في مناسبتي الإسراء والمعراج و النصف من شعبان. حتى الثمانينات كانت تتنافس أحياء مدنطرطوس وبانياس اللاذقية بارتفاع شعلتها في ليلتي الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان، وكان ذلك يترافق مع فرح الناس وتوزيع الحلويات وأهازيج تقول (اليوم المحيا يا يحيى ..تحيتي). لا تزال جزيرة
أرواد تشعل نيرانها في حارتيها الشمالية والجنوبية، وأما مدينة حماة فيميزها انتشار صنف من الحلويات يطلق علية حلاوة المحيا كرمز لإحياء ليلة النصف من شعبان المباركة والذي اعتادت الأسر
احتفالا بالنيروز، فان بعض الطوائف كالاسماعيليين والعلويين يشعلون أعواد البخور ويرتلون صلوات وأناشيد خاصة بهذا العيد طلبا للرحمة ولعودة الحياة وانبثاقها من مخالب قوى الشر المحيقة بالعالم البشري. في حمص اعتاد الحماصنة حتى عام 1920 على الاحتفال بالخمسانات وهي خميس التايه (الضايع)، وخميس الشعنونة، وخميس المجنونة، وخميس القطط، وخميس النبات (خميس القلعة)، وخميس الاموات (خميس الحلاوة)، وخميس المشايخ (ويسمى خميس الأسرار أيضاً أو خميس البيض)،وتتوزع الخمسانات على سبعة أخمسة متتالية على شهر آذار ونيسان بحيث تشمل فترة الاعتدال الربيعي ويستعمل الفصح المسيحي الارثوذكسي كنقطة مرجعية في تحديدها رغم كون شيوخ الطرق الصوفية في حمص على علاقة وثيقة باعياد الربيع هذه، كما شهدت مدينة حماه هي الأخرى أعياد خمسانات مشابهة، وشهدت كذلك أعياد الربيع في 17 نيسان باحتفالات شعبيىة مهيبة، تشارك فيها الخيول، وجرى إيقافها بدءا من ثلاثينات القرن الماضي حتى الستينات، نتيجة التحولات السياسية
المتسارعة، وهي تطابق أعياد الزهورية (الرابع) في 17 نيسان التي استمرت أيضا في الساحل السوري حتى الستينات، وتوقفت تدريجيا حتى الثمانينات نتيجة التحولات السياسية كذلك. وفي مناسبة الاعتدال الربيعي في الثلث الاخير من اذار يحتفل العراقيون من أتباع الديانة المندائية بالبرونايا (عيد الخليقة)، على ضفة نهر شط العرب في مدينة البصرة، لمدة خمسة أيام يطلقون عليها اسم الأيام النورانية التي خلق فيها الخالق عوالم النور. وتجري في هذه الأيام طقوس التعميد والنحر. علما ان
المندائية هي من أقدم الديانات، ترتبط طقوس هذه الديانة بالأنهار وبالتعميد والتطهر بالماء. وهي ديانة غير تبشيرية، ولا يمكن دخول أحد إليها، وتحرم الزواج من خارج الديانة. ان مجمل هذه الأعياد المتشابهة في الشكل من حيث إشعال النار أو الخروج الجماعي إلى الطبيعة والابتهاج وتوزيع الحلوى تعكس لا وعيا واحدا يمتد من الساحل السوري وسط سوريا الى الشمال السوري وشمال العراق إلى
جنوب العراق، وهو لا وعي يتمثل علاقة الإنسان مع الطبيعة، ومع الربيع، ومع انبلاج الحياة، هي علاقة ثابتة توحّد البشر، الذين لا يزالون يتضرّعون إلى الطبيعة ضمنا في رموزهم الثقافية الغائرة، وهي علاقة تتوسّل تجدّد الحياة والبقاء، خاصة في عالم يعجّ بالكوارث واحتمالات النهاية المفاجئة، والغزو المتكرر والتهجير والاقتلاع والتغيير الديمغرافي الذي يعانيه السوريون على اختلاف الوانهم ومسمياتهم