نوسوسيال

تقرير:نوس سوسيال / الإيزيدية أم الديانات في عمق التاريخ

477

​​​​​​​الإيزيديون .. تاريخ عريق ونظرات خاطئة

إن الشعب الكردي هو من أوائل الشعوب التي أمنت بالله الواحد الأحد و العريقة التي تقطن منطقة ميزوبوتاميا، ويعود تاريخهم إلى آلاف السنين  نسبهم الروحاني وتسميتهم نسبة ( نسبة إلى ئيزد بن شيث بن سيدنا نوح عليه السلام  )  ولعبوا دوراً أساسياً في مسار التاريخ والحضارة الديمقراطية ولكنهم ظلوا على هامش الحياة في يومنا الحالي، لأنه ليست هناك بحوث ودراسات بشأن تاريخهم، وغالبية ما كُتب عن الكرد هو محرّف فتارة يربطونهم مع الفرس وتارة مع العرب وتارة مع الجورجيين وغيرهم.

الكرد الإيزيديون هم أكثر من تعرضوا لحملات الإبادة والصهر بسبب الديانة التي يؤمنون بها، وفي هذا الملف سنتحدث عن الإيزيديين ومناطق انتشارهم، ديانتهم، ثقافتهم، مجازر الإبادة التي تعرضوا لها وآخرها على يد داعش، وتنظيمهم لأنفسهم بعد آخر مجزرة والسياسات التي تحاك ضدهم في الوقت الحالي.

“التاريخ ومناطق الانتشار”

جذور الإيزيديين ضاربة في التاريخ، فهم من الشعوب الأصيلة في منطقة الهلال الخصيب “ميزوبوتاميا” ويعود تاريخهم إلى آلاف السنين، وبحسب ما يتناقله رجال الدين الإيزيديين يعود التاريخ إلى 8 آلاف عام، وهناك نقوش موجودة في المنطقة، يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد.

وتؤكد العديد من الدراسات أن اللغة الإيزيدية هي أساس اللغة الكردية، ويقول الدكتور صديق زاده بوركي: “كان للكرد لغة وأبجدية تسمى بالأبجدية الكردية الإيزيدية”.

وما زالت آثار هذه اللغة موجودة في العديد من المخطوطات والشواهد الأثرية، فهناك مخطوطة تعود لكتاب إيزيدي مقدس موجودة في متحف النمسا وقد كتبت باللغة الإيزيدية.

كما أن هذه اللغة منقوشة على جدران معبد لالش، حيث تقول أغاثا كريستي التي زارت المعبد: “عند مدخل الضريح في لالش منحوت في الصخر ومنقوشة على يمينه صورة مجسمة لثعبان وعلى جدران سور المدخل كتابات بلغة الإيزيدية بدأت تفقد وضوحها بالنظر للتآكل والفعل الطبيعي للطقس مع عدم إدامتها”.

ويتواجد الإيزيديون تاريخياً في كردستان المقسمة بين تركيا وسوريا والعراق وإيران، بالإضافة إلى تواجدهم في أرمينيا وجورجيا، وبحسب كتاب “شرف نامه” الذي ألّفه المؤرخ والشاعر الكردي شرف خان شمس الدين البدليسي بين عامي 1597-1599م فإن أشهر مواقع تواجدهم هي: جزيرة بوطان، الموصل، دهوك، آمد، حلب، رها، خوي.

ويتركز تواجد الإيزيديين في جنوب كردستان حيث يوجد معبد لالش “حج الإيزيديين”، وبحسب الإحصائيات الموجودة يتراوح عدد الإيزيديين في هذه المنطقة بين 500 – 700 ألف نسمة موزعين في محافظة نينوى “قضاء شيخان، بعشيقة، بحزاني، شنكال، زمار. ألقوش”، ومحافظة دهوك “شاريا، مجمع خانك ومنطقة ديرهبون”.

