نوسوسيال

أوجلان وتحالف الضعفاء “سوريا وتركيا وروسيا

353

 

 

لطالما سعت الأنظمة التافهة على صناعة مجتمع تافه على شاكلتها كي يكون بمقدورها الاستمرار في السلطة، وبذلك تعطي لنفسها الشرعية للبقاء تحت ظِل النخبة التي تطبل للكم الهائل من الانتصارات التافهة التي يتم تعويد الشعوب عليها لتقبلها على أنها الحقيقة وما عداها لا يكون سوى خداعاً وتضليلاً. لذلك نرى أن الأنظمة الاستبدادية تعمل للسيطرة على وسائل الاعلام بأي وسيلة كانت، لأن الاعلام يعتبر السلاح الأسرع في التحكم على الشعوب والمجتمعات والتي من خلالها يمكن توجيههم كيفما يشاؤون وأينما يريدون. برعت

الأنظمة الاستبدادية في هذا المجال وحاولت بكل امكانياتها المباشرة وغير المباشرة لشراء الأفواه الناطقة “الببغائية” لتبث سموم الكلمات واللعب بالمفاهيم والمصطلحات لهدف معين وهو إلهاء الشعوب بتوافه الأمور، ولطالما عملت نفس الأنظمة على ربط الشعوب بالرياضة التافهة والفن الهابط وذلك من خلال كراكوزات مسخة يتم تقليدها بشكلها ومشيتها وقصة شعرها وكلماتها التافهة مع عدم إهمال المؤخرة والصدر، وكذلك شراء اللاعبين بأموال مرعبة في وقت يعيش المجتمع في الدرك الاسفل من الفقر المدقع. إلهاء الشعوب بهذه الأمور التافهة لا يكون من دون قصد، بل بهدف وحيد ألا وهو خلق مجتمع نمطي مبتزل ومادي وبعيد كل البعد عن السياسة والاخلاق.

 

                               المفكر الفيلسوف عبد الله أوجلان

عاماً آخر ولا جديد يلوح في الأفق سوى الاستمرار في حالة الفوضى السياسية والتفاهة السودعنا ياسية والانحطاط الاقتصادي والأخلاقي. على أمل أن يكون العام الجديد حاملاً في جعبته ولو قليلاً من الكرامة والأمل لمستقبل مشرق بعيد عن كل ما يحط من قيمة الانسان. وكان لا بدّ بنفس الوقت ونحن نودع العام بأن ندعي لأنظمتنا بأن يهديها الله طريق الرحمة والمغفرة وينتشلها من مستنقع الظلم والطغيان الذي هي فيه.كان عاماً مليئاً بالأحداث والتي لا تزال مستمرة ونحن نلج عامنا الجديد ولربما ستكون لها تداعيات كبيرة من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على كثير من الدول والمجتمعات. الأزمة البنيويةالخانقة التي تعيشها قوى الرأسمالية العالمية باتت على مفترق طرق من أجل تجاوز أزماتها التي تعاني منها. ولطالما سعت قوى الهيمنة العالمية وأدواتها الاقليمية لحل أزماتها ومشاكلها عن طريق الحروب وتصدير ما تعانيه من أزمات في الداخل نحو نشر الفوضى في كل مكان.

 

وبكل تأكيد كان ولا يزال للمشرق المتوسطي النصيب الأكبر من نتائج تلك الأزمات التي تعاني منها قوى الهيمنة العالمية. ولذا، نرى أن عقدة الحل والمشكلة لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط وستبقى كذلك حتى تخرج هذه المنطقة من حالة الاغتراب التي تعيشها مع ذاتها ومجتمعاتها، نتيجة كم الحلول المفروضة على شعوب هذه المنطقة وفق منطق قوى الهيمنة العالمية والمتمثلة في فرض منطق الدولة والسلطوية على الشعوب المغلوب على أمرها.ولربما كان الاجتماع الذي عقد في روسيا وتحت رعايتها ما بين تركيا وسوريا، الحدث الأبرز الذي أخذ حيزاً كبيراً في الاعلام، واعتبار أن الأزمة على وشك الانتهاء وان كل الأمور ستعود الى ما كانت عليه قبل الأزمة في سوريا، وأن كل الأمور العالقة ما بين تركيا وسوريا سوف تحل بعصا سحرية يحملها كِلا النظامين. متناسين أن الأسباب الحقيقة للأزمة لا زالت قائمة، وأن كل طرف يتربص بالأخر كي ينتقم منه أشد انتقام. البراغماتية التي يتمتع بها رأس النظام في تركيا والمستعد دائما للجلوس مع شياطين الأمس على أنهم ملائكة اليوم، لا يوحي إلا لشيء وحيد هو أن السيد أردوغان هو التعبير الحقيقي لمنطق الاخوان المسلمين الذين يتمسكنون حتى يتمكنون.بكل تأكيد أن سوريا لم تحمل الجديد في جعبتها وهي تدخل العام الجديد ومعها ملفاتها مؤجلة الحل

