نوسوسيال

 الباحث الكوردي السوري حسن ظاظا يرصد تاريخ العراق في قرن كامل

389
 4:25 am
صدر مؤخرا، عن دار الرؤية بدمشق، كتاب جديد للباحث الكوردي السوري حسن ظاظا تحت عنوان
“العراق ـ دراسة في تاريخه السياسي 1908 ـ 2005″، ليرصد من خلاله تاريخ الحركات السياسية التي ظهرت في العراق، والظروف التي أدت إلى تأسيس هذا الحزب أو ذاك، في محاولة لرسم صورة متكاملة للأحزاب السياسية خلال قرن كامل يبدأ من مطلع القرن العشرين، وينتهي عند مطلع الألفية الثالثة، ويظهر ظاظا عبر صفحات الكتاب دور الأحزاب الكوردية في هذه الخارطة السياسية، ويبين نضالات الكورد من أجل حريتهم وكرامتهم وحقوقهم المشروعة.
يرى ظاظا بأنه ومنذ تأسيس الدولة العراقية قبل نحو خمس وثمانين عاما، لم تتح للفرد العراقي فرصة المساهمة في بناء الدولة ومؤسساتها بالشكل الذي يريد. وبقي دوره مغيبا منذ ذلك الحين، بالرغم من جميع أشكال النضال التي خاضها من اجل ذلك، وخاصة في مرحلة العهد الملكي، والتي اتسمت بتوفير إمكانية معقولة للعراقيين للمطالبة بحقوقهم والتي تلخصت بالاستقلال التام والدستور والانتخابات البرلمانية الحرة وإصلاح الوضع الاقتصادي والتي استقطبت في حينها غالبية الشارع السياسي، وفي مقدمتها الأحزاب الوطنية، حيث تميزت فترة الخمسينات من تلك المرحلة بتطوير مستوى التعاون بين الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية، توج بإعلان جبهة الاتحاد الوطني عام 1957، والتي كانت القاعدة السياسية لثورة 14 تموز عام 1958م.
ويحاجج الباحث الكوردي بان هذه الثورة هيأت للعراقيين فرصة معقولة لتحقيق ما ناضلوا من اجله على مدى أربعين عاما، غير أن تلك الفرصة قد أهدرت بسبب النزعات الانفرادية لدى قادتها، وأصبح الصراع سيد الموقف بين الأحزاب من جهة وبينها وبين السلطات من جهة أخرى، والواقع أن ثورة 1958 م تعد، في رأي أغلب الباحثين والمهتمين، محطة مضيئة في تاريخ العراق، فها هو الكاتب العراقي فائق بطي يصف، بدوره، هذه الثورة بـ “الوطنية الديمقراطية”، إذ شيدت صرح نظام جمهوري معاد للاستعمار، وقضت على حلف بغداد العسكري العدواني، وطبقت قانون الإصلاح الزراعي، وضربت الاحتكار النفطي، وتحقق في ظل هذه الثورة مبدأ التعايش السلمي والحياد الإيجابي، ووطد الثوريون العلاقات مع المعسكر الاشتراكي، وقاموا بتسليح الجيش الوطني…إلى غير ذلك من الإنجازات والمكاسب التي تمتع بها الشعب في ظل حكم عبد الكريم قاسم الذي يقول عنه بطي: “كان قاسم ضابطا بسيطا، رقيق القلب، أمينا، زاهدا في الحياة، نصيرا للفقراء، لم يستغل مركزه، ولم يسمح لأهله وأقاربه استغلال منصبه كقائد للبلاد. كانت طيبته، ونواياه الحسنة، وثقته العمياء بالأصدقاء، ورأفته حتى بأعدائه إلى حد السذاجة، عاملا رئيسيا في ضعف قيادته التي أدت إلى تخبطه وتأرجحه وعدم إدراكه متطلبات المرحلة الديمقراطية الثورية بعد كنس العهد البائد”.
ويعود ظاظا في كتابه إلى بدايات العمل الحزبي المنظم في العراق، فيقول بان هذه البداية انطلقت مع ظهور جمعية “الاتحاد والترقي”، في العام 1908 أي قبل الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1916)، وهذه الجمعية شكلت امتدادا لجمعيات سياسية كانت قائمة في الآستانة (اسطنبول حالياً)، وكانت تضم نخبة من الموظفين والضباط العراقيين، وكذلك وجهاء البصرة مثل “طالب النقيب”، ومن بعدها تأسست “لجنة المشورة”، وهي أتت كرد فعل عفوي على تأسيس فرع جمعية “الاتحاد والترقي”.
