نوسوسيال

بقلم حسان يونس : بين سورية الجديدة والقديمة … هل نحن انفصاليون؟.

301

 

 

 يزخر العالم المعاصر بنماذج كثيرة لاقاليم ذات حكم ذاتي وتطمح إلى الانفصال عن الاتحادات التي تنضوي ضمنها وتحدث هذه العملية (الحكم الذاتي والاتجاه إلى الانفصال) في سياق طبيعي يخضع لقبول بعض أبناء الإقليم المعني والدولة الام ولرفض بعضهم الاخر وغالبا ما يجري ذلك على اساس استفتاء ينظم وفق قواعد دستورية ووفقا لتوافقات بين الحكم الذاتي والحكم الام.
آخر المشاهد المتصلة بذلك هو ما حصل في اقليم “كاراكالباكستان” الأوزبكي، قبل شهر، حيث، قتل وأصيب واعتقل المئات في اضطرابات حاشدة اندلعت في عاصمة الإقليم نوكوس، بسبب دستور جديد مقترح يجرد المنطقة من حقها في التصويت على الانفصال.
وبعد اندلاع أعمال العنف، أمر الرئيس الاوزباكي شوكت ميرضيايف بإعادة البنود التي تسمح للمنطقة بإجراء استفتاء على الانفصال إلى الدستور الجديد المقترح.
وكاراكالباكستان منطقة صحراوية مترامية الأطراف، تشكّل شمال غربي أوزبكستان، وتتمتع بحكم ذاتي، وسط رخاء اقتصادي ناجم عن امتلاكها احتياطات مهمة من الغاز الطبيعي.
وفي اسكتلندا التي تعتبر اقليما ذاتي الحكم ضمن المملكة المتحدة وتتمتع ببرلمان وحكومة محلية عاد الحديث عن الانفصال إلى الواجهة بعد استفتاء جرى عام 2014 في الإقليم وصوت فيه 55% ضد الانفصال لكن هذه النسبة تغيرت منذ أن أفضى استفتاء عام في بريطانيا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016 حيث كانت غالبية من الاسكتدلنديين مؤيدة للبقاء في الاتحاد الأوروبي (62%) وهو ما دفع رئيسة وزراء اسكتلندا إلى الإعلان في كانون الاول الفائت ان اسكتلندا ستبدأ في إجراءات تنظيم استفتاء حول الانفصال قبل العام 2023.
ويشكل الاسكتلنديون نحو 8% من شعب المملكة المتحدة، ولا يتجاوز حجم اقتصاد البلد أكثر من 15% من مجموع الاقتصاد البريطاني والناتج القومي الإجمالي ومربط الفرس في قضية انفصال اسكتلندا ان النفط الذي تستخرجه بريطانيا من بحر الشمال يقع في مناطق تتبع اسكتدلندا.
في حزيران الفائت أصدر الحزب الجمهوري في ولاية تكساس الامريكية إعلانا يدعو لإجراء استفتاء على الانفصال عام 2032 علما ان هناك منظمة تسمى “منظمة جمهورية تكساس” تنشط منذ التسعينات وتدعو إلى انفصال تكساس عن الولايات المتحدة.
وفي إسبانيا أصدرت الحكومة الإسبانية في حزيران 2021 عفوا عن 9 من زعماء اقليم كتالونيا، بعدما كانت قد صدرت، عام 2019، أحكام بالسجن على الزعماء لفترات تتراوح بين 9 و13 عاماً لاتهامهم بـ”إثارة الفتنة وسوء استغلال المال العام” أثناء تنظيم استفتاء على الانفصال عن إسبانيا، كانت السلطات الاسبانية قد حظرته لكنه قاد إلى إعلان استقلال الإقليم لفترة وجيزة.
في كل النماذج المذكورة أعلاه تدفع الثروة المركزة في الأقاليم ابناءها إلى الاستقلال وتخلو العلاقة بين المكونات المختلفة، رغم ذلك، من التخوين والانكار ودعوات الالغاء ويتم التعامل مع مفاهيم الحكم الذاتي والانفصال وفقا لاستطلاعات الرأي والاستفتاء والقيم الدستوري والتوافقات السياسية وفي أسوأ الاحوال تتدخل الشرطة والقضاء في حسم الخلافات الناشئة عن النزعات الانفصالية.
في الحالة السورية تسببت الحرب المعقدة والمركبة الجوانب في نشوء سلطة حكم ذاتي تتوزع في الشمال السوري، باسم الإدارة الذاتية لشمال شرق سورية، يؤكد القائمون عليها انه لا مشروع انفصالي في الافق وان مطالبهم تتركز في إعادة بناء سورية جديدة وفق مفاهيم قبول التنوع واللامركزية والديمقراطية، بما يسمح بخروج آمن من قوقعة الدكتاتورية والشوفينية القومية وعلاقة السفاح بين الدين والسلطة وهي قوقعة تطبق على سورية بقوة وبشكل خانق منذ عقود.
