نوسوسيال

حوار عبدالرحمن محمد : محمود عزيز شاكر …نصف قرن مكلل بالعطاء

847
 وكأنما يخلق الله البعض والفن مزروع في جيناتهم يمتزج بدمهم ويسير في عروقهم، يفطمون على حب الفن وعشق الثقافة، وامثال هؤلاء لا شك يصبحون مبدعين وفنانين من الطراز الاول، وأحيانا اخرى تبرز عائلات تحمل عبء الفن على عاتقها وتعمل على نشره وايصاله للعالم اجمع كما في عائلة الرحابنة في لبنان وعائلة شاكر في روج آفا على سبيل المثال لا الحصر، التي برز منها اساتذة ومبدعين كانوا مدرسة للموسيقا والفن الكردي.

عرفت عائلة “شاكر” في روج آفا وكردستان ومنذ منتصف النصف الثاني من القرن الماضي بحبها وتعلقها بالفن، والعمل على نشره وتوثيقه وتطويره، وبرز اسم الفنان محمود عزيز شاكر كأحد ابرز المغنين الكرد الذين أوصلوا الغناء والفن الكردي لبقاع شتى من العالم، إلى جانب اسم شقيقه الموسيقار محمد علي شاكر الموسيقار كأحد ابرز الموسيقيين الذين طوروا الموسيقا الكردية وأضافوا لها مئات الالحان والقصائد الغنائية، واثناء تواجده في اقليم الجزيرة كان لنا معه حوار اعددنا من خلاله هذا التقرير:

ولدت عاشقا للفن وكبرنا معاً
البساطة ودماثة الخلق والطيبة، الهدوء الرزين والتواضع ، سمات سمعت بها عن الفنان محمود عزيز لكني لمستها وعشتها لساعات مع الفنان القدير محمود عزيز وهو يفتح صفحات من دفاتر ما يربو على نصف قرن في عالم الفن والغناء مبتدئاً بالحديث الشجي عن البدايات:
“ربما كانت عائلتنا محبة للفن بالفطرة، ولدت عام 1950في قرية من قرى الدرباسية، ومنذ الصغر كنت وشقيقي محمد علي محبين للموسيقا والغناء، وكنا نعشق العزف ولم نترك علبة صفيح فارغة أو ابريقا، بل وحتى بعض الاواني المنزلية ، إلا وحاولنا تحويلها لآلة موسيقية، كان جدي رجل دين ومؤذنا للجامع، بينما كان والدي محبا وعاشقا للبزق ويعزف عليه، وكان ذلك مثار خلاف بينه وبين جدين لذلك كان يشجعنا انا واخي على تعلم الموسيقا والفن ليعوض ما فاته، وفي الثالثة عشر من عمري حصلت على اول ناي، وكنت احفظ كل اغنية اسمعها غيبا واعود لاغنيها مرارا وتكرارا”
 عود الاستاذ بـ 25 ليرة سورية!

 

