قبل العام 2011 كانت سوريا تتقدم داخل “النافذة الديمغرافية” وهو مصطلح يستعمل لوصف الدول التي تكون غالبية سكانها من الشباب ضمن نطاق سن سوق العمل، حيث تقدر نسبة الشباب السوري القادر على دخول سوق العمل آنذاك حوالي 70%. تزامنت النافذة الديمغرافية وتداخلت مع نوافذ سياسية مركبة أدت إلى انفاق طاقة الشباب السوري في أقنية المقتلة السورية المشؤومة ، فمن المعروف أن النافذة الديمغرافية تمثل موجة طاقة وهي إما أن تؤدي إلى نهضة اقتصادية اجتماعية أو تنتهي في الحالة المقابلة إلى مأساة تاريخية شبيهة بالنموذج السوري خلال العقد الفائت.
يضاف إلى ذلك أن عدة أجيال من الشباب السوري نشأت وعاشت في خضم الأزمة السورية بكل ما حملته من معاناة رهيبة، كانوا في بداية الحرب أطفالاً ونضجوا على نار مأساتها ليصبحوا اليوم شباباً، بعدما واجهوا خلال السنوات الفائتة ويلات القصف والرعب والحصار والنزوح واللجوء والفقد ، كل هذه المآسي كانت كفيلة بقذف الشباب في مسارات وعرة وشائكة، انتهت بهم إلى متاهات السياسة المحلية والإقليمية ليصبحوا قنابل موقوتة أو مرتزقة وإرهابيين أو حراساً على أبواب المجهول وفي كل الأحوال كانوا مادة لصراعات لا شأن لهم بها أو أنها صراعات على وطنهم وثرواتهم ومستقبلهم.
ورغم أن نسبة وازنة من الشباب السوري هاجرت هرباً من المقتلة السورية وبحثاً عن وطن بديل يحتضن أحلامهم المشروعة بعالم مختلف يتيح لهم أنفاق طاقاتهم وسنوات تفجرهم في الحياة وتحقيق الذات والإبداع عوضاً عن القتل والموت والارتزاق والضياع وسوى ذلك من مفردات المشهد السوري، إلا أن أغلب هؤلاء الشباب لم تحرق سفن العودة فلا زال نشاطهم سواء في وسائل التواصل الاجتماعي أو في النشاط المدني والسياسي في دول اللجوء، لا زال يتمحور حول سوريا ومأساتها فضلاً عن مساعدة من تبقى من أهاليهم داخل الوطن .