*
كيفية مواجهة خطاب الكراهية
الكراهية هي شعور يتولد مع الوقت ونتيجة عوامل كثيرة تستبدل المحبة الفطرية بالكراهية نتيجة خطابات من جهات متعددة تسهم في بناء الكراهية في النفوس ، فتصبح سلاحاً للتدمير الذاتي لأي مجتمع عبر تفكيك بناءه وانقسامه ، ولا أظن أحداً في عالمنا لا يخشى خطاب الكراهية سواء كان بين الأفراد أو الجماعات أو الأحزاب او الطوائف ، فهو خطاب يجعل المجتمع متنافراً ومن ثم يولد بينهم البغضاء فيضل كل منهم يتربص بالآخر ويخشاه وهذا حالنا في سورية اليوم وما نحن عليه ونعيشه ، ويعتبر أخطر هذه الخطابات الحزبي منها والطائفي والتي صنعت خصيصاً لتوليد الكراهية العمياء بين أفراد الشعب ، وبدورها تؤدي إلى تناحر إن لن لم نقل القتال وهذا الأمر له شواهد من الواقع المرير الني نعيشه ونتقاسمه اليوم على صعيد الواقع الملموس لحياتنا اليومية من الوضع السوري المرير والمتأزم ، هذا الأمر منح أعداءنا حافزاً للنيل منا. يعتبر خطاب الكراهية ظاهرة اجتماعية وسياسية واتصالية معقدة ومركبة ، تفاقمت وتنامت بالتزامن مع التحولات السياسية في سورية فالكراهية تصنعها عدة عوامل تبدأ من التربية الأسرية تليها المدرسة ، وأيضاً قد يتسبب فيها الخطاب السياسي والديني المتشدد ، ويشترك في ذلك أيضاً وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت المنبر الأول الآن لخطابات الكراهية ، فهي وسيلة إعلام مجانية للجميع ، هذا بالإضافة إلى غياب التشريعات التي تعاقب على بث خطاب الكراهية في كثير من دول العالم ومنها سورية ، وكان الإعلام الجديد ميداناً لها فهذا الفضاء الإلكتروني الذي خلق حرية مطلقة بلا ضوابط أخلاقية وقوانين رادعة ، فهي تنشر دون رقابة أو فضاء مقيد ، جعل أبواب تلك المواقع مشرعة وتتسع لكل من يغذي الكراهية المتخمة بالحقد على الآخر . هناك تزايداً ملحوظاً في اللجوء إلى استخدام بعض الفاظ وعبارات ذات ملامح مباشرة وغير مباشرة تندرج تحت مفهوم خطاب الكراهية بقصد أو بعكسه ، والاحتماء بذلك خلف ما يسمى بحرية التعبير أحد حقوق الإنسان. وإن أكثر ما يميز هذا الخطاب أنه ينتشر بشكل ملفت بين جيل الشباب المتعلم عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام الجديد ، حيث الفضاء الرحب في حرية التعبير وغياب الرقابة ، مما يستدعي توضيحاً لمفهومه وإطاره العام وأثره السلبي واستراتيجيات مواجهته ، ولهذا فقد فاق تأثيرها كل التوقعات وتخطت جميع وسائل الاتصال ، وبطريقة مباشرة أوغير مباشرة أصبح الفضاء الاجتماعي والثقافي مهيئاً لانتشار خطاب الكراهية بين الخصوم والفرقاء وأصبح خطاب الكراهية هو الوسيلة الأولى من وسائل الاستقطاب السياسي . تواجه سورية اليوم الكثير من التحديات ولاسيما في مجال الأمن الفكري والنفسي والمجتمعي خصوصاً بعد المخاض العسير الذي أعقب الثورة والمد والجزر بين المعارضة والموالاة ومكونات الثورة ولايزال ذلك المخاض العسير مستمراً في شكل صراعات سياسية وايدلوجية تستهدف أمن العباد والبلاد من خلال إثارة الفتن ونشر العداوة والإقصاء الممنهج الذي يشكل العنصر الأساس في تنامي خطاب الكراهية وما من شك أن هذا التنامي سوف ينعكس سلباً على المجتمع ويصبح ظاهرة اجتماعية وسياسية تزيد في تعميق جراحات الشعب السوري . بل وتساهم في إظهار الكراهية بين الفرقاء وقد تصل إلى درجة انفراط عقد السلم ،واستحكام الفوضى الخلاقة وهنا وجب السؤال الصريح ؟
على من تقع المسؤولية الكبرى في إخماد خطاب الكراهية في سورية !!!