ونتيجة لسياسة الاتحاد والترقي “المنحرفة” بعد ارتكابها لمجزرة ثكنة “طاش قشلة” تم تأسيس “حزب الحرية والائتلاف”، ولم تتوقف منذ تلك الحقبة الحراك السياسي في هذا البلد، والذي أثمر عن تأسيس عشرات الأحزاب السياسية مثل “حزب الاستقلال العراقي”، و”جبهة الاتحاد الوطني”، ثم جاء حزب “المؤتمر الوطني” وكان من مؤسسيه كامل جادرجي، وحزب “الاتحاد الدستوري”، وحزب “شورش ـ الثورة” الكردستاني في عام 1945 برئاسة صالح الحيدري، وحزب “رز كاري كورد”، ومنظمة “زياني كورد” ـ فرع السليمانية”، والحركة الإسلامية وحزب التحرير الإسلامي وغيرها من الأحزاب.
ضمن هذه الخريطة السياسية والحزبية الواسعة يولي الباحث أهمية خاصة للدور الكوردي، ومدى تأثير الكورد في مجريات الأحداث في العراق، ويركز على دور الحزبين الرئيسيين: الاتحاد الوطني الكوردستاني، والحزب الديمقراطي الكوردستاني، وهو يذهب إلى ابعد من ذلك ليقدم لمحة موجزة عن جغرافية كوردستان، وعن التوزع السكاني للكورد في كل من العراق وإيران وتركيا وسوريا، ويجزم ظاظا بأن عدد سكان الكورد في تركيا يصل إلى نحو 30 مليون، في حين يتراوح تعداد الكورد في إيران بين 10الى 12 مليونا، بينما يبلغ عدد كورد العراق 8 ملايين، أما في سوريا فعدد الكورد لا يتجاوز الثلاثة ملايين.
وحسب الكتاب فان منطقة كوردستان العراق تمتد من سلسلة جبال (بشتو كوه) الواقعة في المنطقة الحدودية المحصورة بين محافظة الكوت العراقية وإيران، وهو ما يشكل الشريط الذيلي النهائي الجنوبي لعموم كودستان، وتتجه شمالا لتشمل محافظات دهوك والسليمانية وأربيل وشمال الموصل مرورا بمناطق خانقين، شهرزور، وكلار الواقعة في هضاب ديالي، وتعد مدينة السليمانية مركز الثقافة الكوردية في العراق منذ فترة طويلة، بينما تتمتع مدينة أربيل بإرث تاريخي وحضاري عريق.
ويفرد ظاظا مساحة هامة من كتابه للحديث عن مسألة كركوك، المدينة المتنازع عليها بين مختلف التيارات والأحزاب العراقية، ففي بحث تحت عنوان “كركوك بين القرائن الكوردية والأحلام التركية” يرى ظاظا بان الحكومة التركية اليوم تعيش في أزمة حرجة بين انهيار أحلامها الإمبراطورية في إقامة عالم تركي مركزي يكون فيه دور القيادة والسيادة في منطقة الشرق الأوسط لها، وبين أزمتها الداخلية مع حزب العمال الكوردستاني وبين الفيدرالية في إقليم كوردستان العراق، ويعتقد ظاظا بان احد أسباب أزمتها تتعلق بتدخلها في العراق عسكريا تحت شعار “إنقاذ التركمان” في مدينة كركوك ودعمهم للاستيلاء على هذه المدينة الكوردية. وفي موضوع هوية مدينة كركوك، تاريخيا، لا يخامر الباحث أي شك في أن هذه المدينة كوردية منذ القديم، ويدعم ظاظا هذا الرأي بالوثائق والدلائل التاريخية والاستكشافات الأثرية، والتي تثبت بوضوح “أن مدينة كركوك كوردستانية”، فتلك الدلائل التاريخية تؤكد، بأن مدينة كركوك الحالية هي كانت “اربخا أو ارنا” وذلك منذ عام 2216-2210 قبل الميلاد، وكذلك يعيد المؤرخون تاريخ قلعة كركوك الأثرية إلى خمسة آلاف سنة قبل الآن، ولعل أعمال التنقيب في هذه المدينة العريقة تثبت بأنها كانت “موطن الكوردي القديم”، فهذه المدينة وقلعتها كانت عاصمة سلطان “الكوتيين”، وهذا يعني ـ بحسب المؤلف ـ بان المدينة كوردية كون “الكوتيين” هم أجداد الكورد.