عادة ما ننظر إلى مساعدة الآخرين على أنها إحسان، لكن الحقيقة أن العلاقة بين فعل المساعدة هذه، والعيش لفترة أطول بفعل الطاقة الإيجابية التي تنعكس على الصحة النفسية والجسدية حقيقة، وليست مجرد فلسفة ونصائح أخلاقية بعيدة عن الواقع، وإذا ما كان اللطف يساعدنا على التواصل مع الآخرين، وبناء علاقات أكثر إيجابية مع الأصدقاء والعائلة وحتى مع الغرباء، فإن أعمال الخير قد تساعد على تحسين الصحة وهو ما أثبتته الدراسات والأبحاث التي أقرت أنها أمور تعزز الرفاهية وتطيل العمر.
أما كيف؟ فقد أجريت دراسة في كاليفورنيا على مجموعة من الطلاب كلفوا بأفعال بسيطة لطيفة وتقديم المساعدة للآخرين، فلوحظ لديهم نشاط أقل في الكريات البيضاء المرتبطة بالالتهابات كما أن مناطق الألم بأدمغة المشاركين أظهرت نشاطًا أقل استجابة للألم، هذا ما أكدته عالمة الأعصاب «إنانماكي» في جامعة سان دييجو قائلة: «البشر اجتماعيون للغاية ولدينا صحة أفضل عندما نكون مترابطين، وجزء من الترابط هو العطاء».
فالعطاء لا يكون دون مقابل كما اعتدنا أن نرى العطاء، لكن المقابل يأتي من حيث لا نتوقع، فهناك فوائد لا تُحصى يجنيها الإنسان المعطاء منها إطلاق مزيد من هرمونات السعادة، ما يحسّن القلب ويقلل التوتر، إنه طريقة مختلفة إلى السعادة، في حين تعوّدنا أن نستمد سعادتنا من الأخذ خاصة بالنسبة لشخص غير معطاء بطبعه.
وهذا لا يعني أن الأشخاص الذين يولدون بتعاطف منخفض وقدرة أقل على العطاء فاشلون في ممارسة هذه الفضيلة الجميلة، بإمكان المرء الذي يجرب أن يرى العالم من منظور شخص آخر، بالإضافة إلى الاعتناء بالحيوانات الأليفة، وقراءة الكتب المُفعمة بالعواطف وممارسة التأمل الذهني -الذي يكشف آفاقًا شاسعة من الشعور بالآخرين- أن يصبح شخصًا معطاءً قادرًا على تجربة نوع آخر من السعادة لم يعرفه من قبل.
يقول المهاتما غاندي: «جميل أن تعرف معنى العطاء، والأجمل أن تعطي».
فالعطاء ليس لحظة انفعالٍ بل هو ممارسة وأسلوب حياة ولا قيمة لعطائك إذا لم يكن جزءًا من ذاتك.
البعض يقول: إنني أحب أن أعطي ولكن للمستحقين فقط!.
كيف هذا ؟ والأشجار في بساتيننا لا تقول قولنا، ومثلها القطعان في مراعينا والشمس في سمائنا، والمطر في غيومنا، فهي تعطي لكي تحيا.
العطاء سمة روحية ربانية عندما تكتشف لذتها تصبح رسالة، والرسالة فلسفة، والفلسفة حياة.