تابع السوريون باهتمام بالغ أعمال القمة العربية التي عقدت في مدينة جدة السعودية.

ولعل سر هذا الاهتمام يعود إلى أسباب كثيرة، من أهمها، الإعلان عشية القمة عن إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد أكثر من عقد على تجميد عضويتها، وكذلك حضور الرئيس السوري، بشار الأسد، القمة، والأهم، أن تشكل القمة مخرجا وأملا للسوريين في التأسيس لحل سياسي لأزمة بلادهم، خاصة أنه لم يعد لديهم الكثير من المقومات لتحمل تداعيات هذه الأزمة التي دمرت بلادهم، وذواتهم، ووضعتهم أمام مصير أقرب إلى المجهول.

حصيلة قمة جدة سوريا، هي أن القمة فتحت مسارا سياسيا مع الدول العربية يمكن من خلاله التأسيس لحل سياسي ممكن ومقبول، ولعل هذا ما قصده الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، عندما قال في المؤتمر الصحفي لختام القمة “إن قمة جدة حققت أهدافها، وعودة سوريا بداية لانخراط عربي أكبر في الأزمة السورية واستعادة دورها في المنظومة العربية “.

ولعله بهذا التصريح أراد القول إن جامعة الدول العربية لا تقدم وصفة حل لأزمة سوريا، وإنما تفتح مخرجا مهما أمامها، مستندة في ذلك إلى جملة معطيات تعطي قوة دفع للتحرك العربي اتجاه سوريا، إذ أن هذا التحرك جاء على وقع المناخ الإيجابي الذي تركه التقارب السعودي – الإيراني على عدد من قضايا المنطقة، من اليمن إلى سوريا، مرورا بلبنان، وصولا إلى التقارب الجاري في العلاقات الإيرانية – المصرية، كما أن الحرب الروسية – الأوكرانية، تركت تداعيات أنتجت مقاربات إقليمية جديدة لأزمة سوريا، وقبل كل ما سبق، النهج الاستباقي الذي انتهجته دولة الإمارات العربية المتحدة، عندما بادرت إلى إعادة فتح سفارتها في دمشق قبل نحو 5 سنوات، وعملت بقوة لإعادة العلاقات بين دمشق والعواصم العربية، فكانت النتيجة إطلاق مبادرات من نوع خطوة مقابل خطوة، وعقد لقاءات هنا وهناك، وتسارع وتيرة الزيارات المتبادلة بين عدد من المسؤولين العرب والسوريين، لاسيما عقب الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في فبراير/ شباط الماضي، وهي جهود أوصلت الأمور إلى ما جرى في قمة جدة.

يدرك السوريون ومعهم العرب، أن جامعة الدول العربية لا تمتلك القدرة على حل الأزمة السورية وفق وصفة محددة، خاصة أن هذه الأزمة أصبحت دولية في ظل تواجد جيوش العديد من الدول التي انخرطت في هذه الأزمة على الأراضي السورية، إلى درجة أن سوريا باتت مقسمة على أرض الواقع، لكن في الوقت نفسه يدركون أن تجاهل هذه الأزمة إلى لا ما لا نهاية لم يعد مقبولا، حيث تتفاقم الأزمات الإنسانية في سوريا، وتحولت قضية اللاجئين السوريين في الخارج إلى أزمة متعددة الجوانب، لا سيما في دول الجوار الجغرافي، كما أن سنوات الأزمة أوجدت مظاهرة خطرة، تتعلق بتعاظم نفوذ المليشيات المسلحة، وازدهار تجارة المخدرات والسلاح، وغيرها من الظواهر الخطرة التي تهدد أمن الدول والمنطقة عموما.

وبالتالي لا بد من البحث عن خارطة طريق عبر تعاون إقليمي ودولي، خريطة تقوم على تنفيذ خطوات من شأنها تعزز الثقة، وتحل المعضلات، وتؤسس للحل السياسي، خاصة أن مثل هذا الخطوات تلقى قبولا صامتا من الدول المعنية بالأزمة السورية خلافا لتصريحات بعض الأطراف التي تصر على فرض وصفة محددة لحل هذه الأزمة. سوريا ما بعد قمة جدة، تجد نفسها أمام مشروع عربي لم تتضح ملامحه بشكل كامل بعد، وهو مشروع من الواضح أنه لا يقوم على حل سريع بقدر ما يقوم على تقديم رؤية وخريطة وجهد للتقدم عبر خطوات مطلوبة وممكنة من الطرفين السوري والعربي، من أجل البدء بحياة سياسية جديدة على شكل انتقال إلى مرحلة جديدة، مرحلة تتيح إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بكرامة، كل ذلك تحت سقف إقليمي ودولي، وحوار سوري – سوري، ينتج تفاهمات لعقد اجتماعي مقبول، كمقدمات لا بد منها لتحقيق الاستقرار والسلام المنشودين في بلد أنهكه الحرب والدمار.

 

نقلاً عن العين الأخبارية