نوسوسيال

كتب : حسن ظاظا : حي القيمرية الكردي من أقدم الأحياء الدمشقية

970

 

 

 

يعتبر القيمرية واحداً من أعرق الأحياء الكردية في بلاد الشام وأجملها؛ فهو قلب دمشق وجار الجامع الأموي وأحد عناوين أصالته، كان ولا يزال من أشهر أسواق دمشق القديمة وأفضلها في السمعة؛ فهو مقصد للزوار والسوَّاح من جميع أنحاء العالم، يضم أمهر الصناع وأشطر التجار، ولطالما افتخر أهل الشام بمصاهرتهم لعائلات القيمرية؛ لما يتمتعون به من سمعة حسنة ومكانة مرموقة في المجتمع الدمشقي.

                                        شوارع حي القيمرية الكردي الدمشقي

 

يضم الحي بيوتاً تراثية أصلية لأكثر من 800 عائلة دمشقية، كما يضم باب جيرون، ومقهى النوفرة، وسوق الخياطين، والكنيسة المريمية، وحمام البكري، وحمام الشهبندر، وحمام مدحت باشا، ومكتب عنبر، وزقاق الشهبندر، نسبة للسياسي الكردي الدمشقي عبد الرحمن الشهبندر وحديقة القشلة التي اشتهرت بزحامها المستمر خلال ساعات الليل والنهار، لقد قيل عنه إنه حي الحريمين؛ نظراً لكثرة وجود النساء -الحريم- بداخله، وقيل أيضاً إنه حي الطرازين؛ نسبة لكثرة الذين يعملون في الخياطة والتطريز فيه، فكان مشهوراً بورشات الخياطة، كما قيل إنه حي الهند الصغرى؛ لأنه كان وما زال سوقاً ومركزاً كبيراً عريقاً لصناعة الحرير.

                              كنيسة المريمية – حمام البكري – حديقة القشلة

 

أسباب التسمية نسبة لمنطقة القيمرية في إقليم كردستان العراق

 

 

هناك ثلاث روايات عن سبب تسميته بهذا الاسم؛ فالأولى تقول إنه نسبةً إلى شيخ قد عاصر الحروب و الغزوات الإسلامية يُدعى قَيمَر. ورواية ثانية تقول إنه سُمي بذلك نسبةً إلى “أمارايا”؛ الكنيسة المريمية في حقبة العصر المسيحي الأول. أما الرواية الثالثة، وهي الأكثر شيوعاً وتصديقاً، فتقول إنه سُمي بذلك نسبة إلى المدرسة القيمرية الكبرى التي بناها الأمير ناصر الدين الحسين بن عبدالعزيز بن أبي الفوراس الكردي، سنة (650هـ- 1252م)، ومنطقة القيمرية موجودة في أعالي جبال إقليم كردستان العراق, كما يوجد في القدس القديمة بفلسطين حي القيمرية نسبة إلى نسبة لمنطقة القيمرية بشمال الموصل في إقليم كردستان العراق تم بنائه بعد تحرير القدس بالعهد الأيوبي ومعظم سكان أحياء القيمرية بدمشق والقدس هم أصولهم من الكرد

يتألف الحي من شارع مستقيم يمتد من الشرق إلى الغرب؛ تتخلله شوارع ضيقة متعامدة عليه، يتطابق هذا الترتيب في المحاور مع الذي كان متبعاً في الفترة اليونانية ثم الرومانية. وقد أجمع الباحثون، وفقاً لمعلومات قد ذكرها المتحف في العشرينيات من القرن الماضي، على أن محور شارع سوق القيمرية يتطابق مع الشارع الرئيسي في الفترة اليونانية.

أزقة حي القيمرية

 

ازدهار الحي

 

بلغ حي القيمرية قمة ازدهاره وذروة نشاطه الاقتصادي في القرن التاسع عشر؛ حيث تركزت فيه صناعات عدة، منها: صناعة الحرير والأغباني والموزاييك الخشبية والنجارة والصباغة والطباعة، إلى جانب بعض الصناعات الغذائية والمعدنية، لذلك أطلق عليه تشبيهاً اسم الهند الصغيرة، وقد أسهم موقع الحي المتميز وعلاقته المباشرة ببقية الأسواق في عملية ازدهاره الاقتصادي، لسهولة التزوُّد بالمواد الأولية اللازمة للصناعة، وسهولة تصريف هذه الصناعات من دون الحاجة إلى استخدام وسائل المواصلات.

                                      قهوة عالبال – مقهى زرياب – قهوة القشلة- مطعم بما إنو

 

كما أسهم قربه من الجامع الأموي في تعرُّف المصلين على هذا الحي وصناعاته اليدوية وبضائعه؛ مما ساعد على تصريف هذه المصنوعات والتشجيع على تطور الصناعات اليدوية.