تقع أولاً وبالدرجة الأولى على النخب المثقفة والتي يجب أن تشكل أحزاباً سياسية وطنية تكون القلعة المنيعة تحتضن الشعب تحميه وتدافع عنه والوطن عند هذه الأحزاب مقدس ، ومصلحة الوطن فوق أي مصلحة ذاتية أو حزبية. تتسابق على التضحية في سبيله. هذه الأحزاب نجحت في فترة ما نظرياً ، لكنها سقطت سقوطاً مدوياً في الترجمة العملية ، الزعماء المخلصون قد يفلحون في قيادة شعوبهم ولكن لمشوار قصير، ولن يكونوا بديلاً عن الشعب ليختزلوه في شخصهم . لكن المنكوبة سورية ابتلت ببعض الأحزاب ( أقول البعض منها ) أقل ما يقال فيها أنها غير وطنية ، وأن انتماءها للأجنبي أعمق من انتمائها للوطن وأن مصلحتها أهم بكثير من مصلحة الوطن . هذا التشرذم إن جاز التعبير خلق فجوة من الصعوبة بمكان ردمها مما جعل كل طرف يكيل للآخر معايير من التهم ويضع نفسه بالصف الأول ، هذا الأمر يستوجب العودة للوراء وتوحيد ما أمكن من الصف لينعكس إيجابياً على توحيد الخطاب ومنه يكون المخاض يسيراً في موجهة التحديات التي تحدق بنا جميعاً للوصول إلى بر الأمان وإنقاذ ما أمكن من سورية ، الخطر يداهمنا جمعاً وكلنا في نفس القارب ولا زلنا نلقي باللائمة على بعضنا ولا زلنا نناقش العربة امام الحصان أم الحصان أمام العربة ، توحيد الخطاب مرهون بقبولنا ببعضنا البعض ،
ثانيا قد لا يكون التجريم القانوني لخطاب الكراهية هو الحل الأمثل ، ولكنه رادعاً وعنصراً مكملاً لمنظومة الوقاية ، وهو أمر ليس بجديد ، بل بدأ مع ظهور الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في ستينيات القرن الماضي ، والتي تعد أول اتفاقية دولية تجرم بشكل مباشر خطاب الكراهية. وقد بدأت العديد من الدول في أوروبا بإصدار قوانين تجرم خطاب الكراهية ، وكذلك في الوطن العربي حيث أقرت بعض الدول منها قانوناً لمكافحة التمييز والكراهية وهو ما نحتاجه بشدة في سورية لمواجهة خطر خطاب الكراهية في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل . نحن بحاجة لقضاء مستقل يمكن العودة إليه لمحاسبة ناشري الكراهية وبرلمان يشرع قوانين أو دساتير تحترم بهذا الخصوص وهذا غير متاح في ظل الظروف الراهنة .
خلاصة القول : على قوى التغيير الوطنية أن تجد سبيلاً توحد به صفها وأن تبادر بمواجهة خطاب الكراهية ، إذا أرادت ان تجد مخرجاً من الوضع المتأزم الراهن ، والتأسيس لمستقبل افضل للأجيال القادمة ،
القامشلي في 27-4- 2020
* الدكتور حسين العزام
الرئيس المشترك للمجلس التشريعي اقليم الجزيرة.