نوسوسيال

تقرير نوس سوسيال/ أين يتجه الاقتصاد العالمي بعد كورونا…؟…

569

أين يتجه اقتصاد العالم بعد أزمة “كورونا”؟.. الفيروس يعيد صياغة حركة القطاعات الاقتصادية.. الصين الأكثر تضررا من الركود وتراجع حركة التجارة والصادرات.. والأونكتاد تتوقع عجزا ف الدخل العالمى بقيمة 2 تريليون دولار

شهدت أسواق الأسهم والبضائع في الصين تراجعا ملحوظا منذ الإعلان عن انتشار فيروس كورونا في الصين، كما امتد أثر هذا الفيروس إلى الأسواق الآسيوية والأميركية، على حد سواء، إذ أدى انتشار الفيروس الي تقييد حركة السفر والتجارة بين البلدان، وزاد الإنفاق على العملية الاحترازية للحد من انتشاره.
و انعكس انتشار الفيروس على النمو الاقتصادي والطلب العالمي على النفط، بل أن انتشار هذا الوباء أثر بالسلب على معنويات المستثمرين، وهو ما دفع الكثير منهم إلى التوجه نحو الأصول الآمنة على غرار الذهب، والتي ينظر إليها كملاذ آمن للتحوط في أوقات الأزمات.
انتشار وباء كورونا له تداعيات عديدة على الاقتصاد العالمى، ليس الصيني وحسب، إذ يؤكد جوليان إيفانز بريتشارد، كبير الاقتصاديين الصينيين في كابيتال إيكونوميكس، إن الانتشار السريع للفيروس يعني أنه لم يعد هناك أي شك في تعطيله الاقتصاد خلال هذا الربع.
وفي سياق متصل، يقول كبير محللي الأسواق في أواندا، إدوارد مويا، إن المخاوف باتت تتزايد من تأثير حظر السفر بشكل كبير على الاقتصاد، في حين أن البعض قلق من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 1% أو حتى أكثر خلال الربع الأول من العام 2020.
البنك الدولي بدوره أعد دراسة، أكد فيها أن انتشار الأوبئة والأمراض يكلف الاقتصاد العالمي نحو 570 مليار دولار سنوياً، أو ما يوازي نحو 0.7% من حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ولكن يبقى الأثر الاقتصادي لفيروس كورونا الجديد رهنا بتطورات جهود منع انتشاره، والتي تتخذها مختلف دول العالم بشكل متسارع.

تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي

ويرى المحللون، أن استمرار تفشي وباء كورونا يمكن أن يسبب أزمة اقتصادية لشرق آسيا بأكملها، ويتسبب الفيروس أيضًا في خسائر عالمية، فقد تسبب تفشي الوباء في خسائر اقتصادية عالمية قدرت  الـ 50 مليار دولار، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أن الاقتصاد العالمى معرض لخسارة أكثر من 2 ترليون دولار.

