نوسوسيال

بقلم عادل سعد: عام 2023 بين ترويض الخلافات وابن رشد

275

 

 

 

 

 

 

 

ازدحمت الأيام الأخيرة من عام 2022 بأعدادٍ هائلةٍ من الهوامش التي تحضُّ على نبذ الكراهية والجشع والتعطش إلى الهيمنة، بل والكف من التفتيش في جيوب الفقراء. ومع تعدد الأهداف المحركة لهذه الهوامش يظل التطلع نحو عالم يسوده الاطمئنان واحدًا من أهم المحركات لهذا

الملف الميداني الشائك امتدادًا لوقائع فرضت سطوتها بالمزيد من الخسائر العالمية المتلاحقة، سواء كان ذلك على الصعيد الأمني أو الاقتصادي، أو الإفلاس اللافت لمنطق القوة المفرطة.
الحال، هناك كمٌّ هائل من الخلافات على التوصيف الذي يتعلق بموضوعي الإرهاب والعنصرية من أن كليهما هدفهما الأذى المتعمد والتنكيل والترويع وفرض واقعٍ من القسوة. ومع تشعُّب وتعمُّق أساليب المغالبة والتطلع الوبائي للربح المفتوح الخالي من أية قناعة بالاكتفاء، تظل فرص بناء هذا السلام عند حدود التمني والمناشدة، بل والمراوحة في الابتعاد والاقتراب عنه تأسيسًا على عدد من العيِّنات.

المشكلة، هناك خلط واضح بين الأسبقيات المطلوبة لمواجهة ما يجري بالمزيد من الحكمة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تضج فرنسا الآن بخلاف حادٍّ بشأن تعريفي الإرهاب والعنصرية على خلفية الاعتداء الذي تعرضت له مؤسسة كردية في باريس تسبب بمقتل ثلاثة أشخاص.
لقد وصف مسؤولون حكوميون فرنسيون ما جرى بالجريمة العنصرية وليس الإرهابية؛ لأن الإرهاب تقف وراءه أيديولوجية، وهذا غير متوافر في الحادث وفق تصوُّرهم، وبينما تتواصل الحرب بين روسيا وأوكرانيا يتواصل التأزم المتبادل بين الصين والولايات المتحدة الأميركية على طريق المداولة الجوية والبحرية، في حين حذر نائب رئيس البرلمان الألماني من احتمال وقوع الدولة تحت طائلة الإفلاس

إذا استمر برنامج الدعم الذي تقدِّمه الحكومة لمواجهة التحدِّيات الاقتصادية لمواجهة التداعيات التي فرضتها الحرب مع أن الاقتصاد الألماني هو من أقوى الاقتصادات الأوروبية، فكيف يكون الحال مع اقتصادات أوروبية أخرى تخرج من أزمة لتدخل أزمة أخرى على غرار النسختين اليونانية والإيطالية، وإذا أضفنا إلى كل ذلك الاحتمالات التي أخذت طريقها إلى التأشير بشأن تضاؤل فرص الائتمان بشأن الغذاء في العديد من دول العالم تكون الصورة العالمية قد تراسمت أبعادها بالمزيد من الشكوك، وتلك معضلة استشعرها الرئيس الفرنسي بالمزيد من التصريحات. فلقد جدد مقترحه خلال الأسبوع بضرورة تقديم ضمانات أمنية لروسيا مدخلًا لوقف الحرب من دون أن يجد ولو قليلًا من الأصداء الإيجابية على الطاولتين الأوروبية والأميركية، خصوصًا مع الدعم العسكري الجديد الذي قدمته واشنطن بنسخة صواريخ باتريوت.

الحال، هناك مفازة من عدم اليقين لا يفكك ألغازه سوى الانتظام بمشروع دولي يضع بالاعتبار الكف من نزعات المغالبة المفتوحة، والامتناع في منافسة عض الأصابع على انتظار أن يصرخ أحد ويقر بالهزيمة.
إن ما يحتاجه العالم للعام 2023 تنشيط ذاكرة المخاوف من الانزلاق أسرع نحو المغالبة، وتلك مهمة على درجة من الصعوبة إذا لم تتوفر المكاشفة الصادقة وتبادل القناعة بأن تصعيد التوترات لن يكون لصالح أحد.

يقول الفيلسوف ابن رشد: (إن الحكمة هي النظر في الأشياء بحسب ما تقتضيه طبيعة البرهان). ولا أعتقد أن برهانًا دوليًّا أشد وضوحًا من البرهان المتمثل بالمأزق الذي يعاني منه العالم حاليًّا، صعود متسارع للتهديدات العسكرية مع استهلاك متواصل للأسلحة، تراجع في فرص النمو الاقتصادي العام لصالح الركود وربما الانكشاف في وقت لاحق تفاقم في أزمة الغذاء مع ارتفاع في معدلات الجوع الذي ضرب مناطق في إفريقيا، ارتفاع منسوب العمليات الإرهابية وامتدادها في

دول لم تكن حاضنة لها في يوم من الأيام، شكوك ومخافات من الخطر النووي، تلبُّد في العلاقات الدولية على خلفية شكوك ومخاوف متبادلة، خيبة أمل حتى الآن في التصدي العالمي الحاسم لمواجهة المتغيرات المناخية. لذلك لن تستقيم الأمور في العام الجديد إذا لم تستوقف الإرادة الدولية معادلات قائمة على أن مستقبل البشرية بات مهددًا أكثر من أي وقت مضى، وأن الفرصة الوحيدة المتاحة الآن هي الكف عن التفريط بمداهمات الخطر، والانتظام ضمن جهد حقيقي لصناعة سلام وحلول جذرية وفق شروط المصير المشترك.

عادل سعد
كاتب عراقي