نوسوسيال

بقلم: ميساء أبو زيدان : وغادرنا “بايدن”

323

 

 

مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة كان المحطة الأخيرة للرئيس الأمريكي “جوزيف بايدن” في جدول زيارته للشرق الأوسط، والتي فتحت باب التكهنات والتحليلات على مصراعيه ودارت بِمعظمها حول فكرة استباحة الولايات المتحدة الأمريكية للمنطقة وفرض مواقفها على قادتها وشعوبها! في تسليمٍ باتَ سقف العديد وبحثهم في توصيف مُجريات المشهد العربي، وبلغةٍ التزمت نمطية الحرف الذي ما انفكَّ يُعظِم من شأن الآخر (المُستَعمِر).

وتفادياً لمجانبة الموضوعية؛ يبدو أن هذه الزيارة تتميز عن سابقاتها لمعظم الرؤساء الأميريكيين، كونها لم تتم من موقف قوة بل على العكس، فالشأن الداخلي الأمريكي هو الدافع الرئيس لها، رغم صخب التصريحات الإسرائيلية والأمريكية التي صاحبتها. فالولايات المتحدة تعاني من موجة تضخم لم تشهدها منذ واحد وأربعين عاماً، ويبدو أنه حتى الاحتياطي الفيدرالي سيعجز بظل الواقع العالمي الراهن عن معالجتها، والذي يتزامَنَ مع الارتفاع الحاد بأسعار النفط على مستوى العالم، الحال الذي تسببَ بتراجع القدرة الشرائية للمواطن الأمريكي، ما سيدفع بهِ كناخب لِمنح صوته للحزب الجمهوري في أية انتخابات قادمة.

اللافت وسط هذا كله؛ كيف استطاع الإعلام الإسرائيلي توظيف المشهد لصالحه في وعي المواطن الفلسطيني بل والعربي، الذين تلقيّا ما صدر من تصريحات تُشكك بمضمون قمة جدَّة للأمن والتنمية، فيتساءلا عن جدوى الزيارة بالسياق الفلسطيني والعربي، وعمّا قدمه (زائر متحف ضحايا النازية) للشعب الفلسطيني الذي يُقاسي جرائم الحرب المستمرة، المُرتَكَبَة من قِبل قادة الإحتلال المتباكين على الظلم التاريخي الذي ألّم بأسلافهم، هذا الزائر الذي حرِص كذلك على الالتقاء بِبنيامين نتنياهو نموذج الفساد ومجرمي الحرب. لكأن قرار الزيارة تمَّ بالترتيب مع القيادة الفلسطينية أو حتى جاء بناءًا على طلبها! وبأنها تأبه لتحصيل القليل من الأموال لشعبها! أو زيارةً مِمَنْ حرص على التلويح بسيف حقوق الإنسان، في الوقت الذي لا تزال إدارته تُنكر جريمة الحرب التي ارتُكِبَت (برصاص مستضيفيه) بحق مواطنتهم فلسطينية الأصل والفِعل (شيرين أبو عاقلة)!

أمّا على صعيد لقاء بايدن بالقادة العرب في جدة؛ انهالت سهام المنابر الصفراء على الفِعل العربي، فتتهم (الإقليم العربي) بأنه بات الميدان المُرتَهِن قدراً لأوامر واشنطن! وبأن قادته سيعملون لاحتضان كيان الاحتلال مكوناً طبيعياً بين شعوبهم! متجاهلين رُماة تلك السهام أن إدارة البيت الأبيض تحاول معالجة إخفاق سياساتها الخارجية مقابل جدّية التحديات الداخلية التي تواجهها، فمِن انسحابها من عدة مواقع في المنطقة العربية، مروراً بالانسحاب الأمريكي الصادم من أفغانستان، وصولاً لضعف وجودها في مركز العالم بِظل الأزمة الأوكرانية التي تُلقي بظلالها على قطبية العالم وتُهدد الدور الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بالمستوى الدولي. الأبرز في هذا السياق؛ أن هذه الإدارة تخشى بجدية مجمل العلاقات العربية – الشرق آسيوية، منها تلك الجهود التي تبذلها كلاً من الرياض وبكين لمواءمة مبادرة الحزام والطريق الصينيّة والرؤية السعودية 2030.

من الواضح إذاً أنّ سمُّي بالــ (التهديد النووي الإيراني) لم يعد لينطلي على قادة وشعوب المنطقة العربية، وهنا يحضرنا المناخ الإيجابي (حسب مصادر عديدة) الذي شهدته مباحثات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل! ولا أمن الاحتلال الإسرائيلي هو الضرورة التي وقفت خلف هذه الزيارة ، فهو جزء أساس ضمن أولويات الأمن القومي الأمريكي. وعليه؛ يبدو أنَّ ما وراء الزيارة يعكس الضعف الفعلي للموقف الأمريكي، تجلى هذا فور الأزمة الأوكرانية التي ستُخلّف عالماً جديداً مغايراً لما كان عليه قبلها، وأيضاً فقدان واشنطن السيطرة على بعض المواقع بالإقليم مما خلف أزمات مركبة لها، كتلك في شمال سوريا مع الجانب التركي. لقد باتت القنبلة النووية حجة ضعيفة يتوارى خلفها الكثير من أزمات الغرب المُستعمر، وإلا فلماذا تستمر المباحثات السعودية – الإيرانية بوساطة عراقية!

بالمقابل؛ يبدو أن الزيارة أكدت على حقائق بات من الهام أن نتفكّر بها، أولها يتجسد بصلابة الموقف الفلسطيني الذي لم يخلُ من أوراق قوة امتلكتها القيادة متمثلة بالرئيس محمود عباس، أولها ثبات الشعب الفلسطيني في معركة التحرر وتقرير المصير، والموقف الرافض لكافة الصفقات التي لا تنسجم ومصالحه الوطنية مهما اكتنزت الحقائب من أموال كما كان فيما سموه سابقاً بـِ “صفقة القرن”. ثانيها؛ أن الموقف العربي من مركزية القضية الفلسطينية حاسم وثابت، ولا مجال للتأويل فيه مهما حاولت ماكينات الاحتلال وحلفاؤه من التشكيك بذلك، وهو ما تجلى في مواقف القادة العرب بختام قمة جدّة، وما رافقها على الهامش من رسائل كالكيفية التي تمت لاستقبال بايدن في جدّة. ثالثها؛ أن الصراع بين الشرق الداعي للتعاون والتنمية، سيستمر مع الغرب الذي لا يمتلك إلا لغة التفوق واستباحة الإنسان (الآخر). لِذا فإنّ هذه الحقائق تتطلب؛ تكثيف برامج الإسناد الوطني للشعب الفلسطيني، وامتلاك إعلام عربي قادر على مواجهة خطاب الاستعمار بمقدمته الخطاب الإسرائيلي الموَجَّه، وأن يُعتمد الحوار والتعاون وإنشاء التحالفات لغة دول الشرق فيما بينها.