وقد تجاوزت خسارة الصين وحدها نحو الـ 20 مليار دولار خلال الأيام القليلة الماضية، خاصة وأن فترة حضانة المصاب لفيروس كورونا المستجد أكبر بكثير من باقي الفيروسات الأخرى، إذ تبلغ حوالي 10 أيام، وهوما قد يؤدي إلى ركود اقتصادي يضغط على تمويل الصحة العامة مما يزيد من إضعاف قدرة العالم على منع أو احتواء تفشي الفيروس بعد ذلك.
العديد من المراكز البحثية والمحللين الاقتصاديين قرروا اعادة النظر في توقعاتهم لنمو الاقتصاد العالمي في 2020، وذلك بفعل الانتشار السريع للفيروس، وتتوقع مؤسسة أكسفورد للاقتصاد ، أن يتراجع نمو الاقتصاد الصيني بنحو 0.4 نقطة % ليصل إلى 5.5%، بحلول العام 2020، وذلك نتيجة لتفشي الفيروس، كما تتوقع أيضا تراجع نمو الاقتصاد العالمي بنحو 0.2%، ليصل إلى 2.1% في 2020، وبدوره توقع بنك جولدمان ساكس، أن يتراجع نمو الاقتصاد الصيني بنحو 0.4 نقطة مئوية ليصل إلى 5.5%، فيما توقع تراجع نمو الاقتصاد الأميركي بنحو 0.4 نقطة مئوية في الربع الأول من هذا العام.
وأشارت (كابيتال ايكونوميكس) إلى تراجع الاقتصاد الصيني بفعل إغلاق العديد من المصانع، اضافة الي تأثر العديد من الأسواق الناشئة، وبالأخص الاسواق الآسيوية، بشكل كبير نتيجة لانتشار هذا الفيروس، كما توقعت خسارة كلا هونج كونج, وتايلاندا كمبوديا نحو 3%، من الناتج المحلي الإجمالي لبلادها.
وقد جدد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في دراسة تحليلية أن الصدمة التي تتسبب بها كورونا ستؤدي إلى ركود في بعض الدول وستخفّض النمو السنوي العالمي هذا العام إلى أقل من 2.5%، وفي أسوأ السيناريوهات قد نشهد عجزا في الدخل العالمي بقيمة 2 تريليون دولار، داعية إلى وضع سياسات منسقة لتجنب الانهيار في الاقتصاد العالمي.
وأشارت منظمة الأونكتاد إلى أن تباطؤ الاقتصاد العالمي إلى أقل من 2% لهذا العام قد يكلف نحو تريليون دولار، خلافا لما كان متوقعا في سبتمبر الماضي، أي أن العالم على عتبة ركود في الاقتصاد العالمي.
وفي مؤتمر صحفي عُقد في جنيف، يوم الاثنين، 9 مارس 2020، قال ريتشارد كوزيل رايت، رئيس قسم العولمة والاستراتيجيات التنموية بالأونكتاد، إن ما يحدث للاقتصاد العالمي لم يكن يتوقعه أحد، لافتا إلى أن انهيار سعر النفط أصبح العامل المساهم للشعور بالذعر وعدم الراحة، ولهذا السبب من الصعب التنبؤ بحركة الأسواق، هذه الحركة تشير إلى عالم شديد القلق، وهذه الدرجة من القلق تتجاوز المخاوف الصحية وهي خطيرة ومثيرة للقلق، ولكن التداعيات الاقتصادية تتسبب بقلق كبير.
وفي دراسة تحليلية أصدرتها الأونكتاد، ذكرت أن فقدان ثقة المستهلك والمستثمر هي أكثر النتائج المباشرة لانتشار العدوى، إلا أن الدراسة أكدت أن مزيجا من انخفاض أسعار الأصول وضعف الطلب الكلي وتزايد أزمة الديون وتفاقم توزيع الدخل كل ذلك يمكن أن يؤدي إلى دوامة من التراجع تجعل من الوضع أكثر سوءا.
ولم تستبعد الدراسة الإفلاس واسع النطاق، وربما ستتسبب في انهيار مفاجئ لقيم الأصول التي تمثل نهاية مرحلة النمو في هذه الدورة، وأشارت الدراسة إلى أنه يمكن مقارنة الأزمة الاقتصادية الآسيوية التي حدثت في أواخر التسعينيات مع الوضع الحالي، لكن تلك الأزمة برزت قبل أن تصبح الصين بصمة اقتصادية عالمية، كما أن الاقتصادات المتقدمة كانت جيدة نوعا ما، لكن الوضع يختلف اليوم.
ووضعت الأونكتاد سيناريو يوضح تأثير هبوط أولي على الاقتصاد، ووجدت الدراسة أن العجز سيكون بمقدار 2 تريليون دولار في الدخل العالمي، و220 مليار دولار في الدول النامية، باستثناء الصين، وتوقع كوزيل، أنه في أسوأ السيناريوهات حيث ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 0.5%، فإننا نتحدث هذا العام عن خسائر تُقدر بنحو 2 تريليون للاقتصاد العالمي.
وفي دول مثل كندا والمكسيك وأميركا الوسطى، ودول مثل شرق وجنوب آسيا والاتحاد الأوروبي، فإنها سوف تشهد تباطؤا في النمو بين 0.7% و0.9%، كما أن من تربطها علاقات مالية قوية مع الصين ربما ستكون الأقل قدرة على التعافى من تأثير أزمة كورونا على الاقتصاد.
وفي أميركا اللاتينية، توقع تقرير “الاونكتاد” أن تعاني الأرجنتين أكثر من غيرها من الآثار المترتبة على هذه الأزمة، ولن تكون الدول النامية التي تعتمد على تصدير المواد الأولية بعيدة عن الأزمة بسبب الديون وضعف العوائد التصديرية بسبب الدولار القوي، وذكر كوزيل إن احتمال وجود دولار أقوى في الوقت الذي يسعى فيه المستثمرون إلى البحث عن ملاذات آمنة لأموالهم، والارتفاع شبه المؤكد فى أسعار السلع مع تباطؤ الاقتصاد العالمي، كل ذلك يعني أن مصدّري السلع الأساسية معرّضون للخطر بشكل خاص.

الحد من الآثار الكارثية لكورونا على الاقتصاد العالمي:

تؤكد منظمة الأونكتاد، ان الاعتقاد في سلامة الأسس الاقتصادية والاقتصاد العالمي الذي يصحح نفسه، أمران يعرقلان التفكير السياسي في الاقتصادات المتقدمة، وهذا الاعتقاد سيؤدي إلى إعاقة التدخلات السياسية الأكثر جرأة، واللازمة لمنع تهديد أزمة أكثر خطورة، ويزيد من فرص أن تتسبب الصدمات المتكررة في أضرار اقتصادية خطيرة في المستقبل.

وأشارت الأونكتاد إلى أنه لا يمكن للبنوك المركزية أن تحل الأزمة وحدها، بل ان هناك حاجة إلى سلسلة من الاستجابات السياسية والإصلاحات المؤسساتية لمنع الفزع الصحي المحلي في سوق المواد الغذائية في وسط الصين من التحول إلى انهيار اقتصادي عالمي.
ومن أجل تدارك هذه المخاوف، فانه يجب على الحكومات أن تنفق في هذه المرحلة للحيلولة دون وقوع انهيار قد يُحدث أضرارا أكبر من تلك المتوقعة أن تحدث خلال هذا العام، ودعا المسؤول في الأونكتاد الولايات المتحدة المشرفة على انتخابات رئاسية أن تتخذ إجراءات تفوق مجرد تخفيض الضرائب ونسبة الفوائد، أما في أوروبا، والتي شهدت دولها تراجعا في الاقتصاد في أواخر 2019، فمن المتوقع أن يسود التراجع خلال الأشهر المقبلة.