رغم ان مطالب اللامركزية والديمقراطية أصبحت خطابا متفقا عليه بين مختلف أطراف الطيف السورية،  رغم ذلك تقابل هذه المطالب عندما تصدر عن نخب الإدارة الذاتية لشمال شرق سورية بخطاب تخويني شوفيني يصدر عن الاعلام الرسمي الحكومي ومستتبعاته من مواقع وصحف وحسابات تواصل اجتماعي وذباب إلكتروني، يطلق على رموز الإدارة الذاتية نعوت العمالة والتخوين والانفصال، في استمرار لخطاب قديم تعانيه سورية منذ عقود و تستعمله السلطة السورية لضرب مخالفيها واغتيالهم معنويا قبل اغتيالهم ماديا، فالمسالة بالنسبة للحكومة السورية لا تعدو اجترار خطاب يعود إلى عقود سابقة ويجري تسليطه على كل مخالف ببساطة، كما لو ان خطاب التخوين والاتهام بالعمالة أصبح غريزة متجذرة لدى هذه السلطة.
الطرف الأخر هو المعارضون الدائرون في الفلك التركي من سوركيين (سوريين ذو هوى قومي تركي) واخوان يسبحون بحمد “الخليفة” اردوغان  فهؤلاء يتحدثون ليل نهار عن الديمقراطية واللامركزية والعدالة، لكنهم ولحسابات تتعلق بتركيا، يصبحون كائنات مسعورة عندما تتناول الإدارة الذاتية لشمال شرق سورية هذه المفاهيم وتطرحها في منابرها المختلفة.
مؤسف ان الاوزبك والبريطانيين والامريكان والاسبان لا يتهمون مواطنيهم في اقليم كاراكالباكستان وفي اسكتلندا وفي تكساس وفي كاتالونيا بالخيانة والانفصال والعمالة رغم تصريح نخب هذه الأقاليم برغبتها في الانفصال، بينما يتهم بعض السوريين نخب شمال شرق سورية بالعمالة والخيانة والانفصال رغم نفي هذه النخب أي توجه لديها نحو الانفصال ورغم تأكيدها على بناء سورية الجديدة الخارجة من براثن الماضي والمستقلة عن الشوفينية القومية والدكتاتورية والاسلام السياسي.   : بين سورية الجديدة والقديمة … هل نحن انفصاليون؟.
[٦:١٦ م، ٢٠٢٢/٧/٢٤] حسان يونسRosell: يزخر العالم المعاصر بنماذج كثيرة لاقاليم ذات حكم ذاتي وتطمح إلى الانفصال عن الاتحادات التي تنضوي ضمنها وتحدث هذه العملية (الحكم الذاتي والاتجاه إلى الانفصال) في سياق طبيعي يخضع لقبول بعض أبناء الإقليم المعني والدولة الام ولرفض بعضهم الاخر وغالبا ما يجري ذلك على اساس استفتاء ينظم وفق قواعد دستورية ووفقا لتوافقات بين الحكم الذاتي والحكم الام.
آخر المشاهد المتصلة بذلك هو ما حصل في اقليم “كاراكالباكستان” الأوزبكي، قبل شهر، حيث، قتل وأصيب واعتقل المئات في اضطرابات حاشدة اندلعت في عاصمة الإقليم نوكوس، بسبب دستور جديد مقترح يجرد المنطقة من حقها في التصويت على الانفصال.
وبعد اندلاع أعمال العنف، أمر الرئيس الاوزباكي شوكت ميرضيايف بإعادة البنود التي تسمح للمنطقة بإجراء استفتاء على الانفصال إلى الدستور الجديد المقترح.
وكاراكالباكستان منطقة صحراوية مترامية الأطراف، تشكّل شمال غربي أوزبكستان، وتتمتع بحكم ذاتي، وسط رخاء اقتصادي ناجم عن امتلاكها احتياطات مهمة من الغاز الطبيعي.
وفي اسكتلندا التي تعتبر اقليما ذاتي الحكم ضمن المملكة المتحدة وتتمتع ببرلمان وحكومة محلية عاد الحديث عن الانفصال إلى الواجهة بعد استفتاء جرى عام 2014 في الإقليم وصوت فيه 55% ضد الانفصال لكن هذه النسبة تغيرت منذ أن أفضى استفتاء عام في بريطانيا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016 حيث كانت غالبية من الاسكتدلنديين مؤيدة للبقاء في الاتحاد الأوروبي (62%) وهو ما دفع رئيسة وزراء اسكتلندا إلى الإعلان في كانون الاول الفائت ان اسكتلندا ستبدأ في إجراءات تنظيم استفتاء حول الانفصال قبل العام 2023.
