نوسوسيال

بقلم الإعلامي دجوار أحمد أغا/ الإعلام وتأثيره على الدول و المجتمعات

525

 

يُعاني العالم من صراعات و تغيرات سياسية وفكرية و نزاعات عسكرية وتحولات ديمقراطية , ويعيش الناس حالة من التطورالمتسارع والمتلاحق للأحداث , مما يجعل من الفكر والحوار السياسي بين الدول والمجتمعات متأثرا وبشكل كبير بالعديد من التبدلات وعلى رأسها العولمة – الإرهاب الدولي – تبعات الإحتباس الحراري – الحروب الأهلية – النزاعات المسلحة في العديد من الدول وخاصة في منطقة الشرق الأوسط ( سوريا – تركيا – ليبيا – اليمن – إيران ..) نموذجا . هذه الحروب و الصراعات والأزمات لم تأتي من فراغ , إنما هي نتيجة لتغلغل السلطة والدولة في مسمات المجتمعات وفي أدق تفاصيل حياتها اليومية بحيث أصبحت المجتمعات مستباحة ومخترقة بشكل فظيع , تتلقى وتتلقف كل ما ترمي به إليها القوى المهيمنة كونها فاقدة لآلية دفاعها عن نفسها في مواجهة هذه الهجمات الإعلامية الشرسة , وتحت مسمى ” حرية الإعلام ” و ” إعلام العالم الحر ” يتم قصف العقول .
منذ القديم وعلى مرالعصور, كان للإعلام دورمهم وفعال و مؤثرفي حياة الأفراد والمجتمعات سواء سلبا أو إيجابا , من خلال الخطاب المؤثرفي تنظيمهم وتجميع قوتهم و توجيهها نحو القيم والأخلاق المجتمعية والمبادىء الإنسانية والأهداف النبيلة من الناحية الإيجابية , أوعبرتزييف الحقائق وفبركة الأخبارالكاذبة وتلفيق التهم الباطلة بحق الناس الشرفاء بغية تضليل الأفراد والمجتمعات وحرفها عن طريقها الصحيح , خدمة للسلطات المهيمنة والإنظمة المسيطرة من الناحية السلبية . وهكذا نرى بأن الإعلام مثلما له أدوار إيجابية , له أدوار سلبية أيضا . بالإضافة الى كونه متنوع وله أوجه وجوانب عدة منها : الجانب السياسي – الإجتماعي – الإقتصادي – العسكري – الرياضي … وغيرها .
كانت ولا زالت أهم وظائف الإعلام هي :

1- نقل الأخبار بحيث يتم ربط الشخص المتابع للإعلام بالعالم الخارجي وما يجري من حوله من الأحداث .

2- التعليم ويتم من خلاله تمكين الشخص الحصول على المعلومات التي تزيد من خبرته و تطور مهاراته في مجال إختصاصه .

3- ربط المجتمع ببعضه ونقل تراث وخبرات الأباء و الأجداد الى الأبناء و كذلك ربط أفراد الأسرة بعضهم ببعض وإستمرارالتواصل فيما بينهم رغم بعد المسافات .

4- الترفيه من خلال الكوميديا و تلطيف الأجواء والتي يحتاجها الإنسان ليستطيع الإستمرارفي مسيرة الحياة .

5- الرقابة يمكن للإعلام أن يلعب دور المراقب والمتابع للأنشطة والأعمال والمشاريع التي يقوم بها الأفراد والمؤسسات على حد سواء , وعند إكتشافه أي خلل أوتقصير فيها , يتم إبلاغ الجهات المعنية بالأمر وكذلك التشهير بالناهبين للمال العام والمفسدين .

6- الإعلان و الترويج يتم عن طريق الإعلام الإعلان عن الأنشطة الثقافية و الإجتماعية و السياسية من منتديات و ندوات وحوارات ومناسبات وكذلك يتم الترويج للسلع و البضائع .