وفي سوريا، ينتشر الإيزيديون في منطقة الجزيرة “سريه كانيه، تربه سبيه، الحسكة وعامودا”، منطقة عفرين، وعدد من أحياء مدينة حلب، وبحسب إحصاء عام 1963 بلغ عدد الإيزيديين 10 آلاف نسمة، ولكن الآن لا توجد إحصائيات دقيقة خصوصاً مع احتلال تركيا للقرى الإيزيدية في عفرين وسريه كانيه وتهجيرهم جميعاً منها وتدمير قراهم ومزاراتهم الدينية.

وفي باكور (شمال كردستان) يتركز تواجد الإيزيديين في منطقة جزيرة بوطان ولكنهم تعرضوا للتهجير بفعل المجازر التركية، إلى جانب تواجدهم في سيرت، رها، قرس، آكري، وأردهان.

الإيزيديون في تركيا تعرضوا للمجازر على يد العثمانيين وأحفادهم الأتراك ما أدى إلى تناقص أعدادهم، إذ تشير الإحصاءات أن عددهم تناقص من 30 ألف عام 1982 إلى حوالي 500 عام 2009 بفعل سياسات التضييق.

في حين كان تعداد الإيزيديين في جورجيا يبلغ 30 ألف نسمة ولكنه بدأ بالتناقص حتى وصل إلى أقل من 5 آلاف في التسعينيات.

أما في أرمينيا فتعدادهم يبلغ حوالي 40 ألف نسمة، ويتميز العدد بالاستقرار نسبياً، في حين يبلغ تعداد الإيزيديين حالياً في روسيا أكثر من 31 ألف نسمة بفعل الهجرة من جورجيا وبقية مناطق تواجدهم.

وغالبية الإيزيديين الذين أجبروا على ترك  ديارهم توجهوا إلى أوروبا الغربية ويتركز التواجد الإيزيدي في ألمانيا حالياً، مع وجود عوائل في غالبية دول أوروبا الغربية، ويقدر عدد الإيزيديين في أوروبا بما يزيد عن 50 ألف نسمة.

“ديانتهم”

إن الديانة الإيزيدية هي من أقدم الديانات في منطقة الخلال الخصيب “ميزوبوتاميا” ويعود تاريخها بحسب بعض المخطوطات إلى الألف الثالث قبل الميلاد.

وهذه الديانة تدرجت من العبادات الطبيعية إلى الوحدانية ولها معتقدات وطقوس خاصة بها، ويؤمن الإيزيديون في أن الله موجود في كل شيء، وأنه الأساس والمخلوقات أجزاء من روحه، ولأن الجزء تابع للكل، ففكرة تقديسهم للظواهر الكونية كالشمس والنور والقمر مبنية على أساس كون هذه الظواهر جزء من الذات الإلهية وتجسيد لقدرة الله الخارقة.

وكلمة إيزيد مشتقة من كلمة “يزدا” التي تعني الإله، وبالتالي فإن الإيزيدية تعني “عبادة الله”، ولدى الإيزيديين كتب مقدّسة، مثل كتاب الجلوة و”مصحف رش”، فيما يسمون الله أيضاً ” باسم “آزداي” أي من خلقني ومنه استمدوا أسمهم.

ولا يعتقد الإيزيديون في وجود الأرواح الشريرة، لأنهم يؤمنون أن الإقرار بوجود قوى أخرى يعني أن الإنسان مُسيّر وليس مُخيّرا؛ لذلك فالإنسان في العقيدة الإيزيدية هو المسؤول الوحيد عما يفعل، وأن الله كله خير، أما الشر فيأتي كنتيجة لأفعال البشر، وهم يؤمنون أن الصراع بين الخير والشر هو في الأساس صراع بين النفس والعقل فإذا انتصر العقل على النفس نال الإنسان خيراً، وإن انتصرت النفس على العقل، نال الإنسان شراً.

ولدى الإيزيديين حج خاص بهم في لالش بباشور كردستان، حيث يتواجد ضريح الشيخ آدي ، ولالش أيضاً هو مقر المجلس الروحاني للديانة الإيزيدية في العالم.