ويشكل الاسكتلنديون نحو 8% من شعب المملكة المتحدة، ولا يتجاوز حجم اقتصاد البلد أكثر من 15% من مجموع الاقتصاد البريطاني والناتج القومي الإجمالي ومربط الفرس في قضية انفصال اسكتلندا ان النفط الذي تستخرجه بريطانيا من بحر الشمال يقع في مناطق تتبع اسكتدلندا.
في حزيران الفائت أصدر الحزب الجمهوري في ولاية تكساس الامريكية إعلانا يدعو لإجراء استفتاء على الانفصال عام 2032 علما ان هناك منظمة تسمى “منظمة جمهورية تكساس” تنشط منذ التسعينات وتدعو إلى انفصال تكساس عن الولايات المتحدة.
وفي إسبانيا أصدرت الحكومة الإسبانية في حزيران 2021 عفوا عن 9 من زعماء اقليم كتالونيا، بعدما كانت قد صدرت، عام 2019، أحكام بالسجن على الزعماء لفترات تتراوح بين 9 و13 عاماً لاتهامهم بـ”إثارة الفتنة وسوء استغلال المال العام” أثناء تنظيم استفتاء على الانفصال عن إسبانيا، كانت السلطات الاسبانية قد حظرته لكنه قاد إلى إعلان استقلال الإقليم لفترة وجيزة.
في كل النماذج المذكورة أعلاه تدفع الثروة المركزة في الأقاليم ابناءها إلى الاستقلال وتخلو العلاقة بين المكونات المختلفة، رغم ذلك، من التخوين والانكار ودعوات الالغاء ويتم التعامل مع مفاهيم الحكم الذاتي والانفصال وفقا لاستطلاعات الرأي والاستفتاء والقيم الدستوري والتوافقات السياسية وفي أسوأ الاحوال تتدخل الشرطة والقضاء في حسم الخلافات الناشئة عن النزعات الانفصالية.
في الحالة السورية تسببت الحرب المعقدة والمركبة الجوانب في نشوء سلطة حكم ذاتي تتوزع في الشمال السوري، باسم الإدارة الذاتية لشمال شرق سورية، يؤكد القائمون عليها انه لا مشروع انفصالي في الافق وان مطالبهم تتركز في إعادة بناء سورية جديدة وفق مفاهيم قبول التنوع واللامركزية والديمقراطية، بما يسمح بخروج آمن من قوقعة الدكتاتورية والشوفينية القومية وعلاقة السفاح بين الدين والسلطة وهي قوقعة تطبق على سورية بقوة وبشكل خانق منذ عقود.
رغم ان مطالب اللامركزية والديمقراطية أصبحت خطابا متفقا عليه بين مختلف أطراف الطيف السورية،  رغم ذلك تقابل هذه المطالب عندما تصدر عن نخب الإدارة الذاتية لشمال شرق سورية بخطاب تخويني شوفيني يصدر عن الاعلام الرسمي الحكومي ومستتبعاته من مواقع وصحف وحسابات تواصل اجتماعي وذباب إلكتروني، يطلق على رموز الإدارة الذاتية نعوت العمالة والتخوين والانفصال، في استمرار لخطاب قديم تعانيه سورية منذ عقود و تستعمله السلطة السورية لضرب مخالفيها واغتيالهم معنويا قبل اغتيالهم ماديا، فالمسالة بالنسبة للحكومة السورية لا تعدو اجترار خطاب يعود إلى عقود سابقة ويجري تسليطه على كل مخالف ببساطة، كما لو ان خطاب التخوين والاتهام بالعمالة أصبح غريزة متجذرة لدى هذه السلطة.
الطرف الأخر هو المعارضون الدائرون في الفلك التركي من سوركيين (سوريين ذو هوى قومي تركي) واخوان يسبحون بحمد “الخليفة” اردوغان  فهؤلاء يتحدثون ليل نهار عن الديمقراطية واللامركزية والعدالة، لكنهم ولحسابات تتعلق بتركيا، يصبحون كائنات مسعورة عندما تتناول الإدارة الذاتية لشمال شرق سورية هذه المفاهيم وتطرحها في منابرها المختلفة.
مؤسف ان الاوزبك والبريطانيين والامريكان والاسبان لا يتهمون مواطنيهم في اقليم كاراكالباكستان وفي اسكتلندا وفي تكساس وفي كاتالونيا بالخيانة والانفصال والعمالة رغم تصريح نخب هذه الأقاليم برغبتها في الانفصال، بينما يتهم بعض السوريين نخب شمال شرق سورية بالعمالة والخيانة والانفصال رغم نفي هذه النخب أي توجه لديها نحو الانفصال ورغم تأكيدها على بناء سورية الجديدة الخارجة من براثن الماضي والمستقلة عن الشوفينية القومية والدكتاتورية والاسلام السياسي.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, من هو كاتب المقال  ؟…

حسان يونس كاتب سوري وناشط في المجال الثقافي و الإجتماعي