يتابع محدثي  حديث البدايات الشجي: “سمع احد المعلمين في قرية مجاورة لنا لعزفنا بالصدفة، فاستحسنه، وعندما التقيناه وعزفنا لهن أثنى عليه واستعذبه، وقبل أن تنتهي السنة الدراسية اشترينا منه العود الذي كان بحوزته، وكان المبلغ المقابل /25ليرة سورية/ جمعناها من كدنا وتعبنا، فقد كنا نعمل في الصيف في سقي المزروعات ونتابع دراستنا باقي أيام السنة، وكان شراءنا للعود بداية انطلاقنا، وبتنا “ندوزن “العود كيفما اتفق، وحسب ما نراه مناسبا دون دراسة ومعرفة، حتى إن محمد علي سافر لأجل ذلك إلى سري كانية ليتعلم دوزنة العود وتعلم النوتة الموسيقية وبعضاً من أصول العزف وعاد ليعلمني ما تعلمه على يد احد العارفين بالعزف والموسقا.  كان من أول الالحان التي عزفتها لحن أغنية ام كلثوم –انت عمري- عام 1963 وهو ن الالحان الصعبة جداً، بخاصة لمبتدئ مثلي”
 رفقة الزمن الجميل وخطوات أولى على درب الفن
للرفقة في زمن الصبا ورفقة طريق الفن نقوش في الذاكرة ورسم في الوجدان لا يزول فهم اكثر من نحتاج اليهم حين تعبس الدنيا بوجهنا وهم من يريح كاهلنا المتعب بالحنين والذكريات، ولا يبارح الفنان محمود عزيز هذه المرابع باكراص فيعرج على ذكريات الزمن الجميل: ” في سن الثامنة عشر تقريبا تعرفت على الشاعر الجميل والجريء يوسف برازي- بيبهار- وقبل ذلك ليس ببعيد تعرفت بالفنان التشكيلي والعازف الشهير عبدالرحمن دريعي، وكان الشاعر بيبهار  سببا في ان اغني اغان تخصني وبلغتي الكردية وفي مناسبة اجتماعية جمعتنا قال لي معاتبا إذا شئت ان تكون فنانا حقيقيا عليك ان تغني ما يخصك ليكون ملكك وان تغني بلغتك لتخدم شعبك، وفي وقتها دفع إلي بثلاث نصوص غنائية من كلماته كانت /كليزار وشينبو ريحان وته دليمن بر لي جاني/ لحنها أيضا وقمت بغنائها لتكون بداية انطلاقتي في عالم الغناء، اما القدير عبدالرحمن دريعي فقد كان مرافقا لي في الكثير من أعمالي وحفلاتي وكان معروفا بعزفه الراقي على الناي اضافة لحسه الموسيقي المرهف وثقافته العالية عدا عن كونه فنانا تشكيليا من الطراز الاول”
 من بغداد إلى بيروت واوربا رحلة فن متعبة:
الفن رسالة انسانية ولغة عالمية، وعندما تتاح الفرصة لنوصل فننا للعالم فنحن نعرفهم بنا وبحضارتنا وثقافتنا، ولهذا كان الفنان محمود عزيز كسفير للأغنية والفن الكردي عندما اتيحت الفرصة له للانطلاق إلى العالم وايصال صوت شعبه اليه، ويتحدث عن هذه الفرصة بإيجاز: في عام 1969 أتيحت لي الفرصة عبر احد أقربائي /محمد أمين كيكي/ لأسافر إلى بغداد وان اسجل أول ثلاث أغنيات لي وهي تلك التي أهداها إلي الشاعر بي بهار، وبعد ان اجتزت اختبارات القبول، ومن ثم توجهت إلى بيروت وبرفقة الصديق سليمان حمو وكان من اهالي سري كانيه، وبعد جهود مضنية اسسنا فرقة خاصة بنا باسم /كوما سركفتن/ التي ضمت في بداياتها نخبة من قامات الفن والغناء امثال الخالد محمد شيخو ورمضان نجم اومري ووزكي مارديني والفنانة /بروين- ثريا ملا احمد/ واقمنا الحفل الاول تحت رعاية رئيس الوزراء اللبناني وقتها صائب سلام، وبعد حوالي تسعة أشهر من التأسيس والتدريب وبتاريخ 18-12-1971م.، وكانت هناك فرقتان فنيتان ايضا هي فرقة نوروز للفنان سعيد يوسف وفرقة كلستان للفنان محمد طيب طاهر، ولا يفوتني ان اذكر انني غنيت ايضا أغان من الحان كل من –بيبهار، محمود بكي، حسين شاكر، ولحنين يونانيين، و لحن فارسي والحان فلكلورية- كا غنيت من كلمات كل من-بيبهار، جكر خوين-عمر لعلين خورتي كرد، دحام عبدالفتاح، محمود برازي، حميدقادو،  دلداري شكو- واعتذر ان كنت قد اغفلت ذكر اسم احد، وكذلك اقمت العديد من الحفلات في الاردن وكذلك المشاركة في الحفل الذي اقيم بمناسبة اليوبيل الفضي لتولي الملك حسين للحكم فيها.
بعد عام 2000 تلقيت دعوات لزيارة اوروبا وتلقيت دعوة خاصة من السيدة –نازلي جان- المقيمة بألمانيا وهي معروفة بمساعدتها ومساهمتها في دعم الفنانين الكرد عموم وكانت فرصة ذهبية لأقيم العشرات من الحفلات التي أوصلت من خلالها الفن والغناء الكردي لأغلب الدول الاوربية، وكنت ولم ازل مصرا على الفن الملتزم والهادف وللاسف اضطررت إلى مغادرة حلب والهجرة إلى باشور كردستان، هنا اذكر انني والموسيقار محمد علي كنا دوما نغني للوطن والام والانسان والاصالة والقومية الكردية وملتزمين بكل قضايا الامة والمجتمع.

