نساء مدينةدمشق والمجتمع المدني
زهراء “خانم” اليوسف… ماذا نعرف عن سيدة سوريا الأولى؟
أول سيدة أولى في سوريا كردية.. زوجة رئيس الجمهورية محمد علي العابد زهراء اليوسف
في مطلع العام 1919، زار وفدٌ من سيدات دمشق قصرَ المهاجرين المُطل على العاصمة السورية، لتهنئة سيدته الجديدة، الأميرة حزيمة بنت ناصر، زوجة حاكم البلاد، فيصل بن الحسين. كانت حديثة العهد في دمشق، قادمة مع زوجها من مدن الصحراء العربية. لم تنحن رئيسة الوفد زهراء “خانم” اليوسف، أمام الأميرة الحجازية الشابة، كما كانت تفعل نساء إسطنبول في حضرة زوجات السلاطين، ولم تتعامل معها على أنها امرأة حاكمة، فلم يكن أهالي دمشق يعرفون أي ملكة أو سيدة أولى في تاريخهم الحديث، ولو كان في دمشق أميرات، لكانت زهراء أحقهن بهذا اللقب، فهي ابنة باشا وحفيدة باشا وكنّة باشا، إضافة لكونها شقيقة أمير وزوجة رئيس.
السيدة الأولى في سوريا كردية
كل نساء الولاة العثمانيين كانوا غائبين تماماً عن أي ظهور، لا يخرجون من قصورهن بتاتاً، وتوقعت الأميرة حزيمة أن يسري عليها ما سرى على أسلافها من السيدات، لكنها تفاجأت بلباس ضيفاتها، فجميعهن كن سافرات الوجه، علماً أنها استقبلتهن بغطاء الرأس التقليدي الذي كانت ترتديه في مكة، ظناً منها أنه فرض عين في مدينة عرفت بقداستها، ولقبت بشام “شريف” أيام الحكم التركي.
تبين لها أن جميع هؤلاء السيدات كن متعلمات، يجدن القراءة والكتابة، وبعضهن يتقن الفرنسية، وأن لهن حياتهن الاجتماعية الخاصة في الأندية والجمعيات، لا تتعارض مع واجباتهن المنزلية والعائلية. حدثنها عن أنفسهن وعن عائلاتهن وعن مدينتهن. لم تُدرك زهراء اليوسف يومها أنها ستقف في ذات المكان وفي نفس الموقف، بعد ثلاث عشرة سنة، عند انتخاب زوجها، محمّد علي العابد، كأول رئيس للجمهورية السورية سنة 1932.
قليلة هي المعلومات عن زهراء اليوسف، سيدة سورية الأولى، ليس فقط من حيث المنصب، بل من حيث تسلسل السيدات الأول في بلادها.
كانت من عائلة أرستقراطية ذات أصول كردية، جاءت إلى سورية قادمة من ديار بكر، في جنوب شرق تركيا، مطلع القرن التاسع عشر. أدت زهراء خانم دوراً هاماً في إنشاء الجمعيات الأهلية، وكان لها نشاط بارز في منظمة الصليب الأحمر الدولية وفي جمعية نقطة الحليب، وهي وحدها بين السيدات الأولى في سورية الحاصلة على وسام الاستحقاق السوري، ليس من زوجها بل من خليفته في قصر الرئاسة، الشيخ تاج الدين الحسني. ورثت مالاً وفيراً عن جدها المباشر، شمدين آغا، وعم جدها الأكبر، أسعد باشا العظم، ودارت العالم مع زوجها، متنقلة بين دمشق، إسطنبول، واشنطن، لندن وباريس. كانت هذه السيدة الدمشقية حالة فريدة بين قريناتها، جلست مع قادة العالم، من الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت إلى سلطان مصر حسين كامل، وشقيقه الملك فؤاد الأول.
