيش العراقي تحت ضربات قوات التحالف تم ترسيم الحدود العراقية الكويتية، لكن ما زالت القضية الحدودية تخضع للمد والجزر السياسيين بين البلدين، فتطمسه حكومة وتنبشه حكومة أخرى بحسب الظروف السياسية الإقليمية.

أما الحدود اللبنانية السورية فما زالت على حالها عند منطقة مزارع شبعا، حيث لا تعترف سوريا بأنها لبنانية كي يتم ضمها إلى الخط الأزرق، ولا تنسحب منها إسرائيل على أساس أنها أراض سورية لا تخضع للقرار 425 الذي انسحبت إسرائيل على أساسه.

كما فتحت الحدود السورية اللبنانية الشمالية على مصراعيها لتصدير السلاح والمقاتلين منذ بدء الحرب السورية في عام 2011، واتسعت معابر التهريب بين الدولتين في حدود شبه مفتوحة، تسعى الدولة اللبنانية بدعم من الأمم المتحدة إلى إقفالها لما تؤدي إليه من نزيف اقتصادي حاد في لبنان وإلى التفلت الأمني والعسكري على تلك المعابر.

 

الأمم المتحدة وحفظ السلام بين الدول

في تسعينيات القرن العشرين توسعت عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، حيث خلقت نهاية الحرب الباردة فرصاً جديدة لإنهاء الحروب من خلال التسويات السلمية من طريق التفاوض. فتلقت السلفادور وغواتيمالا وناميبيا وكمبوديا وموزمبيق وطاجيكستان وبوروندي المساعدة من الأمم المتحدة والدول الإقليمية المحيطة.

ومع اقتراب العقد من نهايته، أدت الأزمات المستمرة إلى نشر قوات جديدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى وتيمور الشرقية وسيراليون وكوسوفو. وفي الألفية الجديدة، نشرت قوات حفظ السلام في ليبيريا وكوت ديفوار والسودان وجنوب السودان وهاييتي ومالي. وتعددت مهام قوات الأمم المتحدة كقوات فصل أو قوات حفظ للسلام حول العالم.

تأسست قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في قبرص بواسطة مجلس الأمن سنة 1964، لمنع مزيد من الحرب بين المجتمعين القبرصي اليوناني والقبرصي التركي، ومع غياب التسويات السياسية فقد استمر وجود البعثة على الجزيرة للإشراف على خطوط وقف إطلاق النار، والحفاظ على منطقة عازلة.

أما قوات مراقبة وقف إطلاق النار في ولاية جامو وكشمير، فقد وصلت إلى المنطقة في عام 1949 للإشراف على وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان في ولايتي جامو وكشمير.

في 31 مايو (أيار) 1974 تم إنشاء قوات مراقبة فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 350 (1974) لمتابعة اتفاقية فض الاشتباك بين القوات الإسرائيلية والسورية في الجولان. ومنذ ذلك الوقت، استمرت القوات بعملها في المنطقة لمتابعة وقف إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية والسورية، وللإشراف على تنفيذ اتفاقية فض الاشتباك.

أما قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان فقد تأسست في مارس (آذار) 1978 لتأكيد انسحاب إسرائيل من لبنان، واستعادة الأمن والسلام الدوليين ومساعدة الحكومة اللبنانية على استعادة سلطتها الفعالة في المنطقة. وبعد حرب يوليو (تموز) 2006، عزز المجلس القوة وقرر أن البعثة بجانب مهامها الأخرى ستراقب وقف الاعتداءات، ومرافقة ودعم القوات اللبنانية في عملية الانتشار في جنوب لبنان، وتمديد المساعدة لتأكيد وصول المعونات الإنسانية للمواطنين المدنيين والعودة الطوعية الآمنة للمهجرين.

وكانت أولى بعثات حفظ السلام من الأمم المتحدة على الإطلاق قد بدأت في 29 مايو 1948، عندما أعلن مجلس الأمن عن نشر مجموعة صغيرة من المراقبين العسكريين التابعين للأمم المتحدة في الشرق الأوسط لتكوين هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة “يونتسو” بين إسرائيل وجيرانها العرب.

ومع دوره الموسع وعملياته في بعض أكثر بيئات العالم تحدياً، يواجه حفظة السلام مخاطر كبيرة، ومنذ عام 1948، فقد أكثر من 3500 شخص حياتهم في عمليات الأمم المتحدة للسلام، بما في ذلك 943 قتلوا بسبب العنف. ومنذ عام 2013، ارتفعت أعداد الضحايا، حيث بلغ عدد الوفيات في الهجمات العنيفة 195 شخصاً، أي أكثر من أي فترة خمس سنوات أخرى في تاريخ الأمم المتحدة.