من مشاهد الحياة في الحي

 

وقد استطلعنا رأي أحد القاطنين في الحي؛ جورج داوود، الذي يسكن في القيمرية منذ سنوات طويلة، وهو مدرك لتاريخ الحي، عن العوامل المساعدة في شهرة هذا الحي، فأخبرنا أن هذا التطور له عوامل عدة؛ أهمها العامل التاريخي؛ إذ إن حي القيمرية يعتبر من أقدم أحياء دمشق داخل سورها المنيع، وإن سكانه مارسوا مختلف المهن التي تطلبتها حياتهم اليومية، فزادتهم الأيام خبرةً واطلاعاً واستطاعوا أن يبدعوا مصنوعات جميلة وتحفاً نفيسة بأدوات بسيطة، وأضاف أن العامل البشري كان مهماً جداً؛ وقد قصدَ تمسُّك سكان الحي ببيوتهم التي أضفوا عليها كل جمال، وكيف توارث الأولاد والأحفاد هذه البيوت ومِهن الآباء والأجداد؛ مما أسهم في توارث التقاليد المهنية والخبرات اليدوية التقليدية وازدهارها مع الزمن.

كما حدثنا جورج عندما استفسرنا منه عن الفترة التي شهدت الحرب على سوريا.. هل اختفت أشكال الحياة في الحي مع ظل تساقط العديد من القذائف بالأخص مع بداية عام 2014؟ فأجاب بنعم؛ فقد أدى ذلك إلى شلل الحركة بشكل نسبي في الحي، وقد أثَّر على عنصر الأمان فيه، فتقلصت الحركة الشعبية ضمن السوق واختفت حركة السياح القادمين من غير محافظات وغير بلدان، ليبقى سكان الحي الأصليون فقط مواظبين على فتح محلاتهم رغم الوضع الصعب الذي شهدته المنطقة والذي لم يمنع الناس من إكمال حياتهم والسعي وراء لقمة عيشهم، كما أضاف جورج أنه حتى في فترة الحجر بسبب جائحة كورونا عام 2020 لم ينقطع مجرى نهر الحياة في الحي مع الالتزام بقواعد الحفاظ على السلامة الشخصية؛ فالجميع يضع كمامات وجميع المطاعم تلتزم بالتعقيم الشامل، لقد شهدت الحرب في حي القيمرية على صمود سكانها وتعايشهم مع الوضع الراهن بأبسط الطرق؛ بسبب الإيمان بأن الذي يحصلُ اليوم سينتهي غداً.

                               فندق الشهبندر- دمشق القديمة- باب توما- حي القيمرية

 

تقول السائحة السويسرية إيريكا سولانت هولر  لـ”نوسب سوسيال”: إن الحي مزدحم بشكل لافت، وقد أتت بشكل خاص إليه حتى تأكل وتشرب وتلتقط الصور للزواريب والمقاهي المشهورة في الحي؛ فهي مهتمة بمجال تصوير الأمكنة والتاريخ، وقد شعرت بأن حي القيمرية سيوفي بغرضها لذلك وثقت جولتها بمعالمه. وعن أكثر ما جذبَ انتباهها في الحي عموماً ذكرت فندق الشهبندر؛ وهو المكان الأكثر عظمة في الحي، حيث يعود نسبهُ إلى عبدالرحمن الشهبندر؛ شخصية سياسية مشهورة في الحي، يعتبر من أهم ساكنيه الأصليين قديماً، فقد لفتها البناء التراثي الذي يعتبر بمثابة هوية الحي والصورة القديمة الأصلية للبيوت، المشابهة لبيوت الكرد في مدينة ديار بكر الكردية في كردستان تركيا, وقد تم الحفاظ على القصر دون أي تعديل أو ترميم باستثاء فكرة تحويله إلى فندق، وهو حالياً من أشهر الفنادق في دمشق القديمة، يأتي إليه سياح عرب وأجانب ليستمتعوا بتجربة الحياة القديمة ضمن دهاليزه وغرفه وبركته وجدرانه وأشجاره، مع رائحة الماضي العتيق.

معظم أبناء القيمرية كانوا يعملون بالنوالة؛ أي النسيج، وتأتي حرفة تطعيم الخشب بالصدف في المرتبة الثانية، وهي لا تزال موجودة حتى اليوم في الحي، كما كان يوجد عدد لا بأس به من ورشات صياغة الذهب؛ ولكنها تحولت اليوم إلى محلات تجارية عامة، كما كان يوجد في القيمرية “مصبنة” لصنع الصابون، والحي الآن ممتلئ بالمحلات الشرقية التي تبيع أشغالاً يدوية وتذكارات قديمة تجذب السياح لاقتنائها.

 

من أرشيف صناعة عقد الخيوط الحريرية لصناعة المهنة الكردية البروكار الدمشقي