 

لحين اتفاق القوى الدولية فيما بينها لحلحلة الامور في سوريا. أمريكا الغائبة الحاضرة في سوريا بشكل كبير لها الكلمة شبه الأخيرة في أي تسوية يتم تقديمها لسوريا، ومن دون موافقة أمريكا ربما لن يكون ثمة حل يلوح في الأفق. حيث أن روسيا تعاني من أزمتها الاوكرانية وباتت أضعف من قبل نتيجة نقل العديد من قواتها للجبهة الاوكرانية، وكذلك ايران التي تعاني هي الأخرى من مشاكلها الداخلية لم تعد كما السابق لتمنح النظام ما يريد من جرعات اقتصادية ومالية. وهذا ما أدى لوصول الحالة الاقتصادية في سوريا للحضيض بكل ماللكلمة من معنى. حيث وصل الدولار مقابل 7 آلاف ليرة سورية، وهذا ما جعل النظام يوقف الكثير من مؤسساته الخدمية عن العمل نتيجة الحالة الاقتصادية المزرية التي وصل إليها. فلا روسيا ولا ايران قادرتان على مساعدتها من هذه الناحية. وما التهويل الاعلامي في الفترة الاخيرة ما بين تركيا وسوريا، من لقاءات حدثت بينهما برعاية روسية، إلا تأكيداً لحالة الضعف التي تعيشها الأطراف التي تطبل لهذه الاجتماعات. أردوغان الذي يبحث عن نجاح ونصر من أي جهة كانت، ولو كان على حساب الشعب والثورة السورية، وهو

ليس بجديد على أردوغان، والنظام الذي يعيش أسوء مراحله ضعفاً بنفس الوقت، وكذلك روسيا الراعية لهذه الاجتماعات تعاني هي ايضاً، لذلك يمكن وصف هذا التفاهم أو الاتفاق ما بين الاطراف الثلاثة بأنه اتفاق الضعفاء والذي يبحث كل طرف منها عن نصر مجاني على حساب الشعب السوري. أي أن بهذه الاتفاقات لن تحل المشكلة في سوريا لأنها أكبر وأعمق مما يتم التصريح عنه في وسائل الاعلام. حيث الخلافات بينهما أكبر بكثير من التفاهمات الاعلامية التي يتم الترويج لها على أنه نصر قريب وفرج من الله. أردوغان الذي يبحث

ويستميت للصورة (اللقطة) التي تجمعه مع شيطانه الأسبق “الأسد”، ليسكت أفواه المعارضة ويسحب بساط اللاجئين من يدها، فقط ليبقى في عرشه الذي يعمل لأجله منذ العقدين. وفي نفس السياق كانت سياسة أردوغان مع بعض دول الخليج ومصر والتي لم تتعدَ اللقطة والتهويل الاعلامي. وهو ما يحلم به بشار الأسد في أن يرى غريمه (أردوغان) ذليلاً خنوعاً يستجدي فوز الانتخابات منه، لكن هل سيمنحه قبلة الحياة والفوز الانتخابي مقابل التنازلات التي سيقدمها له، مع أنه أي الاسد الوريث غير الشرعي للأمويين، بنفس الوقت يبحث عن مخرج من حالة الحصار الاقتصادي والمعيشي التي يعاني منها. الطرفين في أضعف حالاتهما وكل طرف منهما يريد أن يتكئ على الطرف الآخر حتى عبور الجسر (الكوبري).

مخرجات الاجتماع لم يكن فيها الجديد سوى اللقطة. محاربة الارهاب وعودة اللاجئين وبعض المصالحات ما بين النظام وفصائل المعارضة كان العنوان الأبرز لهذا الاجتماع. ملفات شائكة ولا يمكن حلها بجرة قلم ما بين هذين الطرفين ولو كانت بتعويذة أو تميمة روسية، التي هي بالأساس تبحث عن تعويذة تخرجها من المستنقع الاوكراني الذي دخلته. روسيا التي دخلت المستنقع الاوكراني غاصت أكثر ولم تحقق الأهداف التي كانت تبغيها. في بداية الأزمة الاوكرانية والتي تم تسميتها بالمعركة كان يتخيل الروس بأنها أيام وينتهون من هذه
المعركة. لكن مضى عام ولم تنته المعركة ولتتحول لحرب بالوكالة ما بين روسيا وايران من طرف وأوروبا وأمريكا من طرف آخر ووقودها الشعب الاوكراني. كافة الدول الغربية تقدم كافة أنواع الدعم اللوجستي والعسكري والمالي لاوكرانيا من أجل اطالة أمد الحرب واغراق روسيا في هذا المستنقع، كما كان مستنقع افغانستان.
إذ، أن لكل طرف أولوياته التي يتمسك بها ولن يتنازل عنها. لتركيا أولوياتها في القضاء على أي شيء يمت بصلة للكرد، بينما سوريا لا تنظر لهذا الأمر على أنه من الأولويات بقدر ما سيكون مصير المعارضة والمرتزقة المدعومين من تركيا والتي تراهم أدواتها الاستثمارية لتنفيذ أجنداتها العثمانوية الجديدة.