وتوفيت بصمت في إحدى مستشفيات دمشق عام 1971، بعد ثلاثة عقود على رحيل زوجها. شكلت زهراء حالة فريدة بين قريناتها فكانت أول سيدة تحصل على وسام الاستحقاق السوري والوسام المذهب من الصليب الأحمر، كما أنها جلست مع قادة العالم، من الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت إلى سلطان مصر حسين كامل، وشقيقه الملك فؤاد الأول
البداية والأسرة
رئيس جمهورية سوريا محمد علي العابد والسيدة الأولى زهراء اليوسف
ولدت زهراء اليوسف في حي سوق ساروجا العريق، خارج أسوار مدينة دمشق القديمة سنة 1885، والدها محمد باشا اليوسف كان من الأعيان، عُيّن حاكماً على مدينة حمص، وجدها محمد شمدين آغا، كان من الزعامات الكردية في دمشق الذي تولى إمارة الحج الشامي، مُكلفاً بنقل حجاج بيت الله الحرام من دمشق إلى مكة.
تنازل جدها عن منصبه لصالح شقيقها الأكبر عبد الرحمن، الذي كان في العشرين من عمره، فاعترض عدد من رجال الدولة العثمانية المحيطين بالسلطان عبد الحميد الثاني، نظراً لصغر سنه وانعدام خبرته الحياتية، وكان أول المعترضين، كبير أمناء السلطان، أحمد عزب باشا العابد، وهو دمشقي من حي سوق ساروجا أيضاً وجار بيت اليوسف، ولكن السلطان أبقى على شقيقها في إمارة الحج، ما خلق توتراً بين عائلتي اليوسف والعابد، ظلّ قائماً حتى زواج زهراء، شقيقة عبد الرحمن اليوسف، من محمّد علي العابد، نجل أحمد عزت العابد.
زوجة سفير في واشنطن
في حزيران 1908، عُيّن زوجها، خريج جامعة السوربون، سفيراً للدولة العثمانية في واشنطن، وشدت الرحال معه إلى الولايات المتحدة قبل أن تتجاوز الثالثة والعشرين ربيعاً. اجتمعت بالرئيس الأميركي ثيودور روزفلت بالبيت الأبيض، وبوزير الخارجية الأميركي أليهو روت. كانت تلك المقابلة الأولى التي تجمع بين مسؤولين أميركيين ووجهاء من مدينة دمشق، ونشأت علاقة طيبة بينهم وبين السفير وزوجته، بقيت محفورة في ذاكرة العابد حتى وصوله إلى سُدّة الحكم في دمشق، سنة وصول الرئيس فرانكلن روزفلت إلى البيت الأبيض، وهو ابن عم ثيودور روزفلت. قام الرئيس العابد بإرسال برقية تهنئة للرئيس الأميركي الجديد، واصفاً نفسه بالصديق القديم لهذا الأسرة الأميركية.
سنوات المنفى
كانت نهاية خدمته في أميركا أسرع من المتوقع، فبعد أسابيع قليلة من وصوله واشنطن، جاء خبر من دمشق بأن انقلاباً مزلزلاً هز عرش الدولة العثمانية، بقيادة مجموعة من الضباط الأتراك المعروفين باسم “جمعية الاتحاد والترقي”، وقاموا بمحاصرة السلطان عبد الحميد داخل قصره، يوم 23 تموز 1908، وفرضوا عليه حزمة من الإصلاحات قبل خلعه عن العرش، والاستغناء عن خدمات كل من أحمد عزت العابد ونجله محمد علي.
لم يكن السفير العابد قد أنهى فك حقائبه بعدُ عندما جاء قرار إعفائه من منصبه، فتوجهت الأسرة إلى أوروبا، بأوامر ألا يعودا أبداً إلى إسطنبول أو دمشق.
من قصة نجاح عظيمة إلى مأساة رهيبة… كيف أنهى قرار التأميم شركة “الخماسية” الصناعية في سوريا
في “الشارع المستقيم” نتصفّح 2120 سنة من تاريخ دمشق
سار وإجى وصار “ساروجة”… حكايات عن “إسطنبول الصّغرى” في دمشق