ويحج الإيزيديون إلى لالش في الـسادس من شهر تشرين الأول، ويستمر الحج 7 أيام يقدم خلالها الحجاج الأضحية والقرابين ويغتسلون بمياه نبع كانيا سبي”  العين البيضاء “

والإيزيدية ديانة غير تبشيرية؛ ولا يجوز لأحد اعتناقها إلا إذا ولد إيزيدياً، كما أن من يتركها لا يعود إليها مرة أخرى.

ولا توجد عند الإيزيديين ما تسمى الصلاة بل يطلق عليها اسم الدعاء لله وطاووسي ملك، ويتوجهون خلالها للشمس عند الشروق والغروب، بينما يتلو الإيزيديون نص ” شهادة الدين” قبل النوم.

ويُحرم الإيزيديون الزنا والكفر والإشراك بالله وشهادة الزور وأكل الخنزير وشرب الخمر والكذب والغش والرياء والنميمة، والزواج من زوجة الأخ المتوفي.

وهناك طقوس خاصة لدى الإيزيديين، إذ يُعتبر غسل المولود في منبع كانيا سبي”العين البيضاء” واجباً، في لالش ، وحمل “البرات” كرات صغيرة مصنوعة من تراب لالش مخلوطة بالحليب، ويرتدي الطفل  طوق خاص يسمى بطوق إيزي ويتم غسله من قبل “البير” وهو أحد طبقات رجال الدين.

وفي مراسم الزواج يتم تقسيم رغيف الخبز إلى نصفين ويعطى أحدهما للعروس والآخر للعريس.

وبحسب الإيزيديين فإن يوم الأربعاء هو يوم خلق الكون، الأمر الذي يستوجب أن يُعطّل الناس أشغالهم فيه ويتفرغوا للعبادة.

ويدفن الإيزيديون موتاهم، ووجههم يكون مواجهاً للشمس، كما  أن قبورهم تكون غير ظاهرة وغير مبالغ في بنائها. وأثناء الدفن يتم قراءة تراتيل دينية.

وينقسم الإيزيديون إلى ثلاث طبقات دينية هي “الشيخ، البير والمريد”، ولا يجوز التزاوج بينها، كما لا يتزوج الإيزيدي إلا إيزيدية.

تعاليم الإيزيديين الدينية والأدعية والصلوات والشعائر ليست مكتوبة وتنتقل فقط عن طريق التلقين الشفهي، مما يتسبب في ضياعها بموت رجال الدين.

لالش

يعتبر معبد لالش “لالش نوراني” واحداً من أهم المواقع الأثرية والمقدسة لدى الكرد عامة والإيزيدين خاصة، ويقع في  منطقة شيخان في باشور كردستان، في وادٍ تحيط به الجبال من ثلاث جهات، فمن جهة الجنوب جبل مشتي، ومن جهة الشمال جبل آرفات، ومن جهة الغرب جبل حزرتي، ولا أحد يعرف تاريخه بالضبط، ولكنه بحسب الإيزيديين يعود إلى 8 آلاف عام.

وكثرت الآراء حول تسمية لالش، وهذه الآراء لم تستند إلى أدلة علمية، وتاريخية بسبب عدم وجود دراسات، وتنقيبات أثرية علمية عن معبد لالش لمعرفة تاريخه، ومعنى اسمه، والفترة التي يعود إليها.

وهناك العديد من الآراء حول التسمية ولكن الرأي الأقرب إلى الحقيقة هو أن تسمية لالش جاءت من (لاكش) الكوتية والتي تعني (النور، الحياة)، وهنا تعد مدينة لاكش من أقد المدن السومرية بعد مدينة أوروك وأور وتسميتها قريبة من تسمية المعبد.