 

فتركيا التي تعاني أزمات خانقة على الصعيد الداخلي من كافة النواحي سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً وثقافياً، حيث يسعى أردوغان لتصدير هذه الأزمات نحو الخارج لتحقيق أية مكاسب تشفي جشعه السلطوي لتنفيذ مشروعه العثماني الجديد على أساس الميثاق المللي. استمرار اتفاق اردوغان – بخجلي الفاشي بالقاء ظلاله على الداخل التركي وخاصة زيادة الهوة ما بين السلطة والمجتمع. حيث باتت النزعة الفاشية في ذروتها وعنواناً لضرب الكرد واعتقالهم وزيادة التجريد على القائد أوجلان بشكل كبير جداً. وبات الكرد في كافة الأجزاء مصدر قلق كبير لوجود أردوغان ومشروعه القائم على انكار الكرد أينما كانوا. وكأن تركيا تعيش مراحل تشكلها قبل قرن من الزمن، والتي تشكلت على جماجم شعوبها من الكرد والأرمن والآشور والعرب. الآن يتكرر نفس السيناريو من قبل أردوغان الذي لن يتوان عن القيام بمجازر وحشية من أجل البقاء في السلطة. وما

استخدامه للأسلحة الكيمياوية والمحرمة دولياً إلا دليلاً على أنه مستعد لارتكاب المزيد من المجازر بحق الكرد من أجل البقاء في السلطة. خاصة أن هذا العام 2023 يعتبره أردوغان عاماً مهماً لمئوية تشكل الجمهورية التركية. لذلك يقدم أي تنازلات ممكنة إن كان لإيران أو روسيا أو سوريا وكذلك أمريكا فقط من أجل بلوغ هدفه في هذا العام. وبنفس الوقت يلعب على التوازنات الاقليمية والدولية علّه يستفيد من أي شيء لتطبيق أطماعه.
لم تستوعب النظم الاستبدادية التافهة بأن الفكرة لا تموت، بل تحيا بقدر الضغط الموجه نحوها من قبل الجهلاء والمنغلقين على أفكارهم المتحجرة والصحراوية. أكثر من عقدين وأوجلان معتقل في سجن انفرادي ويطبق بحقه كل أنواع التجريد والتعذيب النفسي من أجل أن يتخلى عن الفكرة التي تنادي بأخوة الشعوب والعيش المشترك ما بين ثقافات المشرق المتوسطي. لكن اصراراه على الفكرة جعلت منه قوة الحل لمعظم القضاياالتي تعيشها المنطقة بدولها الهشّة وأنظمتها التافهة ومجتمعاتها النمطية الهزيلة. عقدين ولا زال أوجلان يقول لتركيا ومن خلفها من قوى هيمنة عالمية “والله لو وضعتم السلطة في يميني والمال في يساري على أن أترك هذه الفكرة، لما تركتها”. فكرة تحولت إلى فلسفة حياة لشعوب وثقافات المنطقة، ترى من خلالها كرامتها وحريتها اللتان لطالما أرادتهما سلوكاً وعملاً لبناء المجتمع والانسان الحر. تكامل اقليمي ما بين ثقافات شعوب المنطقة، ولا يمكن لهذا التكامل أن ينبعث من جديد، إلا عن طريق ثورة فكرية تتخطى المفاهيم والمصطلحات والتعريفات الماضوية التي عفا عنها الزمن والتاريخ.
فلا تركيا ستقضي على الفكرة والكرد، ولا سوريا بمقدورها ان تقوم بما عجزت تركيا عن القيام به، ولا روسيا سيكون لها اليد الطولى في حل قضايا المنطقة ودولها وشعوبها، نظراً لما تعانيه هي بالأساس. وكما يُقال: “فاقد الشيء لا يعطيه”. لا سبيل آخر عن محاورة أوجلان ومن يحملون فكره في سوريا للخروج من الأزمات الخانقة التي تعيشها تركيا وسوريا، الأنظمة التافهة والاستبدادية ينبغي أن تسير على درب التحول الديمقراطي والذي يبدأ من الذات أولاً وليكون سلوك حياة مجتمعي وليس فقط صورة أمام صندوق انتخابي.