7- تكوين إتجاهات الرأي العام يساهم الإعلام و بشكل كبير في تكوين وتوجيه إتجاهات الرأي العام حول قضية أو حدث ما و على وجه الخصوص عندما يكون ذلك الإعلام ذو نوع من الحيادية و المصادقية في نقل الحدث و بشفافية , حينها تزداد نسبة المتابعة و يتم خلق رأي عام مؤيد أو معارض لتلك القضية أو الحدث .
أصبح الإعلام في العصرالحديث ذو دور فعال وتأثيرمضاعف في العديد من الميادين ومجالات الحياة , وقوة رئيسية في حسم قضايا الحرب والسلم , وفي بناء وتوطيد أركان الدول أوهدمها , وبالتالي أضحى قوة لا يستهان بها و يُحسب لها حساب مثلها مثل القوة العسكرية و الإقتصادية . لذا نرى بأن من يسيطرعلى الإعلام ويتحكم به هي ( القوى الرأسمالية العالمية المهيمنة والمالكة للإعلام من كبريات الصحف ودورالنشروالقنوات الفضائية وحتى وسائل التواصل الإجتماعي من فيسبوك وتويتر وانستغرام وتليغرام و واتساب وغيرها ) .
مع التطور التكنولوجي الهائل لعلوم الإتصالات وأجهزة التواصل اللاسلكية و الأقمار الصناعية والتي يمكننا تسميتها بثورة ” الإعلام والمعلوماتية ” التي تفجرت في النصف الثاني من القرن العشرين بحيث أضحت تتحكم بالشعوب و المجتمعات من خلال إحلال المجتمع الإفتراضي المبتكر محل المجتمع الحقيقي , خاصة وأن الكرة الأرضية أصبحت مثل قرية صغيرة , أصبح للإعلام المقروء والمسموع و المرئي دورا رئيسيا و أساسيا أكبرفي إدارة الدول والمجتمعات على حد سواء , وأصبح له اليد الطولى في إثارة الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي , و صار يُعرف ب ” السلطة الرابعة ” . – السلطات الثلاثة الأخرى هي ( التشريعية – التنفيذية – القضائية ) – . إستطاع الإعلام الوصول الى منبع الخبر وأن يفضح إنتهاكات حقوق الإنسان وأن يبرز بوضوح و موضوعية الجرائم التي أُرتكبت بحق الإنسانية من إبادات و صهر ومجازر وحشية جرت خلال الحقبة الماضية ( المجازر والإبادة العثمانية الطورانية بحق الكرد والأرمن والأشوريين والسريان من خلال مذابح السفربرلك وسيفو وكوجكيري و ديرسم وغيرها ومجازرالصهيونية بحق أبناء فلسطين في ديرياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وقانا وغيرها نموذجا ) .
أصبح الإعلام صناعة رائجة و رابحة و تساهم في إحكام السيطرة على الدول والمجتمعات في نفس الوقت , حيث يتم من خلالها بث الأخبار بعد دراستها من كافة الجوانب المحيطة بالحدث ليتم الحصول على النتيجة المرجوة منه , ويتم تصنيع الخبروتجهيزه في مختبرات خاصة . حيثما يكون الحدث , يكون الخبر. يتم بثه على مدار الساعة وبإسلوب مثير بحيث يؤثرفي سلوكيات و توجهات الأفراد والمجتمعات على حد سواء . الإعلام لا يكتفي بنقل الحدث بل يقوم بالتحليل و يتواصل مع شهود عيان و يحقق في الحدث و يُثير التساؤلات و يوجه الرأي العام إما الى التعاطف مع الحدث إن كان في مصلحة الجهة الراعية له, أو إلى معارضة الحدث ورفضه عندما لا يكون لها مصلحة في ذلك .
بناء الإنسان هوالأساس في بناء المجتمعات والدول , والإعلام أصبح كأداة للتغييروبات بمقدوره مخاطبة عقل الإنسان دون أية حواجز أوعراقيل , خاصة في ظل إضطرارالكثيرمن الدول الى تخفيف القيود على الإعلام والإعلاميين بإعتبار أن الإعلام يجب أن يكون حُرا ..
لم تبقى الكلمة هي الأداة الوحيدة في الإعلام , بل أصبح بمقدور الصورة أن تنطق وتعبرأكثرمن الكلمة ذاتها في الكثيرمن الأحيان ويتم من خلالها إستهداف مشاعر وعواطف المشاهدين لكسب تعاطفهم مع القضية المراد تسويقها .
الجانب الذي نود التركيزعليه هنا هوضرورة أن يكون لدى الجماهير إعلامها الخاص بها الذي يعمل من أجل توحيد صفوفها وجهودها في التغلب على الصعاب والعراقيل التي يتم وضعها في طريقها و يتم تقوية جبهتها الداخلية وزيادة التلاحم بين أبناء المنطقة خاصة هنا في شمال وشرق سوريا المستهدفة بشكل كبير بسبب مشروعها الإنساني الهادف والداعي للعيش المشترك .لا بد للإعلام الجماهيري من تعبئة هذه الجماهير و توحيد قوتها لتكون على مستوى الحدث و تعي حقيقة ما يجري حولها من مؤامرات ودسائس وأخطار للنيل من مكتسباتها والإنجازات التي حققتها بفضل تضحيات و دماء شهدائها . لذلك يقع على عاتق هذا الإعلام الجماهيري أن يكون شفافا وصريحا دون أي غموض أو لبس , عليه أن ينتقد مكامن الخلل سواء في الأداء أو في الأشخاص وأن يظهر الأمورعلى حقيقتها دون زيادة أو نقصان , ويكون عونا لهذه الجماهير المضحية في سبيل الحفاظ على مكتسباتها وحماية إنجازها الكبيرالمتمثل بالإدارة الذاتية الديمقراطية , إلى جانب فضخ المفسدين والإنتهازيين والمتسلقين الذين شوهوا سمعة هذه الإدارة .
دجوار احمد كاتب وصحفي سوري وخبير في مجال الاعلام المقروء والمسموع والمتلفز.