الفن عيب في الرجل وحرام على المرأة
في وقت كان الفن فيه عيباً في الرجل وحراما على المرأة استطاع الفنان محمود عزيز شاكر وبعض رواد الغناء الكردي كسر تلك الحواجز وتمزيق تلك القيود والحواجز التي كان تحط من قدر الرجل والمراة على حد سواء وبخاصة المراة التي حرم عليها مقاربة كافة اشكال الفنك “عانينا في البدايات من حمل عبء الفن والغناء والكثير كان ينظر للمغني والفنان نظرة دونيةن حتى عندما كنا نفكر بالزواج كانت بعض العائلات تمتنع عن تزويجنا وكأننا “نخب ثاني”
أما المرأة فقد كان انضمامها للفن والغناء “التياترو” يعد من المحرمات والكبائر، رغم ذلك كانت البدايات مع تلك الفرق الموجودة حينها ثورة على الواقع،  وكانت الفنانة /بروين/ في فرقتنا، والفنانة شيرين ملا كانت في فرقة نوروز والفنانة سيفي برو متيني في فرقة محمد طيب طاهر، وهكذا تتالى انضمام المراة للحراك الفني وكسرت تلك الاسوار التي ابعدتها عن الفن وهي منبع الفن والجمال والعطاء”.
 فقدت نصفي الآخر لكني لن أتوقف عن العطاء
الاوضاع الحالية الاستثنائية أثرت وتؤثر بشكل كبير على مجمل الحراك الشعبي الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، يتحدث محمود عزيز عن هذه الناحية بكثير من الوجع ويضيف: ما حدث ويحدث ليس بالهين، فقد تغيرت المعطيات والظروف وحتى الثقافات والاهتمامات الفنية وتفاصيل الحياة اليومية، الأزمة السورية شتتنا واحتلال سري كانية أدمى منا القلب، فقدنا كل ما نملك فيها وفقدنا مدينتنا وبيوتنا وما عملناه وجنيناه في رحلة العمر، تعرض بيتي في حلب لصاروخ أتى على كامل البيت، وكذلك معملين صغيرين كنت املكهما، وغادر اخي بيته ومدينته بما يرتديه من ثياب فقط، وتعرض بيته للنهب وضاع كامل ارشيفه وكتاباته وآلاته الموسيقية وبعض المقتنيات التي لا تقدر بثمن، وفقداني لأخي ونصفي الآخر، كان ضربة صاعقة لي، تتالت الضربات الموجعة على، لكنني لن أفقد عزيمتي، ولأنني لا اريد أن يضيع ما تركه اخي محمد علي، أنا بصدد تسجيل اربعين أغنية جديدة من كلماته والحانه لم تسجل او تنشر من قبل، وهناك الكثير من الاغنيات التي سأقوم بتوثيق الحانها من جديد وهي قرابة 115 اغنية، وسبق أن غنيت له حوالي 170 أغنية، كان اخي محمد علي مستشاري ومرجعي الموسيقي وبعد رحيله اعتمد في ذلك على الفنان حسين شاكر الذي أرى فيه الكثير مما كنت أراه في أخي محمد علي، وفي القريب سأقوم بتسجيل عشر أغنيات بالتعاون مع مركز الثقافة والفن في الدرباسية والفنانين نوري علي  وطارق ميرزا وغيرهم.
 افتخر بشعبي وغني بما منحوني من محبتهم
في ختام حديثنا الذي طال ولم نمله قال فناننا القدير: ” مجموع ما غنيت وسأغنيه انشاء الله سيتجاوز ثلاثمئة اغنية، هو عربون حب لهذا الشعب العظيم الذي يستحق الكثير الكثير، ما خفف مصابي بأخي كان الحب الكبير والتعازي والمواساة الصادقة من هذا المجتمع الراقي، اتمنى ان احقق ما وعدت به، وان اكون صاحب رسالة اتمنى أن اكون قد أوصلتها، الفن الملتزم والهادف هو الغاية والهدف، انا غني بمقدار هذا الحب ممن حولي وشكرا لكل من احاطوني بالحب والتقدير”.