وبحسب ما جاء في النصوص الدينية الإيزيدية، فإن تسمية لالش تعني “خميرة الأرض” وبحسب النصوص فإن الأرض كانت في البداية بحالة سائلة (كلها بحار ومياه) وبعد أن أنزل الله فيها لالش تكونت الأرض ونزلت فيها ملائكة العرش وملك طاؤوس رئيس الملائكة السبع بحسب الإيزيديين ونزل على  الأرض لشجرة تسمى” هرهر” أي شجرة الحياة في لالش.

“أهم الأعياد”

لدى الإيزيديين أعياد كثيرة تعكس مدى غنى إرثهم الحضاري، ومن أهم الأعياد الإيزيدية:

– عيد جمايا أو جما: يستمر من 6 – 12 تشرين الأول/أكتوبر.

– عيد إيزيد أو عيد الصوم: ويصادف الأسبوع الثاني من شهر كانون الثاني/يناير، حيث يصوم الإيزيديون ثلاثة أيام ثم يكون الجمعة عيداً.

– عيد بي خوين أو خدر إلياس: ويصادف الجمعة الثانية من شهر شباط.

– عيد رأس السنة الإيزيدية أو الأربعاء الأحمر “Çarşemba sor”: ويصادف أول أربعاء من السنة الجديدة بحسب التقويم الشرقي (الأربعاء الأول من شهر نيسان).

– باتزمي أو باتيزما بير آلي: وتبدأ مراسم العيد في يوم الأحد الأول بعد رأس السنة الشرقية ويستمر مدة 7 أيام، ولكل يوم تسمية وطقوس خاصة.

“الطبقات الدينية”

يقود الإيزيديين أمير ويمثلهم في جميع المحافل الدولية، وينحدر الأمراء من عائلة واحدة تعرف بعائلة “ميرا”

وتقسم الديانة الإيزيدية وفق نظام معين من الطبقات، وهي كالتالي:

الشيخ: وهي الطبقة الأكثر تبجيلاً، والتي ينحدر أعضاؤها من الشيوخ.

البير: وتعني بالكردية “العجوز”، وينحدر أعضاؤها من بير آلي وهو أحد أصحاب آدي.

المريد: يمثلون غالبية الإيزيديين، حيث أن كل من لا ينتمي لإحدى الطبقتين المذكورتين أعلاه فهو من طبقة المريد.

أما رجال الدين عند الإيزيديين فهم ينقسمون إلى ثلاثة أنواع:

الفقير: وهو من الأشخاص الملمين بالدين وهو ذو قدر كبير لدى الإيزيديين، ويجب أن لا يكون قد تلاعب بلحيته وشاربه بتاتاً منذ ولادته وأيضاً يلبس لباس يسمى” خرقا” يعتبر مقدس مصنوع من الصوف ولا يجوز التعدي أو إهانة من يلبسه مطلقاً.

القوالون: وهم الذين يقرؤون التراتيل الدينية الإيزيدية، ويتناقلون حفظ التراث الديني أباً عن جد.

العرافون “خلمتكار”: وهم العاملون في معبد لالش، ويعتقد الإيزيديون أنهم يملكون قدرات روحية خاصة.

“نظرات خاطئة ..”

نظراً لأن تعاليم الديانة الإيزيدية ليست مكتوبة وتنقل شفهياً، لذا لا أحد يعرفها سوى الإيزيديين، وهذا ما يجعل الكثير من المفاهيم الخاطئة تنتشر حول الإيزيدية.

ومن تلك المفاهيم الخاطئة وصف الإيزيديين بأنهم من المجوس، وأيضاً بأنهم عبدة الشمس، وكذلك عبدة الشيطان، كما يعتقد آخرون وخصوصاً المتشددين من المسلمين بأن اسمهم يرجع إلى يزيد بن معاوية ثاني الحكام الأمويين (647-683 ميلادية)، فيما يذهب البعض ويربطهم بمدينة يزد في فارس، وكل هذه المفاهيم خاطئة.

وكانت هذه المفاهيم الخاطئة السبب دوماً في تعرض الإيزيديين للمجازر والسياسات العنصرية.

تقرير حسن ظاظا